طريق تركيا للاتحاد الأوروبي المزروع بالأشواك
شهدت العلاقات التركية الأوروبية محطات كثيرة شابها التوافق تارة والاختلاف تارة أخرى، فرغم قبول الاتحاد الأوروبي ترشح تركيا لعضويته عام 1999 وضع الأوروبيون العديد من الشروط والعراقيل أمام هذه الدولة لتتعثر مفاوضات العضوية بين الطرفين، مما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول في تصريح له عام 2016 إنه استنفد طاقة اللهاث وراء أوروبا.
الطلب والقبول
تقدمت تركيا بطلب لعضوية الجمعية الأوروبية عام 1959 وقبلت فيها عام 1963 بتوقيع اتفاقية أنقرة، ثم تقدمت بأول طلب رسمي لعضوية الاتحاد الأوروبي في 14 أبريل/نيسان 1987، ووقعت معه اتفاقية اتحاد جمركي في 31 ديسمبر/كانون الأول 1995.
وخلال قمة هلسنكي التي عقدت يومي 10 و12 ديسمبر/كانون الأول 1999 اعترف بتركيا رسميا بصفة مرشحة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، ووضعت الدول الأوروبية عدة شروط لبدء المفاوضات الرسمية مع تركيا، من بينها احترام الأقليات وحقوق الإنسان، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتحسين علاقتها مع اليونان، وكف يد الجيش التركي عن التدخل في الشؤون السياسية.
وأقر البرلمان التركي وقتها سلسلة من الإصلاحات السياسية والديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية، منها فتح المجال لحرية الرأي والتعبير وإنهاء حالة الاعتقالات السياسية، وإلغاء عقوبة الإعدام إلا في أوقات الحرب والطوارئ، ومنح حقوق للأقليات الدينية غير المسلمة.
غير أن مفاوضات العضوية الكاملة لم تبدأ إلا في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2005 في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى، ولكن دون تحديد سقف زمني لها.
تجميد المفاوضات
ورغم أن حزب العدالة والتنمية أجرى إصلاحات سياسية واقتصادية قامت المفوضية الأوروبية عام 2006 بتجميد مفاوضات انضمام تركيا جزئيا على خلفية الأزمة القبرصية، وترتب على ذلك إبطاء المفاوضات، وفي مايو/أيار 2008 دعا البرلمان الأوروبي تركيا إلى تسريع خطى "عملية الإصلاح" التي تقوم بها في إطار المفاوضات الجارية وصولا لنيل عضوية الاتحاد.
وجاء في تقرير أصدره البرلمان الأوروبي عن مدى تقدم تركيا في العام 2008 أن تركيا "لم تحقق أي تقدم في مجال حرية الرأي". وطالبت النائبة الهولندية ريا أومين روجتين رئيس الوزراء التركي وقتها رجب طيب أردوغان بأن "يحافظ على وعده بجعل عام 2008 عام الإصلاح في تركيا".
وإلى جانب المسألة الكردية وقضية الأرمن وغيرها من المواضيع التي طرحت في وجه تركيا ظهرت مواقف دول أوروبية معارضة لانضمامها إلى البيت الأوروبي، فقد عارض الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي بعد وصوله إلى السلطة هذا الأمر بحجة أن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا.
كما رفضت ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ودعت إلى "الشراكة الممتازة" بدلا من العضوية الكاملة.
وبعد فجوة دامت سنوات لم تفتح خلالها أي مجالات جديدة للتفاوض بين الطرفين اتفقت حكومات الاتحاد الأوروبي يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2013 على إجراء جولة جديدة من المفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها لعضوية الاتحاد، وذلك بعد أن سحبت ألمانيا التحفظ الذي كانت قد أبدته في إثر تصدي أنقرة لاحتجاجات مناوئة للحكومة في يونيو/حزيران من نفس العام.
وجاء القرار الأوروبي بعد أن أثنت المفوضية الأوروبية على الإصلاحات التي أدخلتها تركيا في تلك الفترة على نظامها القضائي، وعلى حزمة القوانين الجديدة التي كشفت عنها الحكومة التركية والتي تهدف إلى إنقاذ عملية السلام المتعثرة مع المقاتلين الأكراد.
وبالإضافة إلى المواقف الرسمية لبعض الدول تعارض أحزاب وشخصيات أوروبية انضمام تركيا للاتحاد، من أبرزها رئيس حزب الحرية الهولندي خيرت فيلدرز الذي ما فتئ يردد أنه لا يرغب في رؤية تركيا بين دول الاتحاد الأوروبي.
وقال فيلدرز عام 2015 في تسجيل مصور نشره على موقع الحزب على الإنترنت إنه "لا يمكن أن تكون دولة مسلمة مثل تركيا جزءا من الاتحاد الأوروبي، فنحن لا نريد مزيدا من المسلمين، بل على العكس نود أن ينقص عددهم بيننا".
بعد المحاولة الانقلابية
غير أن التوتر بين أنقرة والأوروبيين عاد إلى الواجهة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/تموز 2016، حيث دعا الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤولة السياسة الخارجية فيديريكا موغيريني في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تركيا لحماية ديمقراطيتها البرلمانية بما في ذلك احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون والحريات الأساسية وحق الجميع في محاكمة عادلة "بما يتفق مع التزاماتها بوصفها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي".
وصوت البرلمان الأوروبي يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 في قرار غير ملزم على تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بسبب ما رآه أنه استخدام للقوة غير المتناسبة من قبل الحكومة التركية ضد الذين دعموا انقلاب 15 يوليو/تموز.
ورد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بحديثه عن احتمال إجراء استفتاء على قطع مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال أردوغان للصحفيين إن الاتحاد الأوروبي يحاول إجبار بلاده على الخروج من المفاوضات، مضيفا "إذا كانوا لا يريدوننا فعليهم أن يقولوا ذلك صراحة وأن يتخذوا القرارات المناسبة".
وقال أردوغان في ديسمبر/كانون الأول 2016 إنه استنفد الصبر والطاقة في اللهاث وراء أوروبا.
وبعد التقارب الذي حصل بين الطرفين مع تدفق أزمة اللاجئين إلى أوروبا عاد التوتر مجددا بين أنقرة والأوروبيين على خلفية التعديلات الدستورية التركية التي تبناها البرلمان وتعرض لاستفتاء عام في أبريل/نيسان 2017، ومن أبرز ما جاءت به منح صلاحيات جديدة للرئيس.
فقد منعت دول أوروبية تجمعات مؤيدة لتلك التعديلات كما جرى في النمسا وألمانيا وسويسرا وهولندا، مما أثار غضب السلطات التركية، وتفاقم التوتر -خاصة مع هولندا- على خلفية منع الأخيرة وزيرين تركيين من دخول أراضيها، وتوعد القادة الأتراك هذه الدولة بإجراءات عقابية.
يأتي ذلك في الوقت الذي حذر خبراء في مجلس أوروبا من أن مشروع التعديلات الدستورية قد يحول النظام في تركيا إلى رئاسي "استبدادي".
وقال الخبراء في القانون الدستوري "للجنة البندقية" في الاتحاد الأوروبي إن التعديلات المقترحة "لا تحترم نموذج النظام الرئاسي الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ فصل السلطات"، وحذروا من أن السلطة التي ستمنح للرئيس "بحل البرلمان لأي ذريعة ستكون مناقضة للأنظمة الرئاسية الديمقراطية"، مشيرين إلى أن المشروع قد يضعف نظام الرقابة واستقلالية القضاء.