ماذا دار بأبرز دورات المجلس الوطني الفلسطيني؟
تأسس المجلس الوطني الفلسطيني عام 1948 بجهود قام بها الزعيم الحاج أمين الحسيني، ومنذ ذلك التاريخ عقد 22 دورة فقط رغم أن نظامه الأساسي ولائحته الداخلية تنصان على أن ينعقد مرة كل عام، ويمكن أن يعقد في العام الواحد أكثر من دورة لظروف استثنائية.
فبعد نكبة فلسطين، عبر الشعب في مؤتمر غزة الذي دعت إليه الحركة الوطنية مطلع أكتوبر/تشرين الأول 1948 عن إرادته في الاستقلال وإقامة حكومة حكم وطني على كامل فلسطين.
وجسد تلك الإرادة في إنشائه لحكومة عموم فلسطين حين قام الحاج "أمين الحسيني "بالعمل على عقد مجلس وطني في غزة مثل أول سلطة تشريعية تقام على أرض الدولة العربية الفلسطينية التي نص عليها قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، حيث قام المجلس حينذاك بتشكيل حكومة عموم فلسطين برئاسة "حلمي عبد الباقي " الذي مثل فلسطين في جامعة الدول العربية.
غير أن دورات المجلس لم تعقد بانتظام، بل أصيب إنه بشلل تام منذ عام 1996 حيث لم يعقد خلالها أي دورة رغم ما مر على القضية من تطورات مهمة كانت تستدعي انعقاده إلى حدود عام 2009 حيث عقدت دورة استثنائية في رام الله.
وفي العموم، سارت أهم الدورات وأبرز القرارات على النحو التالي:
دورتا 1965 و1966.. العضوية ثقب بجدار المجلس
كانت الدورتان الثانية والثالثة عامي 1965 و1966 استعراضا لما تم إنجازه وفقا للقرارات والتوصيات الصادرة عن الدورة الأولى، وتأكيدا للخط الفكري والنهج السياسي للمنظمة.
عقدت الدورة الثانية في القاهرة بنفس العدد الذي حضر الأولى (422) في حين فوجئ الحضور بالدورة الثالثة التي عقدت في غزة بزيادة العدد إلى 466 عضوا.
وقد مرت مسألة الزيادة دون مشاكل تذكر، الأمر الذي أحدث فيما بعد ثقبا في بنيان المجلس تسلل منه أعضاء جدد ظلوا يتزايدون باستمرار دون ضابط أو رابط، وبعيدا عن أي رقابة أو آلية متفق عليها لتنفيذ ما ورد بالنظام الانتخابي للمجلس من شروط ومواصفات للعضوية بلغت في تفصيلاتها 73 مادة.
وهي ضوابط كانت لازمة وتطبيقها كان كفيلا بتحسين كفاءة أداء المجلس ووقف الترهل الذي حدث له، وكان من مظاهره تضخم عدد أعضائه الذين وصلوا لأكثر من سبعمئة عضو (عدد من حضروا دورة عام 1996).
في العام التالي (1965) انعقدت الدورة الثانية للمجلس الوطني بالقاهرة، وقدم خلالها أحمد الشقيري تقريرا عما تم إنجازه منذ الدورة السابقة قبل عام وما قامت به اللجنة التنفيذية برئاسته، واستعرض ما تم بخصوص إنشاء القوات العسكرية والصندوق القومي ودوائر المنظمة المختلفة واستقرار الأمور الإدارية في مقرها العام بـ القدس الشريف.
وفي الدورة نفسها، قدّم الشقيري استقالته فقبلها المجلس، ثم عاد ومنحه ثقته وجدد رئاسته للجنة التنفيذية، كما منحه حق اختيار أعضائها.
واضح إذن من الدورتين الأولى والثانية، وبالأخص من لحظة تأسيس المجلس ومجريات جلسات دورته الأولى، أن إنشاءه جاء خطوة ضرورية لمنح الشرعية الشعبية للمنظمة الوليدة "منظمة التحرير الفلسطينية" كذلك أصبح منذ تلك اللحظة بمثابة الهيئة الاستشارية العليا للمنظمة وأعلى سلطة تشريعية.
وقد ثار تساؤل لا يزال حاضرا دون إجابة قاطعة حتى اليوم: هل يمثل هذا المجلس مرجعية عليا للشعب الفلسطيني بكل ما في نسيجه من أفراد مستقلين ومن تنظيمات وفصائل حتى لو لم تكن تلك التنظيمات والفصائل جزءا من منظمة التحرير مثل حركتيْ المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي على سبيل المثال، وحتى لو كان الوصف الرسمي العربي للمنظمة -كما جاء في قمتي الرباط والدار البيضاء عامي 1973 و1974- هو أنها "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"؟
دورة 1968.. استقالة الشقيري وبروز عرفات
عام 1968 عقد المجلس الوطني دورته الرابعة بالقاهرة (دورة ما بعد هزيمة يونيو/حزيران) برئاسة عبد المحسن القطان. كانت حركة فتح قد بسطت سيطرتها على منظمة التحرير عن طريق زيادة أعداد "الفتحاويين" فيها واستطاعوا بأصواتهم إنجاح الناطق الرسمي باسم حركتهم ياسر عرفات الذي رشح نفسه رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة. وفي الدورة نفسها قدم الشقيري استقالته بعدما أصبحت بيئة العمل داخل المنظمة -على حد قوله- غير مهيأة لاستمراريته، واختير يحيى حمودة خلفا له، كما اختير خالد الفاهوم لرئاسة المجلس الوطني وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1984.
دورات 1969 و1970 و1971.. رفض مبادرة روجرز
كان الشغل الشاغل لهذه الدورات الثلاث التي عقدت ثانيتهما (1970) بصورة استثنائية في عمان، بلورة موقف سياسي إزاء مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز التي قبلها الرئيس جمال عبد الناصر كسبا للوقت لحين اكتمال بناء حائط الصواريخ على طول قناة السويس.
وقد أصدر المجلس الوطني قراراته برفض المبادرة معللا ذلك بعدم تعرضها لحق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية بحدود 1948، ولأنها -على حد وصف المجلس- تقود إلى الاعتراف بدولة إسرائيل.
دورتا 1972 و1973.. السلطة طريق إلى الدولة
في هاتين الدورتين تبنى المجلس الوطني بعض القرارات التي تؤشر إلى بداية تغير في فكر منظمة التحرير فيما يتعلق بحلم الدولة. فقد نشأت المنظمة على أساس العمل على تحرير كامل التراب الوطني وإقامة الدولة على كل حدود فلسطين، وعدم الاعتراف بقرار التقسيم، وبالتالي عدم الاعتراف بالعدو الإسرائيلي.
لكن في دورة 1972 الاستثنائية التي عقدت في عمان تبنى المجلس فكرة الدعوة إلى "الدولة الديمقراطية العلمانية" وفي عام 1973 بدورة القاهرة اتخذ قرارا يدعو إلى: "إقامة السلطة الوطنية المستقلة والمقاتلة للشعب الفلسطيني على كل جزء يتحرر من الأرض الفلسطينية".
يجب ألا يكون ثمن هذا الكيان الفلسطيني (السلطة) الاعتراف بإسرائيل أو عقد الصلح أو التنازل عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير.
وتنبع أهمية دورة 1973 وتلك القرارات من كونها وضعت للمقاومة مشروعا سياسيا يتضمن مراحل متدرجة للهدف النهائي وهو تحرير فلسطين.
دورة 1974.. شرعية المنظمة كممثل وحيد للفلسطينيين
في هذه الدورة رحب المجلس الوطني بنتائج القمة العربية المنعقدة بالرباط عام 1974 والتي حسمت بصورة نهائية النزاع بين ملك الأردن الحسين بن طلال ومنظمة التحرير، حيث صدر قرار بالإجماع جاء فيه أن "قادة الدول العربية يؤكدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على كل أرض يتم تحريرها". وكان هذا القرار تدعيما للمنظمة ومجلسها الوطني، وقد ساعد الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوة عرفات إلى إلقاء خطابه الشهير من على منبرها في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.
دورة 1977.. تغيير آخر في لغة الخطاب
لم يعقد المجلس الوطني دورات عامي 1975 و1976، وبدأ عام 1977 بعقد دورة في القاهرة بالفترة من 12 إلى 22 مارس/آذار أطلق عليها دورة الشهيد كمال جنبلاط. وقد لوحظ على بيان المجلس استخدامه عبارات تعزيز التضامن العربي بديلا عما كان مستخدما من قبل من عبارات الوحدة العربية والاتحاد العربي وما إلى ذلك.
دورتا 1979 و1981.. تكرار الهجوم على كامب ديفد
يلاحظ أن الفترات الزمنية لانعقاد دورات المجلس الوطني بدأت تتباعد، فبدلا من الانعقاد مرة كل عام وأحيانا في العام الواحد مرتين، أصبح انعقادها مرة كل عامين أمرا طبيعيا.
في دورة 1979 التي عقدت في دمشق وأطلق عليها دورة هواري بومدين، أدان المجلس معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وكذلك فعل بدورة 1981 التي عقدت كذلك بدمشق، حيث اعتبر المجلس أن أي تحرك أو تضامن عربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ينبغي أن يبنى على الأسس التالية:
-الحقوق الوطنية الفلسطينية.
-الحق في العودة.
-الحق في تقرير المصير.
-السيادة في دولة مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
-التأكيد على أهمية الحوار الأردني الفلسطيني.
كما لوحظ على أعمال هاتين الدورتين بداية تقارب المجلس ومنظمة التحرير مع السياسة السعودية التي بدأت هي الأخرى في البروز مع الطفرة النفطية ودخول المال السعودي على خط السياسات العربية بقوة.
وقد رحب عرفات آنذاك بالمبادئ الثمانية لمشروع فهد كأساس لتسوية إسرائيلية عربية بعد انسحاب إسرائيل من أراضي عام 1967 مقابل "الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش في سلام" في إشارة إلى حق إسرائيل في الوجود والعيش في سلام مع جيرانها العرب. ووصف عرفات هذه المبادرة بأنها "جيدة وبرنامج مهم للغاية من أجل إقامة سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط".
دورة 1983.. خط سياسي أحدث انشقاقات
تميزت دورة المجلس الوطني هذه المنعقدة بالجزائر عام 1983 بنشاط ملحوظ وقرارات مهمة أعادت إلى واجهة العمل السياسي منظمة التحرير كمتحدث وحيد باسم الشعب الفلسطيني تبدي رأيها وتبادر بتقديم رؤاها وتصوراتها بدلا من الأنظمة العربية التي حاولت القيام بهذا الدور سواء النظام المصري عام 1979 أو السعودي عام 1981.
وتميزت كذلك بشيء مهم أصبح فيما بعد علامة بارزة في النظام السياسي الفلسطيني، إذ ظهر في هذه الدورة تغول اللجنة المركزية لمنظمة التحرير على صلاحيات المجلس الوطني وقدرتها على توجيه النقاش باتجاه قرارات بعينها تريدها اللجنة ورئيسها عرفات، الأمر الذي أحدث انشقاقات فيما بعد.
كان هم المجلس بالدورة المذكورة وضع برنامج سياسي يحظى بتوافق الفصائل الفلسطينية حفاظا على الوحدة الوطنية واستقلال القرار والكفاح المسلح. وانطلاقا من هذا قرر المجلس قبول مشروع فاس باعتباره "عتبة دنيا لمبادرة سياسية تجمع بين مقترحات الدول العربية وبالأخص ما جرى التفاوض عليه بين ياسر عرفات والملك حسين بخصوص الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية".
وكان أهم ما في قرارات المجلس الخاصة بقبول مشروع فاس انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وحق اللاجئين في العودة أو التعويض والسلام بين الدول العربية وإسرائيل.
وقد سببت قرارات المجلس الوطني في دورته تلك انشقاقات في صفوف المقاومة وحركة فتح، عبرت عن نفسها فيما بعد فيما سمي ببيان الانفصال الذي تلاه العقيد أبو موسى أمام المجلس الثوري لفتح في عدن وحدد فيه ثلاث نقاط اعتبرها كافية للتمرد، متهما عرفات باحتكار الرأي السياسي وتوجيه مستقبل الكفاح المسلح وفقا لرأيه. وقد سار على نفس منوال الاعتراض والانشقاق أحمد جبريل طاعنا في الخط السياسي لعرفات.
دورة 1985.. نبذ "إرهاب" المنظمة
عقدت هذه الدورة في عمّان وكان أهم قراراتها الترحيب باتفاق عمان بين المنظمة والأردن والذي نصت أهم بنوده على قبول مبدأ الأرض مقابل السلام، وموافقة المنظمة على عقد مؤتمر دولي للسلام تحضره كل الأطراف بما فيها إسرائيل، غير أن هذه الدورة شهدت وربما للمرة الأولى تكرار عبارة "نبذ الإرهاب" وقد نصت الاتفاقية على نبذ الإرهاب من قبل المنظمة. وعبارة الإرهاب هذه ستستعمل كثيرا فيما بعد وستختلط بسببها أوراق كثيرة وعناوين لم تكن تسبب خلطا من قبل كالمقاومة والكفاح المسلح وعلاقة ذلك بما يسمى الإرهاب.
دورة 1988.. إعلان الدولة الفلسطينية
جاءت هذه الدورة وسط أحداث متسارعة وساخنة. الانتفاضة الأولى قامت قبل عام ولا تزال على أشدها، وإسرائيل في أبريل/نيسان اغتالت خليل الوزير (أبو جهاد) أحد أبرز قادة المنظمة، والملك حسين قرر في يوليو/تموز قطع جميع الروابط القانونية والإدارية بين بلده والضفة الغربية، وعرفات دعا إسرائيل من على منبر البرلمان الأوروبي إلى عقد "سلام الشجعان".
غير أن كل ذلك لم يغير شيئا على الأرض، وحتى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف الذي أعلن في ذات الدورة قوبل ببرود أميركي، إذ لم تمنح الولايات المتحدة عرفات تأشيرة دخول للذهاب إلى نيويورك مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
دورة 1991.. الموقف من مؤتمر مدريد
جاءت هذه الدورة في ظروف بالغة الحساسية عربيا وفلسطينيا، فالعالم العربي خرج للتو من حرب الخليج الثانية التي غزا فيها العراقُ الكويتَ ودُمر جانب كبير من قوته العسكرية على أيدي قوات التحالف الدولية التي كانت تقودها الولايات المتحدة، مما أخرجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.
والعرب أنفسهم خرجوا من هذه الحرب ممزقين سياسيا لدرجة لم تحدث من قبل بهذه الحدة. ومنظمة التحرير اتهمت بمجاملة العراق مما ألب عليها وعلى الفلسطينيين دول الخليج. ثم جاء مؤتمر مدريد للسلام في ظل هذه الظروف جميعها، وكان على المجلس الوطني رسم وبلورة موقف سياسي محدد.
أرادت المنظمة المشاركة في مؤتمر مدريد لكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ولكون أحد أهم بنود المؤتمر هو بحث السلام في الشرق الأوسط وفي القلب منه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن إسرائيل رفضت مشاركة وفد المنظمة منفردا واشترطت عليه الاندماج مع الوفد الأردني وأن توافق مسبقا على أعضائه، وأبت أن يكون هؤلاء الأعضاء من منظمة التحرير أو من المقيمين في القدس الشرقية أو مفوضين من فلسطينيي الشتات، كما رفضت مسبقا الدولة الفلسطينية.
هنا عقد المجلس الوطني دورته في الجزائر برئاسة عبد الحميد السائح في الفترة من 23 إلى 28 سبتمبر/أيلول 1991 وخرجوا بإعلان سياسي يؤكد المبادئ التالية:
– ضرورة انعقاد مؤتمر مدريد على أساس القرارين 242 و338 تحت شعار "الأرض مقابل السلام".
– الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وبحقه في تقرير مصيره وفي الاستقلال والسيادة.
– حق اللاجئين في العودة.
– تعهد الإسرائيليين بالانسحاب من القدس الشرقية.
– الوقف الفوري لإقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
– تفكيك المستوطنات المقامة بصورة غير قانونية في الأراضي المحتلة.
– تسمية الممثلين الفلسطينيين في مؤتمر السلام من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بدون تدخل خارجي.
– ضمان الروابط بين مختلف مراحل السلام، والسيادة الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية على الأرض والماء، والاستقلال في إدارة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
ورغم كل هذه المبادئ التي أكدها المجلس الوطني وخاصة في شأن تمثيل منظمة التحرير وضرورة وفد فلسطيني مستقل، فإن المجلس المركزي الفلسطيني خالف ما انتهى إليه المجلس الوطني فرضخ للضغوط الأميركية وللشروط الإسرائيلية وقبل بفكرة الوفد المشترك الأردني الفلسطيني بعد حصوله على كتاب تأكيد من الإدارة تحدد فيه المبادئ الأساسية التي ترشد مسعاها فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أي بأفكارها الأساسية وتوجهاتها الإستراتيجية في مفردات القضية الفلسطينية (اللاجئون، الدولة، القدس.. إلخ).
دورة 1996 الأخيرة.. إلغاء بنود من الميثاق الوطني
جاءت هذه الدورة المهمة والأخيرة من دورات المجلس الوطني في ظروف سياسية وإنسانية عربية بالغة الدقة، فقد عمت الآفاق أصوات أزيز الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف لبنان فيما سمي عملية "عناقيد الغضب" وخلفت مأساة مروعة تمثلت في مجزرة قانا التي قتل فيها 102 لبناني مدني كانوا يحتمون بمقر الأمم المتحدة، فضلا عن تهجير آلاف اللبنانيين من الجنوب. ولم يكن الشارع العربي مهيأ لأي مبادرة سياسية أو تسوية سلمية أو مصدقا لأي حديث إسرائيلي عن السلام في ذلك الوقت.
كان عرفات قبل عام قد دخل مع إسرائيل في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاق أطلق عليه اتفاق طابا (أوسلو رقم 2 يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995) ونص في البند التاسع من المادة 31 على أن "تتعهد منظمة التحرير الفلسطينية بأن يجتمع المجلس الوطني الفلسطيني بعد شهرين من اضطلاع المجلس التشريعي (وهو مجلس له سلطة تشريعية نصت على تكوينه نفس الاتفاقية) بمهماته ويتولى التصديق نهائيا على التغييرات الضرورية المتعلقة بالميثاق الفلسطيني".
كما كان عرفات راغبا في الإسراع بالدخول في مفاوضات الحل النهائي، ولذلك كله قبل بشروط إسرائيل الداعية إلى ضرورة تعديل الميثاق الفلسطيني (النص الأساسي) وذلك بحذف المواد والبنود التي تدعو إلى تصفية الصهيونية قبل الدخول في مفاوضات الحل النهائي.
اجتمع برئاسة سليم الزعنون في غزة أكثر من سبعمئة عضو من أعضاء المجلس الوطني (لا يوجد رقم فلسطيني رسمي لعدد من حضروا، البعض يقول 787، 737، 717، لكن الإجماع أنهم تجاوزوا سبعمئة عضو) وقرروا بأغلبية ساحقة تعديل الميثاق بحذف المواد التالية:
– (المادة 2): تشكل فلسطين في حدودها خلال الانتداب البريطاني وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.
– (المادة 9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحرير فلسطين… ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح وتحضير ثورة شعبية مسلحة لتحرير بلده والعودة إليه.
– (المادة 16): تحرير فلسطين هو من وجهة النظر العربية واجب وطني… يهدف إلى إلقاء الصهيونية من فلسطين.
– (المادة 19): تقسيم فلسطين عام 1947 وإقامة دولة إسرائيل هما غير قانونيين كليا أيا كان الوقت الذي انقضى، لأنهما مناقضان لإرادة الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في وطنه.
– (المادة 20): … كما أن اليهود لا يشكلون أمة واحدة لها هويتها الخاصة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.
– (المادة 22): الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحريري وأي حركة تقدمية في العالم، إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، وعدائية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في نهجها.
وافق المجلس الوطني على إلغاء هذه المواد من الميثاق في ظل غياب مكونين مهمين من مكونات منظمة التحرير هما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة جورج حبش.
وقد أحدثت دورة المجلس هذه هزة عنيفة داخل النسيج الفلسطيني حيث انتقدها الكثيرون لأنها قدمت ورقة رئيسية لإسرائيل دون مقابل، وهزت صورة المنظمة في وجدان الكثيرين الذين كانوا ينظرون إليها كممثل للشعب الفلسطيني واجب عليه أن يأخذ مثل هذه القرارات المهمة بتوافق وطني.
وقد ردت السلطة الوطنية على هذه الانتقادات بأنها كانت موضوعة على جدول الأعمال من قبل وأن تعديل المواد المجرّمة في الميثاق كان مندرجا في تصويت المجلس الوطني المؤيد لمشاركة منظمة التحرير في مسار السلام عام 1991 والاتفاقات المبرمة في أوسلو عام 1993.
دورة استثنائية
عقد المجلس دورة استثنائية يوم 27 أغسطس/آب 2009 برئاسة الزعنون في رام الله، وخلال هذه الدورة التي تحمل رقم 22، انتخب أعضاء جدد للجنة التنفيذية.
دورة بالأفق
منتصف أغسطس/آب 2017، قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إن المشاورات بين القوى المختلفة ستستمر لعقد المجلس الوطني "بأسرع وقت ممكن".
وقبيل ذلك بأيام، أصدرت حركة حماس بيانا رفضت فيه انعقاد المجلس الوطني لانتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي للمنظمة والمصادقة على برنامجها السياسي.