قبة الصخرة.. حكاية البناء
وقال عليه السلام "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" فتوجه المسلمون صوب بيت المقدس واتخذوا منه قبلة لهم حوالي 16 شهرا.
فكرة البناء
من المعلوم أن للمسجد الأقصى المبارك الأثر العميق في نفوس المسلمين، فكانت الدولة الإسلامية في أوج عظمتها، وكان من باب أولى أن تواكب هذه الانتصارات أعمال عمرانية تكون شاهدة على عظمة الإسلام وعز المسلمين فتخلّد ذكر من قام بالبناء رغم الأقاويل المتباينة حول الأهداف التي تم البناء من أجلها.
حضر الخليفة عبد الملك بن مروان شخصيا إلى بيت المقدس، فأرسل بكتبه إلى الأمصار يستشير رعيته فيما يصنع، فكانت إجابتهم "نرى رأي أمير المؤمنين موافقا ورشيدا إن شاء الله يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ويجري ذلك على يديه ويجعله تذكرة له ولمن مضى من سلفه". فكلّف اثنين ممن يثق بهما، وهما أبا المقدام رجاء بن حيوة من بيسان ويزيد بن سلام من بيت المقدس. فأوكل إليهما ببناء قبة السلسلة الموجودة الآن قبالة الصخرة فأعجبته وأمر بالبناء على هيئتها حيث أوقف عليها خراج مصر لسبع سنوات.
فاض عن بناء قبة الصخرة حوالي مائة ألف دينار فأرسلوا للخليفة عبد الملك بن مروان أن ينفقها فيما يحب. فكتب إليهما: قد أمرت لكما بجائزة لما وليتما من عمارة البيت الشريف، فكتبا إليه: نحن أولى أن نزده من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا، فاصرفها في أحب الأشياء إليك، فأخبرهم بأن تسبك وتفرغ على القبة.
أما عن دوافع بناء القبة فيدعي بعض المؤرخين أن الخليفة الأموي قام ببنائها بدافع سياسي حتى يحرم ابن الزبير من الامتياز الذي بين يديه بمكة والمدينة ويحوّل أنظار أهل الشام إلى بيت المقدس ويحرمه كذلك من الإيراد المالي من الحجاج. وكأنه بهذا الإجراء أراد أن يفرض عليه حصارا اقتصاديا.
وهناك رأي آخر بأن البناء كان دينيا محضا وذلك بأن يكون للمسلمين مسجد يضاهي في جماله ما لكنائس النصارى من سحر وجمال في بيت المقدس والشام.
تحفة فنية
حافظت قبة الصخرة على بنائها من ناحية معمارية وفنية كمثال لأقدم بناء إسلامي بما فيها من فسيفساء وقطع حجرية تشكل إحدى التحف الفنية المعمارية للحضارة الإسلامية.
ومبنى قبة الصخرة مثمن الشكل من الخارج طول ضلعه 12.5 مترا، في داخلها تثمينه تقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية في وسطها دائرة تتوسطها الصخرة المشرفة وتقوم عليها القبة ذات القطر 20.44 مترا وارتفاعها عن الصخرة نحو 34 مترا.
تعرضت الصخرة المشرفة للزلازل منها عام 86 هجرية /704 ميلادية لكنه لم يؤثر فيها، كما أنها تعرضت لاعتداء الصليبيين إبان فترة حكمهم لبيت المقدس، حيث اتخذوا منها كنيسة لهم ودفنوا الصليب على ظهرها وقطع قساوستهم قطعا من حجارة الصخرة، وأخذوها إلى أوروبا وباعوها بوزنها ذهبا.
وبعد تحرير بيت المقدس من الصليبيين أعاد لها صلاح الدين بهجتها بيد أنها تعرضت لحريق غير متعمد، حيث يقال إن طفلا كان يصطاد حماما أوقد شمعة على سطحها فأدى إلى الحريق الهائل الذي شب بها.
وفي عهد محمد بن قلاوون صنعت لها أبواب نحاسية، وفي عهد الملك الظاهر جقمق أنعم على ناظر الحرم القدسي بـ2500 دينار من الذهب و120 قنطارا من الرصاص فعمر بهما القبة من الخارج.
قبتان
أما السلطان أشرف قايتباي فقد جدد الأبواب النحاسية للمداخل الرئيسة سنة 872هـ / 1467م، وفي العهد التركي أضافوا على جنبات الصخرة المشرفة القاشاني، وفي عام 1958م قامت الحكومة الأردنية بعمليات ترميم لقبة الصخرة المشرفة استغرقت خمس سنوات وأعيد تجديدها عام 1995 م.
أما قبة الصخرة المشرفة فلها قبتان داخلية وخارجية، سفلى وعليا، بينهما فراغ مقداره 1.5 متر، وهو لسهولة التنقل إلى أي مكان فيها وصيانة كل منهما في أي موقع كان وهذا الفراغ عازل يخفف من برودة الشتاء وحر الصيف.
القبة الخارجية عبارة عن معدن من الألمنيوم محروق بالنار وعليه طبقة خفيفة من الذهب كي يعطيها مدة بقاء أطول، بينما غالبية نمط القبة الحالية يعود للقرن الحادي عشر للميلاد حيث أقيمت على يدي الخليفة الظاهر، وكتبت سورة الإسراء في أسفل القبة.
القسم العلوي من القبة مزخرف بزخرفة متميزة جمالية، وتظهر الكتابة أنه صنع على يد ابن قلاوون في القرن الرابع عشر الميلادي.
وزخرفة القبة من أهم زخارف المسجد الأقصى خاصة زخرفة الإطار وتلك التي تظهر بين الشبابيك خاصة في تلك المنطقة الخالية التي أخرج منها ذاك الإطار المزخرف باللون الذهبي، وفيها الأجنحة والألوان المذهبة وعليها أوراق شجر ملون وهي زخارف أموية.