العقوبات الاقتصادية.. حروب من غير نار

A worker checks the valve of an oil pipe at an oil field owned by Bashneft company near the village of Nikolo-Berezovka, northwest from Ufa, Bashkortostan, January 28, 2015. New European Union sanctions against Russia could include further capital markets restrictions, making it harder for Russian companies to refinance themselves and possibly affecting Russian sovereign bonds and access to advanced technology for the oil and gas sectors, EU officials said on Wednesday. REUTERS/Sergei Karpukhin (RUSSIA - Tags: ENERGY BUSINESS INDUSTRIAL POLITICS)
العقوبات الاقتصادية تشمل حظر أنواع معينة من الأسلحة أو الطعام أو الأدوية أو المواد الخام (رويترز)

جملة التدابير والإجراءات الاقتصادية والمالية التي تفرضها دولة أو دول أو منظمات أو هيئات دولية أو إقليمية على دولة أو تنظيم أو شركة أو غيره على خلفية القيام بأعمال عدوانية أو تهديد للسلم الدولي، أو لحمل ذلك الطرف على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

ويفترض ألا تلجأ الجهات التي تفرض عقوبات اقتصادية (سواء كانت جهة أممية، أو كانت منظمات أو تكتلات سياسية أو اقتصادية، أو حتى مجرد دول عادية) إلا بعد استنفاد الخيارات السياسية المتاحة.

وينظر إلى العقوبات الاقتصادية باعتبارها الخيار الأخير ضمن الخيارات المتاحة في إدارة الصراعات السياسية بين الدول قبل اللجوء إلى الخيارات العسكرية المباشرة، ويعتبرها البعض نوعا "ملطفا" من أنواع "التدخلات العسكرية" غير المباشرة، فهي في نهاية المطاف ليست إلا نوعا من الفرض والقسر والإكراه.

أهداف ومضامين
تشمل العقوبات الاقتصادية فرض مجموعة من القيود على التجارة الدولية مع البلد المستهدف، وقد تشمل حظر أنواع معينة من الأسلحة أو الطعام أو الأدوية أو المواد الخام، أو الحد من التصدير أو الاستيراد من البلد المستهدف بهدف الضغط عليه لتغيير سياساته في مجال ما، أو إرغامه على تقديم تنازلات في قضية ما.

ومع الوقت أصبحت العقوبات إحدى أدوات السياسات الخارجية للدول الكبرى تستخدمها هنا وهناك، عوضا عن الانخراط في حملات عسكرية مكلفة وغير مضمونة العواقب.

وتهدف عادة إلى معاقبة دولة ما على مواقف أو سياسات معينة، أو التأثير عليها لإجبارها على تغيير سلوكها، أو القضاء على إمكاناتها العسكرية.

الإطار القانوني
تمثل المادتان 39، و41 من ميثاق الأمم المتحدة الإطار القانوني الذي تستند إليه الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدا في فرض عقوبات اقتصادية على دول معينة.

فوفقا للمادة 39، يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

وتنص المادة 41 على أنه لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.

نظرة تاريخية
شهد العالم العقوبات الاقتصادية منذ حقب غابرة، فقد كانت الإمبراطوريات والجيوش تلجأ إلى فرض أنواع من "الحصار" الاقتصادي على الدول والجهات التي تتوافق معها، أو كوسيلة للتمدد وبسط الهيمنة الخارجية.

وفي العصر الحديث استعمل سلاح العقوبات الاقتصادية في الكثير من الحالات، حيث استعملته عصبة الأمم بحق إيطاليا في العام 1935 بعد غزوها إثيوبيا.

وخلال الحقب التالية تدخل مجلس الأمن في العديد من الحالات وأقر عقوبات اقتصادية تفاوتت حدتها وتأثيراتها وأسبابها وخلفياتها.

وخلال العقود الأربعة الأولى بعد قيام الأمم المتحدة لم تصدر قرارات من مجلس الأمن الدولي بشأن العقوبات الاقتصادية إلا في حالتين، هما: روديسيا (1966) وجنوب أفريقيا (1977).

ولكن وبعد انتهاء الحرب الباردة لجأ مجلس الأمن بصورة متزايدة إلى فرض العقوبات الاقتصادية الجماعية، فقد فرضت عقوبات على العراق ويوغسلافيا السابقة وعلى هايتي والصومال وليبيا وليبيريا وأنغولا ورواندا والسودان.

دول خضعت للعقوبات
ومن أبرز الحالات التي فرضت فيها عقوبات اقتصادية سواء من طرف مجلس الأمن الدولي، أو من طرف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ما يلي:

– روديسيا الجنوبية (زيمبابوي): حيث فرضت عقوبات "إلزامية" عام 1966 بعد إعلان الأقلية البيضاء للاستقلال من جانب واحد، ورفعت عام 1969 بعد مباحثات أدت إلى وصول حكومة أغلبية سوداء.

– جنوب أفريقيا: حيث بدأت الأمم المتحدة سلسلة خطوات للضغط على نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وشملت تلك الخطوات أنواعا من العقوبات استمرت حتى انتخاب وتنصيب حكومة غير عنصرية في جنوب أفريقيا في مايو/أيار 1994.

كوريا الشمالية: تفرض الأمم المتحدة عقوبات على كوريا الشمالية منذ عام 2006 بسبب اختباراتها النووية والصاروخية، ووضع مجلس الأمن أسماء عدد من الكوريين على القائمة السوداء وعدد من الهيئات، مما يخضعهم لمنع دولي من السفر وتجميد للأصول بسبب دورهم في برامج كوريا الشمالية النووية والمتعلقة بالصواريخ البالستية.

إيران: منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبعد ظهور المعلومات الأولى عن شروع إيران في برنامجها النووي بدأت الدول الغربية تتخذ تدابير لثنيها عن المضي في هذا البرنامج بمحاولة حرمان البرنامج من مصادر التمويل والتكنولوجيا.

وقد فرض مجلس الأمن الدولي أربع مجموعات من العقوبات ضد إيران في ديسمبر/كانون الأول 2006، ومارس/آذار 2007، ومارس/آذار 2008 ويونيو/حزيران 2010، كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجموعات أخرى من العقوبات كانت أولاها تلك التي فرضتها أميركا عقب اقتحام الطلاب الإيرانيين سفارة الولايات المتحدة في طهران واحتجازهم دبلوماسيين رهائن عام 1979.

وبدأ رفع العقوبات عن إيران عقب إقرار الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" والذي قضى برفع العقوبات المفروضة على طهران، وسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان، وتم توقيع الاتفاق في العاصمة النمساوية فيينا يوم 14 يوليو/تموز 2015.

كوبا: وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية عليها سنة 1962 بهدف الإطاحة بنظام الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو الذي كان ينظر إليه أميركيا على أنه عدو ويشكل تهديدا للمصالح الأميركية والغربية في المنطقة.

وبدأت العلاقات بين أميركا وكوبا في التحسن خلال الشهور الأخيرة من عهد أوباما، حيث قام الأخير بزيارة رسمية إلى كوبا والتقى نظيره الكوبي، ورفع بعض العقوبات الاقتصادية التي تدخل ضمن صلاحيات الرئيس.

العراق: فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على العراق بعد غزوه الكويت في العام 1990 إبان عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، كما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بفرض عقوبات اقتصادية موازية، واستمر خضوع العراق لتلك العقوبات حتى العام 2010 حين أقر مجلس الأمن إلغاءها رسميا رغم أن بعضها ألغي عمليا في الفترة التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وقد تسببت العقوبات الغربية للعراق في إلحاق أضرار اقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية بالغة بالعراقيين، ووصفت تأثيراتها بالكارثية في المجالات الإنسانية، حيث أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين -من بينهم نحو نصف مليون طفل- وحرمت العراقيين لأزيد من عقد من الزمن الحصول على حاجاتهم من الغذاء والدواء.

ولتلافي جزء من تلك التأثيرات التي توصف بالكارثية أطلق مجلس الأمن الدولي برنامج "النفط مقابل الغذاء" في العام 1995، وهو القرار الذي سمح لبغداد ببيع كميات من نفطها مقابل حصوله على كميات من الغذاء.

السودان: فرضت الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض سلسلة عقوبات اقتصادية على السودان صدرت إما بأوامر تنفيذية من الرئيس أو بتشريعات من الكونغرس الأميركي، وهدفت إلى الضغط على هذا البلد المتهم برعاية ما يسمى الإرهاب.

وبدأت أهم تلك العقوبات في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1997 بقرار تنفيذي من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يفرض عقوبات مالية وتجارية على السودان تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له، وألزمت الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع هذا البلد.

واستمرت تلك العقوبات حتى أعلن البيت الأبيض في 13 يناير/كانون الثاني 2017 رفعا جزئيا لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم نتيجة لما وصفه بالتقدم الذي أحرزه السودان، لكن الإدارة الأميركية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.

العقوبات الذكية
نتيجة للأزمات الإنسانية العديدة التي أوقعتها العقوبات الاقتصادية الشاملة في أكثر من بلد، ونظرا للفشل البين لمنطق العقوبات الاقتصادية وتأثيراتها السلبية على المواطنين العاديين والسكان الأبرياء بدأت القوة الكبرى في السنوات الأخيرة تتجه أكثر نحن العقوبات الذكية التي تعتبر أكثر "منطقية" و"أخلاقية" من العقوبات الشاملة.

ويقصد بالعقوبات الذكية تلك العقوبات التي تستهدف القادة السياسيين والعسكريين تحديدا وتتجنب غيرهم، وتتعمد الإضرار بالمتسببين في الحوادث أو القضايا التي على أساسها فرضت العقوبات دون غيرهم من المدنيين الأبرياء.

وتشمل العقوبات الذكية أنواعا، من بينها المنع من السفر، وتجميد الأصول، والمنع من السفر والطيران، والمنع من الحصول على تأشيرات السفر وغيرها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان