الوثيقة الدستورية في السودان.. الأسس القانونية لما بعد نظام البشير

الوثيقة الدستورية في السودان، إطار قانوني يهدف إلى تنظيم الفترة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، عقب احتجاجات شعبية واسعة.
وُقعت الوثيقة في 17 أغسطس/آب 2019 بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم حينئذ وقوى إعلان الحرية والتغيير بوساطة أفريقية، وحددت بموجبها سلطات الحكم وهياكل الفترة الانتقالية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالجبهة الثورية بالسودان ترفض وثيقة الإعلان الدستوري
بعد مفاوضات شاقة.. السودان يوقع على الإعلان الدستوري
السودان.. هواجس إزاء غموض وضعية القوات النظامية بالإعلان الدستوري
خضعت الوثيقة لتعديلات عدة، منها ما جاء بعد اتفاقية جوبا للسلام عام 2020، وما طرأ من تعديل بعد اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
تاريخها
يعود تاريخ الوثيقة الدستورية إلى ما بعد إعلان ضباط من الجيش السوداني، بقيادة عوض بن عوف، عزل الرئيس البشير في 11 أبريل/نيسان 2019 وتعطيل العمل بالدستور، في إطار الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت معظم الولايات أواخر 2018 وتُوجت بوصول المتظاهرين إلى القيادة العامة للجيش والاعتصام أمامها.
وقد رفض المتظاهرون إنهاء الاعتصام، مطالبين المجلس العسكري الانتقالي حينئذ بنقل السلطة إلى المدنيين.
بدأت أولى جلسات التفاوض مع قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين -إحدى المكونات المدنية التي قادت المظاهرات- في 20 أبريل/نيسان 2019، غير أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيلة المجلس السيادي.
انهارت المفاوضات بعد فض اعتصام المتظاهرين بالقوة يوم 3 يونيو/حزيران 2019، والذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص وفقا للجنة الأطباء المركزية. واتهم المحتجون حينئذ قوات الدعم السريع وقوات أخرى بارتكاب ما عرفت بـ"مجزرة القيادة العامة".
وفي اليوم التالي من فض الاعتصام، أعلن الجيش بطلان الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع المحتجين، ودعا إلى انتخابات في فترة لا تتجاوز 9 أشهر.
وبعد تنفيذ المتظاهرين عصيانا مدنيا في العاصمة الخرطوم، أعلنت وساطة إثيوبية أن المجلس العسكري الانتقالي وقادة الاحتجاج وافقوا على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وبعد شهر من المفاوضات بين المجلس العسكري وقادة الاحتجاج، تم التوصل إلى "وثيقة الاتفاق السياسي"، التي حددت شكل مؤسسات الحكم والترتيبات الانتقالية، إضافة إلى المجلس التشريعي ولجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة.
وقد مهد الاتفاق السياسي للتوصل إلى "الوثيقة الدستورية" في أغسطس/آب 2019 بوساطة من الاتحاد الأفريقي، بهدف تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين العسكريين والمدنيين حتى إجراء الانتخابات العامة.
وقعت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري على الوثيقة الدستورية رسميا يوم 17 أغسطس/آب 2019، بحضور قادة وشخصيات إقليمية ودولية، منهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، والرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي.
أهم بنودها
من أبرز بنود الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019، والتي صادق عليها المجلس العسكري يوم 20 أغسطس/آب من العام نفسه:
- إلغاء العمل بالدستور الانتقالي لعام 2005 ودساتير الولايات، على أن تظل القوانين الصادرة بموجبها سارية المفعول ما لم تُلغ أو تُعدل.
- الوثيقة الدستورية هي القانون الأعلى في البلاد، وتسود أحكامها على جميع القوانين.
- جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة وديمقراطية برلمانية تعددية ولا مركزية، تجري فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب عرق أو دين أو ثقافة أو جنس أو لون أو وضع اجتماعي واقتصادي أو رأي سياسي.
- لا تسقط بالتقادم جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والقتل خارج نطاق القضاء، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، والفساد المالي، وجميع الجرائم التي تنطوي على إساءة استخدام السلطة، التي ارتكبت منذ سيطرة البشير على السلطة عام 1989.
- مدة الفترة الانتقالية 39 شهرا من تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية.
- العمل على تحقيق السلام العادل والشامل وإنهاء الحرب عبر معالجة جذور الأزمة السودانية.
- إلغاء القوانين والنصوص المقيدة للحريات أو التي تميز بين المواطنين على أساس النوع.
- تفكيك نظام الـ30 من يونيو/حزيران 1989، وبناء دولة القانون والمؤسسات.
- تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستلقة في الانتهاكات التي جرت في 3 يونيو/حزيران 2019 أمام القيادة العامة للجيش السوداني.
- تشكيل "مجلس سيادة" يكون رأس الدولة، مكون من 11 عضوا، تختار قوى الحرية والتغيير 5 مدنيين منهم، بينما يختار المجلس العسكري 5 آخرين، ويتم اختيار العضو الأخير بالتوافق بين الطرفين.
- يرأس مجلس السيادة العسكريون في الأشهر الـ21 الأولى من الفترة الانتقالية، بينما يرأسه مدني في الأشهر الـ18 المتبقية.
- يمارس مجلس السيادة سلطة اعتماد أعضاء الحكومة والمناصب العليا في البلاد، إضافة إلى المصادقة على إجراءات أخرى.
- يكون مجلس وزراء انتقالي من عدد لا يتجاوز 20 وزيرا من الكفاءات الوطنية المستقلة، يعينهم رئيس الحكومة من قائمة مرشحي قوى الحرية والتغيير، بينما يرشح الأعضاء العسكريون في مجلس السيادة وزيري الدفاع والداخلية.
- يعمل مجلس الوزراء على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، والسعي إلى إيقاف الحروب والنزاعات، وبناء السلام، وابتدار مشاريع القوانين، وإعداد الموازنة العامة للدولة، وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
- لا يحق لرئيس وأعضاء مجلسي السيادة والوزراء، وولاة الولايات أو حكام الأقاليم، الترشح في الانتخابات العامة التي تلي الفترة الانتقالية.
- يشكل "مجلس تشريعي انتقالي" يختص بسن القوانين والتشريعات، ويراقب أداء الحكومة، ويجيز الموازنة العامة. وإلى حين ذلك، تؤول سلطات المجلس لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء، ويمارسونها في اجتماع مشترك، وتتخذ قراراته بالتوافق أو بأغلبية الثلثين.
وإضافة إلى الوثيقة الدستورية وُضعت "وثيقة الحقوق والحريات"، التي تتضمن عددا من النقاط، منها حق المواطنة والجنسية والحرية الشخصية والمساواة أمام القانون وحقوق المرأة والطفل وتحريم التعذيب وضمان المحاكمة العادلة وحرية العقيدة والعبادة وغيرها.
اتفاقية جوبا
بعد عام من المفاوضات بين الحكومة الانتقالية في السودان وحركات مسلحة، وقعت يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020 "اتفاقية جوبا للسلام" لإنهاء سنوات من الحرب المستمرة، خاصة في إقليم دارفور.
وتعالج الاتفاقية عددا من القضايا، منها مسألة القومية والهوية والترتيبات الأمنية والمواطنة والعدالة الانتقالية، إلى جانب الحريات العامة.
وبموجب اتفاقية جوبا، طرأت تعديلات على الوثيقة الدستورية، منها حذف عبارة "لا مركزية" في وصف الدولة واستبدالها بكلمة "فدرالية"، إضافة إلى تمديد الفترة الانتقالية لتصبح 39 شهرا من تاريخ التوقيع على الاتفاقية.
وأعيد تشكيل مجلس السيادة ليصبح مكونا من 14 عضوا بدلا من 11، إذ تختار قوى الحرية والتغيير 5 أعضاء مدنيين، ويختار العسكريون 5 آخرين، ويتم اختيار عضو مدني بالتوافق بين الجانبين، ويضاف إليهم 3 آخرون تختارهم الأطراف الموقعة على اتفاقية جوبا.
ونص التعديل الجديد على إضافة عبارة "أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان" إلى بعض البنود.
كما عُدل في تشكيل مجلس الوزراء، إذ أزيلت كلمة "مستقلة" من تصنيف العضوية، ليصبح التوصيف "كفاءات وطنية"، يعينهم رئيس الحكومة من مرشحي قوى الحرية والتغيير وأطراف اتفاقية جوبا، على أن تُخصص نسبة 25% لأطراف الاتفاق.
وجرى التعديل على بند من يحق له الترشح للانتخابات العامة، إذ نص على ألا يُطبق حظر الترشح على أعضاء مجلسي السيادة والوزراء من أطراف اتفاقية جوبا، مع إلزامهم بتقديم استقالاتهم قبل 6 أشهر من نهاية الفترة الانتقالية.
كما أدرجت "اتفاقية جوبا للسلام" في الوثيقة الدستورية الموقعة عام 2019، وأصبحت جزءا منها.
وأنشئ مجلس جديد عُرف بـ"مجلس شركاء الفترة الانتقالية"، بهدف حل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وضمان نجاح الانتقال.
إجراءات البرهان
في يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان اتخاذ إجراءات وصفها معارضون بـ"الانقلاب وتقويض الانتقال الديمقراطي"، إذ فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد واعتقل عددا من الوزراء والمسؤولين في الحكومة.
كما علق البرهان العمل بالمواد "11 – 12 – 15 -16 – 24/3 – 71 – 72" من الوثيقة الدستورية، وحل بموجب الإجراءات مجلسي السيادة والوزراء، وأنهى عمل حكام الولايات ووكلاء الوزرات، وجمد عمل لجنة إزالة تمكين نظام الرئيس البشير حتى مراجعة أعمالها.
ما بعد حرب 2023
في 15 أبريل/نيسان 2023، اندلع قتال عنيف بين القوات المسلحة بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان (حميدتي)، نتج عنه وضع سياسي مضطرب في البلاد.
وبعد أشهر من المشاورات بين قيادة البلاد والمجموعات السياسية والحركات المسلحة الداعمة للجيش، طرأت تعديلات جديدة على الوثيقة الدستورية بعد إقرارها عبر مجلس السيادة ومجلس الوزراء المكلف.
وفي 23 فبراير/شباط 2025، نشرت وزارة العدل السودانية الوثيقة المعدلة في الجريدة الرسمية. وألغي بموجب التعديلات أي ذكر لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع.
كما حظر التعديل على حاملي الجوازات الأجنبية تقلد أي منصب في الحكومة، ووضعت عملية رسم السياسية الخارجية وتنفيذها تحت إشراف مجلس السيادة.
وأقرت الوثيقة المعدلة تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهرا، ما لم يتم التوصل إلى توافق وطني أو تنظيم انتخابات جديدة.
كما أجري تعديل على بعض البنود المتعلقة بالمجلس التشريعي، واستبدلت بـ"السلطة التشريعية الانتقالية" المؤلفة من مجلسي السيادة والوزراء، ومنحها حق التشريع والرقابة على الجهاز التنفيذي، لحين تكوين مجلس تشريعي جديد.
وعُدل أيضا عدد أعضاء مجلس السيادة الانتقالي ليكون 11 عضوا، منهم 6 يعينهم الجيش بدلا من 4، و3 ترشحهم القوى الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، على أن يرأسه قائد الجيش.
ومنح التعديل مجلس السيادة صلاحيات واسعة، منها تعيين وإعفاء رئيس الوزراء بتوصية من السلطة التشريعية الانتقالية، إضافة إلى تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات.
وأعطى التعديل مجلس السيادة حق تعيين وإعفاء رئيس القضاء ونوابه وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء الأعلى، على أن يعينهم مجلس السيادة إلى حين تشكيل مجلس القضاء.
وبحسب التعديل، يحق لمجلس السيادة تعيين وإعفاء قائد الجيش بناء على ترشيح وتوصية من هيئة قيادة القوات المسلحة، وتعيين وإعفاء رئيس جهاز المخابرات العامة، فضلا عن تعيين وإعفاء المدير العام للشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناء على توصية وزير الداخلية.