أكتوبر 1988.. ربيع الجزائر الذي أنهى الأحادية
أحداث عرفتها الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول 1988، خرج خلالها الجزائريون إلى الشوارع احتجاجا على واقعهم ومطالبين بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وانتهت بإقرار دستور جديد أنهى مرحلة الأحادية الحزبية وفتح باب التعددية السياسية والإعلامية.
انفجرت الأحداث -الانتفاضة الشعبية كما تطلق عليها صحف جزائرية- إبان حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (1979-1992)، وبدأت إرهاصاتها تظهر يوم 25 سبتمبر/أيلول 1988 عندما نددت نقابة شركة سوناكوم (الشركة الوطنية للسيارات الصناعية) في لقاء عقدته بالفساد.
وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1988 ظهرت مناوشات بأحياء عدة بالعاصمة الجزائرية، لتنفجر الأحداث في الخامس من الشهر والعام ذاته، حيث اعترضت مجموعة من الشباب وسط حي باب الوادي الشعبي حافلة وأنزلوا كل ركابها وأضرموا فيها النار.
وتوسعت المظاهرات في اليوم التالي، وامتدت لبقية أحياء العاصمة مثل الحراش والأبيار وحيدرة وبيلكور، كما امتدت أيضا لباقي الولايات الجزائرية أبرزها وهران وقسنطينة وعنابة وتيزي وزو، وبجاية. وبحسب جريدة "الشروق" الجزائرية، فقد امتدت المظاهرات لقرابة 70% من التراب الجزائري.
واستهدف المحتجون خصوصا كل ما يرمز للدولة الجزائرية مثل المقرات الحكومية والأمنية.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 1988 أعلن الرئيس الشاذلي فرض حظر التجول ليلا في العاصمة وضواحيها، وكلف الجنرال خالد نزار بالملف، كما انتشرت قوات الجيش في كامل أحياء العاصمة الجزائرية، قدرت مصادر عددها بعشرة آلاف جندي.
وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول ظهر الرئيس الشاذلي على شاشة التلفزيون الرسمي، ودعا المواطنين للتعقل ووعدهم بإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية.
وأسفرت الأحداث التي شارك فيها مختلف شرائح المجتمع، من طلبة وعاطلين عن العمل وعمال، عن مقتل 120 شخصا حسب الإحصائيات الرسمية، ونحو 500 حسب نشطاء، كما تم توقيف 15 ألف شخص.
التباين
اختلفت قراءة الجزائريين لأحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، فقد أعطت السلطة الجزائرية وقتها العديد من الصفات للأحداث من مثل "شغب أطفال" و"المؤامرة الخارجية"، لكن هذه السلطة اعترفت في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأن ما حدث كان "ثورة شعبية".
أما المعارض علي بن فليس الذي كان يومها وزيرا للعدل، فقال في حديث للجزيرة نت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 إن تلك الأحداث "غيرت النظام تغييرا فاصلا بين نظام سياسي كان قائما وبين نظام سياسي آخر بعد 5 أكتوبر".
وعلى عكس من ذلك، رأى المحلل السياسي والمؤرخ محمد عباس في تصريح للجزيرة نت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 أن "مزاعم التغيير من الحزب الواحد إلى نظام تعددي كانت تغطية وتزويقا لعملية أعمق وأخطر هي ضرب استقرار الجزائر".
وأكد المؤرخ والأكاديمي محند ارزقي فراد في حديث للجزيرة نت في أكتوبر/تشرين الأول 2015 أن "انتفاضة أكتوبر كانت بمثابة الربيع الجزائري الذي جاء متقدما بعقود على الربيع العربي، ومتزامنا مع ربيع أوروبا الشرقية، وخاصة بولونيا".
التعددية
رفع المتظاهرون الجزائريون الذين خرجوا إلى الشارع في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988العديد من المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد طالبوا بتحسين الظروف المعيشية وبالعدالة الاجتماعية والانفتاح والحرية والديمقراطية.
وقد أجبرت تلك الأحداث الرئيس الشاذلي على الاستجابة لتلك المطالب، حيث تعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية، توجت بدستور 23 فبراير/شباط 1989، مما سمح بإنشاء أكثر من ستين حزبا سياسيا وإنهاء حكم الحزب الواحد.
كما ظهرت في البلاد تعددية إعلامية، وتأسست صحف مستقلة ناطقة باللغتين العربية والفرنسية مثل صحيفة "الخبر" التي تأسست في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 1990.
وشهدت الجزائر في يونيو/حزيران 1990 أول انتخابات شارك فيها أكثر من حزب لأول مرة منذ إنهاء حكم الحزب الواحد، لكن تم إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1991 بعد أن فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بـ188 مقعدا من أصل 228 في المرحلة الأولى.
لكن البلاد دخلت نفقا غامضا إثر وقف الجيش للعملية الديمقراطية حيث اندلعت أعمال عنف دموية خلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمفقودين، ودمارا هائلا في الاقتصاد، وعرفت هذه الحقبة بالعشرية الحمراء.
وقد ارتبطت في أذهان الجزائريين بالنزاع المسلح بين الجماعات الإسلامية وقوات الأمن من شرطة ومخابرات وجيش. وبدأ الأمن يستتب تدريجيا منذ قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999 وإصداره قانون الوئام المدني ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.