طبيا.. كيف يقتل الحوت الأزرق صاحبه؟
"لعبة الحوت الأزرق" هي تحدّ يوجد فقط ضمن مجموعات مغلقة من الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي، تحدٍّ صممه، حسب ادعائه، الروسي فيليب بوديكين (Philipp Budeikin)*.
ويتضمن التحدي مجموعة من المهمات يكلّف بها من قرر الخوض فيه، تبدأ من مهمات بسيطة كالاستيقاظ في موعد محدد، ومشاهدة أفلام رعب بعينها، والاستماع لأغانٍ محددة، ورسم شكل الحوت على الجلد بأداة قاطعة، وإيذاء الجسم بطرق مختلفة، والانعزال عن الناس لمدة يوم كامل.
ثم تتطور التحديات شيئا فشيئا في العنف حتى تصل إلى التحدي النهائي، وهو أن يطلب مدير التحدي من الخاضع له أن ينتحر في موعد محدد بالقفز من أعلى المنزل مثلا.
وهنا يظهر أن فكرة التحدي ببساطة ترتبط بشخصين تجمعهما علاقة من نوع خاص. الأول هو المسؤول عن التحدي، وهو ببساطة نموذج للمتصيد الإلكتروني، واللاعب الذي ترتبط صفاته النفسية -كما تشير دراسة أيرين باكل من قسم علم النفس بجامعة مانيتوبا، كندا– بما نسميه الرباعي المظلم (Dark Tetrad)، ويعني ذلك وجود أربع صفات مضطربة لدى الشخص نفسه، هذه الصفات هي السادية (Sadism) (بنوعيها الصريح وغير المباشر)، والميكيافيلية (Machiavellianism)، والاعتلال النفسي (Psychopathy)، والنرجسية (Narcissism).
السادية هي التلذذ بإيذاء الآخرين والتمتع بتخريب حياتهم دون أي شعور بالذنب، أما الميكيافيلية فهي ترتبط بأشخاص يتعمّدون التلاعب بالآخرين واستغلالهم لتحقيق المصلحة الذاتية فقط دون أي اعتبارات أخرى، مع برود واضح وانفصال ساخر عن الأخلاق والذوق العام.
أما الاعتلال النفسي (السايكوباثي) فيشير بشكل عام إلى أفكار معادية للمجتمع، وتتميز تلك الشخصية بالاندفاع والقسوة بالطبع، ثم أخيرا، النرجسي هو شخص أناني ومتكبر، لديه شعور بالعَظَمة وغير متعاطف مع الآخرين.
تتركز مهمة هذا المتصيد، كما يبدو، في إيجاد الضحية المناسبة، الذي غالبا ما يكون مراهقا سهل الانقياد متحفزا بالفعل لأداء تلك المهمات.
وهنا تبدأ المشكلة، إذ إن الراغب في الانضمام لذلك التحدي غالبا ما يكون قد تعرض لنكسة نفسية، أيا كانت صورتها، الاكتئاب مثلا، وصار جاهزا لاستقبال هذا النوع من الممارسات الذي أخبره عنه صديق أو قرأ عنه عبر الإنترنت، وتكون المهمة الإضافية لهذا المسؤول عن التحدي هي -ربما- الحفر في منشورات الضحية وربما الإلقاء بأي برمجيات خبيثة في جهازه أثناء الحديث معه لتسجيل ما يمكن أن يستخدم فيما بعد للضغط على الضحية وابتزازه من أجل استكمال المهمات.
التنمر
ويمكن ملاحظة أن "الحوت الأزرق" يمثل نموذجا صريحا للتنمر الإلكتروني الذي كان قد تسبب بالفعل في حالات انتحار سابقة، لكن هنا يجب أن نوضح أن هناك فارقا بين وجود هذا النوع من التنمر الإلكتروني ووجود حالات انتحار بسبب لعبة محددة مثل "الحوت الأزرق".
إذ إنه وعلى الرغم من وجود الكثير من الإشارات، فإننا لا نجد أي تصريحات من هيئات متخصصة تربط بين "الحوت الأزرق" وحالات الانتحار المشار إليها في السنتين السابقتين، حتّى إن بعض المؤسسات قد صرّحت بأن الانتحار بسبب "الحوت الأزرق" هو خبر زائف انتشر بشكل مهول وتمت المبالغة في تأثيره لكسب أعداد ضخمة من المتابعين لبعض الصفحات الإخبارية.
كذلك لا توجد أي إحصاءات واضحة عن ارتفاع معدلات الانتحار بعد انتشار تلك الأخبار، لكن ما هو أمر ممكن بالطبع هو وجود متنمرين قد يستغلون المراهقين والشباب في سن صغيرة ويدفعون بهم للانتحار عبر الزج بهم من خلال استغلال حالاتهم النفسية السيئة أو ابتزازهم.
وسواء وُجد ذلك التحدي بالصورة التي يتم الترويج بها له أم لا (لعبة الحوت الأزرق)، وهو غالبا ليس كذلك، فإن المشكلة الرئيسية التي نفوّتها أثناء أحاديثنا المبهرجة في وسائل التواصل الاجتماعي حول "لعبة تسحر الأطفال وتدفعهم إلى الانتحار" هو حالة الطفل الذي يقرر بالأساس الخضوع للتصيد الإلكتروني ذي الطبيعة المشابهة، أيا كانت صورته، فهو يعبر عن نموذج نجده واضحا في نظرية اقترحها توماس جوينر، المتخصص في علم النفس الإكلينيكي من جامعة فلوريدا، قبل سنوات عدة حول دوافع الانتحار، تتكون تلك النظرية من ثلاث أفكار تنمّي نفسها في دماغ المُقدِم على الموت بالانتحار.
وتشمل النظرية ثلاث أفكار، وهي "أنا وحيد"، إذ يشعر الشخص بانعزال تام عن العالم من حوله، والثانية هي "أنا عبء"، وهو شعور الشخص بأنه حمل ثقيل على من هم حوله، غالبا ما تجتمع هاتان الفكرتان في الحالات القاسية من مرض الاكتئاب بشكل أكثر وضوحا، أما الفكرة الثالثة فهي فكرة "أنا غير خائف من الموت"، ويطورها الشخص الذي تعرض بالفعل لحالات سابقة من العنف الشديد. وحينما تجتمع تلك الأفكار الثلاث معا فنحن أمام شخص يمكن أن ينتحر بالفعل.
أضف إلى ذلك أن أحد أسباب الانتحار المحتملة، والمتعلقة بانتشار الأخبار عن لعبة الحوت الأزرق، هو الانتحار بالتقليد (Copycat)، أو ما نسميه بتأثير ويرثر (Werther effect)، حيث تجد مثلا أنه خلال مدة زمنية محددة يُقدِم مجموعة من الطلبة بالمرحلة الثانوية على الانتحار بالطريقة نفسها، أو أن ترتفع المعدلات بنسبة 10% بعد انتحار ممثل شهير مثل روبين وليامز في أغسطس/آب 2014.
وما يحدث بالفعل هو أن انتشار تلك الموجات الواسعة من الأخبار حول الانتحار، أو حدوث حالات انتحار فعلية في وسط محدد (طلبة المرحلة الثانوية مثلا)، يتسبب في دفع المزيد من هؤلاء الذين يفكرون بالفعل في الانتحار إلى اتخاذ خطوتهم تأثرا بتلك الأخبار.
موجة أخبار
والحقيقة أن أسوأ ما حدث في حكاية "الحوت الأزرق" هو تلك الموجة الواسعة من الأخبار التي ملأت الإنترنت العالمي والعربي لتصور ذلك التحدي على أنه شيء سحري خاص ربما يرتبط بتنويم مغناطيسي، بل ربطه البعض بحالات اللبس والمس من الجن، وألمح البعض الآخر إلى موضوع عبادة الشيطان والطقوس المرتبطة بذلك.
وربما كان السبب في انتشار تلك الأخبار الفانتازية المصبوغة بجانب سحري عن اللعبة هو طبيعة الخطوات الخمسين المرعبة التي يقوم الخاضع لها بتنفيذها، كذلك خبر القبض على فيليب بوديكين الروسي ذي الواحد والعشرين عاما، والأساطير حول أسباب طرده من كلية علم النفس، وكونه كان طالب علم نفس بالأساس.
بالإضافة إلى تصريح ينسب إليه يقول فيه إنه ابتكر اللعبة للتخلص من حثالة هذا العالم، فمن يخضع للعبة كتلك هو شخص ضعيف لا يجب أن يستمر في الحياة، لذلك سوف نتخلص منه، كل ذلك بجانب ما انتشر أن سبب تسميتها كذلك هو أن الحوت الأزرق ينتحر بإلقاء نفسه على الشاطئ تسبب في إعطاء طابع غرائبي للعبة.
المشكلة ليست إذن في "الحوت الأزرق"، سواء كانت ظاهرة حقيقية منتشرة بالقدر نفسه الذي تشير له أخبار وسائل التواصل أم لا، المشكلة هي أن التنمر الإلكتروني، فهو بالفعل ظاهرة واسعة الأثر لا توجد لها حلول واضحة بعد.
في النهاية فإن هناك وسيلة سهلة قد تساعد أطفالنا على تجنب ذلك كله، وهي متابعتهم والاهتمام بخلق جسر من التواصل معهم، سوف يحميهم ذلك من مشكلات إلكترونية عدة ممكنة، سواء كان مجرد تنمر بسيط في الفصل الدراسي، أو حالة أكثر شدة بابتزاز من قِبَل أحد المتنمرين الإلكترونيين.
_______________
* منشور بتصرف من مقال لشادي عبد الحافظ على موقع ميدان، بعنوان "كيف يمكن للعلم تفسير انتحار لعبة الحوت الأزرق؟".