حسن صوفان.. من سجن صيدنايا إلى قيادة "السلم الأهلي" بسوريا

معارض سابق للنظام المخلوع السوري المخلوع، يكنى بأبو البراء وعرف باسمه المستعار "شادي المهدي"، قضى حوالي 12 عاما قابعا في سجن صيدنايا السوري قبل أن يفرج عنه أواخر 2016 ضمن صفقة تبادل.
اختير في صيف 2017 قائدا عاما جديدا لحركة أحرار الشام، وتولى منصب محافظ اللاذقية، وفي أوائل 2025 عين عضوا في اللجنة العليا للسلم الأهلي عقب سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
المولد والنشأة
ولد حسن محمد سليم صوفان في حي العوينة القديم بمدينة اللاذقية عام 1977، ونشأ عند الباب الغربي في بيئة تجمع بين التدين والتنوع الثقافي.
تأثر بعمل والده مدرسا للغة العربية، كما حفظ القرآن الكريم -وهو في الصف العاشر- في مسجد صوفان تحت إشراف الشيخ حسن صاري، الذي أثر في شخصيته.
ويقول صوفان في أول ظهور إعلامي له بـ"بودكاست مشارق" على منصة الجزيرة 360 إن البيئة المليئة بالكنائس والمساجد المتجاورة علمته "فن التعايش"، الذي يحاول ترسيخه في منطقة الساحل السوري عقب تعيينه عضوا في لجنة السلم الأهلي.
ويضيف صوفان أن مجزرة حماة في ثمانينيات القرن العشرين، تركت أثرا بالغا في نفسه، وكانت اللاذقية قد تأثرت بهذه الأحداث، ومنها اغتيال أحد المراجع الكبرى في المحافظة الشيخ ممدوح جولحة واعتقال الشيخ عبد الستار عيروط.
ويذكر كيف وجد مقاتلو المعارضة السورية عند السيطرة على بلدة كسب في ريف اللاذقية عام 2014 تقريرا في مفرزة الأمن بالبلدة مدونا فيها اسمه وأسماء إخوته وأصدقائه من جامع صوفان، لأن عناصر الأمن لاحظوا حضورهم للصلاة جماعة ودروسا بعدها وإفطارا جماعيا، وكانت أعمارهم حينئذ بين العاشرة والـ12.
الدراسة والتكوين العلمي
درس صوفان المرحلة الابتدائية في مدرسة صلاح الدين بمسقط رأسه، ثم التحق بجامعة اللاذقية وتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد، وانتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية، ودرس في جامعة الملك عبد العزيز تخصص الشريعة، قبل أن يعتقل هناك مدة عام ونصف العام بتهمة التواصل مع تنظيم "القاعدة".
الاعتقال في صيدنايا
عاد صوفان إلى سوريا عام 2004، وبرز في تلك الفترة بهويته المعارضة، فاعتقله نظام الأسد ضمن الحملة التي شنها ضد المعارضين السياسيين، وأودع في فرع فلسطين، ثم نقل إلى سجن صيدنايا.
وفي عام 2008 شهد سجن صيدنايا العسكري أولى محطات تحوّل صوفان، حين قاد مع رفاقه تمردا ضد إدارة السجن احتجاجا على الظروف اللاإنسانية.
ووصف صوفان تلك اللحظات بأنها "ثورة مصغرة" كشفت عن إرادة الأسرى في مواجهة القمع رغم معرفتهم بأن المواجهة مع نظام بشار الأسد أشبه بمعركة خاسرة.
وتمكن السجناء أثناء التمرد من السيطرة على أجزاء من السجن، وفاوض صوفان السجانين قبل أن تُسحق الاحتجاجات بعنف، وحكم عليه بالإعدام، لكنه تغير إلى عقوبة السجن 25 عاما، وزرعت فيه تلك التجربة كما يقول "بذرة التحدي التي نمت لاحقا مع اندلاع الثورة".
لم تكن السنوات التي قضاها في السجن مجرد فترة اعتقال، بل تحولت إلى جامعة فكرية، ففي الزنازين الانفرادية -حيث أمضى سنوات في عزلة- احتك بتيارات أيديولوجية متناقضة، من تنظيم الدولة الإسلامية إلى الإخوان المسلمين والشيوعيين، مما مكنه من فهم عميق لتعقيدات المشهد السوري.
انطلاق الثورة السورية
ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011 كان صوفان لا يزال خلف القضبان في سجن عدرا، لكنه حوّل السجن إلى منصة دعم خفية للثوار، وباستخدام هاتف محمول مهرب إليه بدأ يرسل توجيهات لتنظيم العمليات، ويكتب بيانات تحريضية، ويحذّر من أخطار التطرف.
وكان صوفان من أوائل من حذروا من تنظيم الدولة، معتبرا أن "محاربة الأسد لا تعني التفريط في هوية سوريا".
رفض نظام الأسد الإفراج عنه مرارا بسبب "خطورته الأمنية" رغم الإفراج عن عدد كبير من السجناء السياسيين من التيار السلفي والجهادي عام 2011، وأعيدت محاكمته وصدر عليه حكم بالإعدام لكنه لم ينفذ.
وفي نهاية 2016 أخلي سبيله في إطار صفقة لتبادل السجناء بين النظام والمعارضة المسلحة، وتمت مبادلته بعد مفاوضات دامت أشهرا عدة مع النظام هو وامرأة مقابل 15 عنصرا للنظام أسرتهم المعارضة في وقت سابق.
الالتحاق بأحرار الشام
انضم إلى حركة أحرار الشام الإسلامية -كانت أكبر الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الأسد- عقب الإفراج عنه مباشرة، إلى أن اختاره مجلس الشورى قائدا عاما للحركة في الثاني من أغسطس/آب 2017، عقب استقالة القائد السابق علي العمر.
وجاء هذا التعيين ضمن الإصلاحات التي عملت عليها الحركة بعد الانهيار الذي واجهته في إثر الاقتتال مع هيئة تحرير الشام، وانتهى باتفاق بين الطرفين أفضى لانسحاب الحركة إلى منطقة ريف حماة.

وعقب اندماج حركتي أحرار الشام ونور الدين زنكي وتشكيل "جبهة تحرير سوريا" يوم 18 فبراير/شباط 2018، عين قائدا عاما للجبهة.
وعرف صوفان بأسماء مستعارة كثيرة منذ فترة سجنه إلى انخراطه في المعارضة المسلحة، من بينها شادي المهدي وأبو البراء وأبو عبد الرحمن.
علاقته مع الشرع
قدّم صوفان استقالته من قيادة جبهة تحرير سوريا بتاريخ 31 مايو/أيار 2019، وعزا قراره إلى "ظروف خاصة" كما ورد في بيان الاستقالة، مع تشديده على استمراره في دعم الثورة دون الارتباط بأي فصيل.
يشار إلى أن فترة قيادته وما أعقبها اتسمت باضطرابات داخلية حادة في صفوف حركة أحرار الشام، التي انقسمت إلى تيارين رئيسيين: أحدهما بقيادة صوفان ويضم عناصر من المجلس العسكري، ويميل إلى التقارب مع هيئة تحرير الشام، والآخر تقوده شخصيات بارزة من القيادة السياسية والعسكرية، على رأسهم جابر باشا.
وأشار صوفان إلى أن التحالف مع قائد الثورة السورية أحمد الشرع كان إحدى أبرز محطات مسيرته، وأنه مال إلى هذا القرار أثناء قتاله الهيئة.
وأوضح أن الشرع يتقن عمله على الصعيد الداخلي والصعيد الدولي، وأنه جمع بين البراغماتية السياسية والحنكة العسكرية، مما جعله "الرجل المناسب لقيادة المرحلة الأخيرة من الثورة"، فتحالف معه في معركة "ردع العدوان" التي أسقطت النظام المخلوع في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

التجربة السياسية عقب سقوط النظام
عقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الحكومة السورية الجديدة تعيين صوفان محافظا لمحافظة اللاذقية.
وفي 9 مارس/آذار 2025، أصدر مكتب رئاسة الجمهورية العربية السورية قرارا بتعيين صوفان عضوا في اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، على إثر أحداث الساحل السوري التي اندلعت في 6 مارس/آذار 2025، وراح ضحيتها المئات من الأمن العام والمدنيين وفلول النظام.
وقد وصف صوفان هذه المهمة بأنها "أصعب من القتال المسلح"، معتبرا أنها تتطلب مواجهة ماض مثقل بالدماء، مضيفا أن "العدالة ليست انتقاما، بل اعترافا بالأخطاء وبداية لبناء ثقة جديدة".
وعند سؤاله عن أبرز الدروس التي استخلصها من تجربته، شدّد على أن "الثورة لا تُختزل في السلاح، بل هي مشروع ثقافي وأخلاقي قبل أن تكون صراعا عسكريا".
كما أكّد صوفان أن تحرير دمشق لم يكن نهاية الطريق، بل إيذانا ببدء معركة أكثر تعقيدا، تتمثل في صون القيم التي قدّم السوريون أرواحهم من أجلها، قائلا "النصر الحقيقي هو أن نمنح أبناءنا سوريا لا تكرّر أخطاء الماضي".