المضاربة.. أحلام الربح السريع
وينخرط المضاربون في معاملات مالية محفوفة بالمخاطر في محاولة للاستفادة من التقلبات قصيرة المدى في القيمة السوقية للأدوات المالية، وذلك بدل الاستفادة من مكاسب أخرى لهذا الأصل مثل الأرباح والتوزيعات النقدية لحملة الأسهم أو الربح الناتج عن نسبة الفائدة.
ولا يولي الكثير من المضاربين اهتماما كبيرا بالقيمة الأساسية للأوراق المالية، بل همهم الأكبر هو ملاحقة التحركات السريعة لأسعارها اليومية، وبمقدورهم من حيث المبدأ التداول في أي سلع تجارية أو أداة مالية، ولكنهم يركزون أساسا على أسواق الأسهم (البورصات)، والسندات والعقود الآجلة للسلع الأولية والعملات والتحف الفنية والعقارات والمشتقات المالية.
التاريخ
مع ظهور آلات مؤشر الأسهم في العام 1867 انتقت الحاجة إلى الحضور الجسدي للسماسرة في أروقة الأسواق المالية، وفي عشرينيات القرن العشرين نمت أسواق الأسهم بشكل كبير، إذ انتقل عدد حملة الأسهم من 4.4 ملايين شخص في العام 1900 إلى 26 مليونا في العام 1932.
المضاربة والاستثمار
تتباين الآراء بشأن الفرق بين الاستثمار والمضاربة والمضاربة المفرطة حسب النقاد والأكاديميين والمشرعين، فالبعض يرى أن المضاربة هي ببساطة شكل من أشكال الاستثمار ولكنه يتسم بالمخاطرة العالية.
وتقول هيئة الأسواق الآجلة للسلع في الولايات المتحدة إن المضارب تاجر لا يقوم بعملية التحوط ولكنه يتاجر بغرض تحقيق أرباح عن طريق التوقع المستمر لحركة الأسعار في الأسواق المالية، غير أن الهيئة تشدد على أنه في الوقت التي يقوم فيه المضاربون بخدمات أساسية للسوق فإن المضاربة المفرطة تضر بالسير العادي للأسواق.
غير أن المضاربين يتعرضون لانتقادات أخلاقية عديدة مفادها أن ممارساتهم مبنية على الجشع والمقامرة بالأموال وليست لها فائدة اقتصادية تذكر.
الإيجابيات والسلبيات
يدافع البعض عن المضاربين لأنهم يقدمون فوائد للأسواق، منها القيام بدور مثبت الأسعار في مواجهة تقلباتها الناتجة عن متغيرات العرض والطلب، إذ يتابعون السوق أكثر من غيرهم، كما أن البعض الآخر يقول إن المضاربين يفيدون السوق عن طريق المخاطرة برؤوس أموالهم لتحقيق الربح، وهو ما يضخ سيولة للسوق، وبالتالي يتيح هذا الأمر لمتعاملين آخرين من غير المضاربين درء مخاطر السوق.
وغالبا ما ترتبط المضاربة بما تعرف بالفقاعات الاقتصادية التي تحدث عندما تتجاوز ارتفاعات أصل من أصول قيمتها الجوهرية بهامش كبير رغم أنه ليس كل الفقاعات الاقتصادية تحدث بسبب المضاربات، فالفقاعات المرتبطة بالمضاربات تتسم بالارتفاع السريع لقيمة السوق المالية، ثم سرعان ما يتلو ذلك الارتفاع الكبير والسريع انهيار سريع وكبير.
وتتباين الآراء بشأن إذا كان وجود المضاربين يزيد أو يقلل التقلبات قصيرة الأجل في الأسواق، فضخهم للسيولة وتوفيرهم للمعلومات بشأن حركة الأسعار قد يساعدان على استقرار الأسعار لتكون قريبة من قيمتها الحقيقية، ولكن من ناحية أخرى فإن ما يقومون به من سلوك للحشد وبث للإشاعات الإيجابية بشأن الأسعار قد يزيد تقلبات السوق.
ردود الحكومات
دفعت الأضرار الاقتصادية التي يتسبب فيها المضاربون الحكومات بالعالم إلى سن تشريعات للحد أو تقليص تأثيرات المضاربات، كما وقع عقب الكساد العظيم في الولايات المتحدة، إذ أقرت السلطات قانون غلاس ستيغال في العام 1933.
وفي آخر العام 2013 أقرت الهيئات التنظيمية في أميركا تطبيق قاعدة فولكر التي تنص على فرض قيود على البنوك في ما يخص تعاملاتها التي تهدف إلى تحقيق أرباح لفائدتها دون العملاء، وهو ما أفقد البنوك الأميركية القدرة على المضاربة بمبالغ ضخمة من أموالها الخاصة، وقد كان هذا النشاط مصدر أرباح كبيرة لهذه المؤسسات قبل اندلاع الأزمة المالية في الولايات المتحدة في العام 2007 واستمرت إلى 2010.
كما اقترحت العديد من التدابير للحد من المضاربة في الأسواق ولكن تلك المقترحات لم تر النور، ومنها فرض ضريبة توبين في الاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى الحد من المضاربة على العملات على المدى القصير.
وفي مايو/أيار 2008 اقترح القادة الألمان فرض حظر عالمي على متاجرة المضاربين في أسواق النفط بعدما اتهم البعض صناديق تحوط بالمسؤولية عن الصدمة النفطية للعام 2008.