دينيس مايكل روهان.. الأسترالي الذي أحرق المسجد الأقصى

سائح أسترالي مسيحي إنجيلي، أشعل النار في المصلى القبلي، أحد مصليات المسجد الأقصى المبارك، يوم 21 أغسطس/آب 1969، مسببا حريقا كبيرا خلّف أضرارا واسعة في سقف المصلى وأروقته ومنبر صلاح الدين الأيوبي.

المولد والنشأة

ولد دينيس مايكل روهان في الأول من يوليو/تموز 1941 في أستراليا، كان يعمل في جزّ صوف الأغنام.

واظب على قراءة مجلة "الحقيقة الواضحة" التابعة لإحدى الكنائس الإنجيلية المسيحية، والتي عُرفت باسم كنيسة الرب كاليفورنيا.

نزعة "مشيحانية"

كان روهان متأثرا بالنزعات "المشيحانية" التي ترى أن عودة المسيح مرتبطة بعودة بني إسرائيل إلى فلسطين وبناء "الهيكل الثالث".

وبعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967 والقدس الشرقية، كتب مؤسس كنيسة كنيسة الرب " هيربرت آرمسترونغ" مقالا في المجلة بعنوان "اليهود يحتلون القدس"، تناول فيه أهمية الاحتلال بالنسبة للمسيحيين الإنجيليين.

وجاء في المقال "سوف يُبنى هيكل يهودي في القدس، وستقدم فيه القرابين من جديد… وسيحدث هذا خلال أربعة أعوام ونصف، سيستغرق بناء هيكل كهذا بعض الوقت… ولا أدري كيف يدعون الشهور تمر… سيكون هناك هيكل في القدس قريبًا، وسوف تقدم فيه القرابين كل يوم".

بعدما قرأ روهان هذه المقالة لم يكتف بانتظار تحقيق هذه النبوءات، بل قرر أن يبادر بنفسه لتحقيقها. وكان يصرح لمعارفه بأنه "مبعوث من الله" لهدم المسجد الأقصى والتمهيد لبناء "الهيكل الثالث" وعودة المسيح.

وفي تحقيق أجرته إذاعة "إيه بي سي" الأميركية، أشارت الإذاعة إلى أن روهان بدأ يُعبر عن أفكار "الآرمسترونغية"، وهو ما دفع الكنيسة إلى التنصل من أفعاله، رغم حضوره الفعاليات الدينية في الكنيسة وظهوره في إحدى الصحف البريطانية يحمل عددا من المجلة.

التخطيط للعملية

انتقل روهان من مدينة سيدني الأسترالية إلى مدينة القدس قبل 4 شهور من إحراقه المسجد الأقصى، واستأجر غرفة في فندق "ريفولي" بشارع صلاح الدين الأيوبي، مقابل باب الساهرة في القدس.

بدأ يتعلم اللغة العبرية أثناء تطوعه في كيبوتس مشمار هشارون شمال غرب البلاد.

قال أحد حراس المسجد الأقصى إنه لاحظ تجول روهان كثيرا في المسجد، وكان كثير التحدث مع الأدلاء السياحيين في المكان، وأيضا كسب ود المتواجدين، مدعيا الاهتمام بتصوير المسجد.

وأفاد شاهد آخر أن روهان كان يطيل المكوث في المسجد الأقصى، مما اضطر الأمن في إحدى المرات أن يطلب منه الخروج، وصرح أحد موظفي الأوقاف بأنه لاحظ في إحدى المرات روهان وهو جالس أو ممدد داخل المصلى القبلي، وهو تصرف يتعارض مع التعليمات الموجهة للسياح داخل المسجد الأقصى.

محاولة فاشلة

في 11 أغسطس/آب 1969، حاول روهان إشعال النار في المصلى القبلي من خلال أحد مداخله في الجهة الجنوبية الشرقية، بالقرب من محراب زكريا.

في تلك الليلة، تسلق روهان شجرة داخل المسجد الأقصى كي لا يراه الحراس، وبعد انتهاء صلاة العشاء وخروج المصلين، وحوالي الساعة الحادية عشرة ليلا، بدأ بسكب البنزين من خلال فتحة مفتاح أحد أبواب المسجد، وصنع فتيلًا من حبل مبلل بالبنزين وأدخله في فتحة المفتاح وأشعله ثم غادر المكان عبر تسلق سور القدس باتجاه باب الأسباط، إذ كانت أبواب المسجد مغلقة في ذلك الوقت المتأخر من الليل.

باءت محاولته بالفشل، واقتصرت الأضرار على الباب فقط، عندها قرر روهان التخطيط بشكل أوسع وأدق للحريق، فتوصل إلى أن منبر صلاح الدين الأيوبي سريع الاشتعال لكونه مصنوعا من الخشب، الأمر الذي جعله يعيد المحاولة مرة أخرى بعد 10 أيام.

حرق المسجد الأقصى

في صبيحة يوم 21 أغسطس/آب 1969، استيقظ روهان مبكرا، وتوجه إلى باب الأسباط، ومن هناك إلى باب الغوانمة حيث حجز تذكرة للسياح لدخول المسجد، وتوجه إلى المصلى القبلي.

أخرج من حقيبته وشاحا كان قد أغرقه بالبترول، وفرشه على عتبات درجات منبر صلاح الدين، ثم صب فوقه المزيد من البترول والبنزين، وأشعل فيه النار بأعواد الكبريت.

خرج روهان من المصلى القبلي، ورأى بعض الحراس، وشكرهم على السماح له "بتصوير المسجد"، وأكمل طريقه ماشيا، وما لبث أن بدأ بالركض بعد سماعه صوت الصراخ.

وفي طريق هربه من المسجد، ألقى روهان حقيبته قرب باب الأسباط داخل المقبرة الموجودة هناك، ومن ثم أخذ سيارة أجرة إلى المحطة المركزية واستقل حافلة إلى تل أبيب، ومنها حافلة أخرى إلى كيبوتس "مشمار هشارون" حيث اعتقل بعدها بيومين.

Australian sheep shearer Denis Michael Rohan is lead to court by policemen, where he is facing charges of setting fire to the Al Aqsa Mosque in Jerusalem, October 8th 1969 غيتي
مايكل روهان أثناء قيادته إلى إحدى جلسات المحاكمة (غيتي إيميجز)

آثار الحريق

استمر الحريق خمس ساعات، وذلك نتيجة قطع قوات الاحتلال المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد بالكامل، وأعاقت وصول سيارات الإطفاء، مما عرقل جهود إخماد الحريق، وهرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران بملابسهم وبالمياه الموجودة في آبار الأقصى.

ولم يؤثر الحريق على سجاد المسجد ومنبر صلاح الدين والخشب المستخدم في بنائه فحسب، بل مس الزخرفة النادرة على جدرانه، كما تضرر البناء بشكل كبير، فقد سقط الرواق الشرقي، وانصهر رخام الواجهة القبلية والمحراب، وأصيبت القبة بأضرار بالغة خاصة في جزئها السفلي.

تطلب المسجد سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت، فلم يتبقى من المنبر سوى بعض القطع الصغيرة التي حُفظت لاحقا في المتحف الإسلامي للمسجد الأقصى.

Australian sheep shearer Denis Michael Rohan standing behind a glass screen in court, where he is facing charges of setting fire to the Al Aqsa Mosque in Jerusalem, October 8th 1969 غيتي
مايكل روهان في قفص زجاجي أثناء محاكمته (غيتي إيميجز)

المحاكمة

كانت حيثيات اعترافات روهان أمام شرطة الاحتلال ومحاكمه متطابقة مع أقوال الشهود، بينما كان طاقم الدفاع عنه في المحكمة يستند إلى ادعاء واحد، وهو أن روهان مريض نفسيا، ويعاني من انفصام في الشخصية من نوع جنون العظمة، أو ما يُسمى "الانفصام الارتيابي".

بعد فحصه من عدد الأطباء يمثلون الادعاء والدفاع، ومنهم طبيبته الشخصية من أستراليا، قررت المحكمة الإسرائيلية أن روهان غير مؤهل للمحاكمة نظرا لوضعه الصحي النفسي، وأنه كان عند تنفيذ جريمته تحت تأثير أوهام وتخيلات، ولم يستطع السيطرة على نفسه، ولم ينفذ جريمته من واقع إرادته الشخصية الحرة، وفق تعبير القضاة.

أقرّ روهان بفعلته مدعيا أنه نفّذ نبوءة توراتية مذكورة في سفر زكريا. وتبين فيما بعد أنه هاجر من أستراليا إلى فلسطين وتلقى تدريبا لمدة عامين بإشراف من إحدى الجماعات الصهيونية المتطرفة، وهي جماعة شهود يهوه. لكن المحكمة زعمت أنه يعاني من اضطراب عقلي، وأخلت سبيله.

الوفاة

عاد روهان بعد 5 سنوات من السجن وتحديدا في أبريل/نيسان 1974 إلى أستراليا، حيث احتجز في مصحة للأمراض العقلية، وهناك توفي يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1995.

المصدر : الجزيرة

إعلان