قضية ريجيني.. خيوط تتكشف للغز غامض
مرت قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي توفي في مصر بمراحل وتطورات عديدة، فمن الاختفاء إلى العثور على جثته، وصولا إلى نشوب أزمة بين روما والقاهرة على خلفية هذه القضية التي تظل لغزا محيرا لا يعرف سره سوى السلطات المصرية نفسها.
وفي ما يلي أبرز مراحل قضية الطالب الإيطالي ريجيني:
الرحلة والموت
توجه ريجيني في سبتمبر/أيلول 2015 إلى مصر لجمع معلومات تتعلق ببحثه لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة كامبريدج البريطانية حول "دور النقابات العمالية المستقلة بعد ثورة 25 يناير" 2011، وبدأ يُجري مقابلات مع نشطاء عماليين مصريين ومستقلين وشخصيات قريبة من المعارضة.
غير أن الطالب الإيطالي اختفى يوم 25 يناير/كانون الثاني 2016 بعد أن غادر مقر إقامته في حي الدقي بالجيزة (شمال) للقاء صديق في منطقة وسط القاهرة، وصادف يوم اختفائه الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك.
وعثر على جثة ريجيني يوم 3 فبراير/شباط 2016 مرمية على جانب طريق القاهرة/الإسكندرية الصحراوي. وقد بدت على الجثة آثار تعذيب وحروق، وتوصلت تقارير الطب الشرعي إلى أنه قتل متأثرا بتعذيب شديد استمر لأيام.
ويوم 4 فبراير/ شباط 2016 استدعت الخارجية الإيطالية السفير المصري في روما للتعبير عن "الامتعاض" لمصرع ريجيني، مطالبة بالكشف عن ملابسات الواقعة. وفي وقت لاحق أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا هاتفيًا مع رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي للتنسيق بشأن استجلاء أسباب مقتل ريجيني.
ووصل أول وفد أمني إيطالي يوم 5 فبراير/شباط 2016 إلى القاهرة لمتابعة التحقيقات الجارية في قضية ريجيني، ثم نقل الجثمان يوم 6 فبراير/شباط 2016 إلى إيطاليا.
وتوالت الأحداث بإعلان وزير الخارجية والتعاون الإيطالي باولو جينتيلوني أن بلاده لن تقبل من القاهرة "بمزاعم لا أساس لها" في تحقيقات قضية ريجيني. ووقتها قال السفير الإيطالي (السابق) لدى القاهرة ماوريتسيو ماساري إن "ريجيني تعرض للتعذيب قبل وفاته"، وهو ما نفته مصر.
ويوم 10 مارس/آذار 2016 أصدر البرلمان الأوروبي قرارا يدين تعذيب وقتل ريجيني والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان بمصر، وطالب السلطات المصرية بالتعاون في التحقيق بمقتله، فيما وصفت القاهرة ذلك بـ"الإيحاءات المرفوضة".
وعقد المدعي العام بإيطاليا جوزيبي بنياتوني يوم 14 مارس/آذار 2016 أول لقاء مع النائب العام المصري نبيل صادق، لبحث تطورات قضية ريجيني.
وبعد اللقاء أعلنت وزارة الداخلية المصرية يوم 24 مارس/آذار 2016 العثور على حقيبة بها متعلقات ريجيني، وبينها قطعة داكنة تشبه مخدر الحشيش ومتعلقات نسائية، بعد أن "تمكنت من قتل عصابة إجرامية مكونة من 4 أشخاص، والقبض على 3 آخرين. قالت إنهم "متخصصون في اختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه وانتحال صفة الشرطة".
ووقتها عرضت السلطات المصرية بعض مقتنيات ريجيني في وسائل الإعلام، وبينها هاتفه الشخصي وبطاقاته البنكية، بيد أن السلطات الإيطالية لم تقتنع بهذه الرواية وطالبت المصريين بـ"الكشف عن حقيقة الجهة التي قتلته".
كما أكدت والدة الطالب الإيطالي يوم 29 مارس/آذار 2016 في مؤتمر صحفي بمجلس الشيوخ الإيطالي (الغرفة الأولى للبرلمان)، أن ابنها " تعرض للتعذيب ولم يكن صحفيا ولا جاسوسا بل كان شابا يمثل المستقبل".
التهديد الإيطالي
وهددت إيطاليا يوم 30 مارس/آذار 2016 السلطات المصرية بـ"عواقب"، لم تكشف ماهيتها، إذا لم تتعاون في التحقيقات الهادفة إلى كشف المتورطين الحقيقيين في قتل ريجيني، بينما نشرت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية يوم 6 أبريل/نيسان 2016 رسالة قالت إنها حصلت عليها من شخص يزعم أنه يعمل في الاستخبارات المصرية، ويكشف في رسالته تفاصيل مزعومة عن "تورط" الأمن المصري في "تعذيب وقتل" ريجيني.
وفي خضم هذه التطورات، عقد ثاني اجتماع يومي 7 و8 أبريل/نيسان 2016، في روما بين القضاة والمحققين المصريين والإيطاليين، لعرض ما توصلت إليه السلطات في القاهرة. ووقتها جاء الوفد المصري بملف من 2000 صفحة، مع محاضر تحقيقات شملت نحو 200 شخص كانت لهم صلة بريجيني، فيما طلب الجانب الإيطالي تسجيلات فيديو لمكان اختفائه، وسجلات اتصالاته الهاتفية، والتقارير الطبية.
واستدعت إيطاليا سفيرها لدى القاهرة ماوريتسيو ماساري يوم 8 أبريل/نيسان 2016، لإجراء مشاورات بشأن القضية، ويوم 4 مايو/أيار 2016 تسلمت النيابة العامة في روما سجلات هاتفية لـ13 مصريا (لم تذكر أسماءهم أو أي معلومات عنهم) من نظيرتها في مصر في إطار التحقيقات.
وأعلنت روما يوم 10 مايو/أيار 2016 أن "معظم الطلبات التي تقدمت بها إلى السلطة القضائية في مصر للكشف عن ملابسات جريمة قتل ريجيني قد لبتها القاهرة".
وقالت وقتها إن الجانب المصري سلم فريق المحققين الإيطالي وثائق جديدة من حوالي ثلاثين صفحة، وتشمل ستة تسجيلات هاتفية جديدة، ومحاضر للشرطة، وتقارير للطب الشرعي متصلة بوفاة خمسة من اللصوص، كانوا قد قتلوا على يد قوات الأمن المصرية في مارس/آذار، وعثر بحوزتهم على متعلقات شخصية لريجيني.
ويوم 12 يونيو/حزيران 2016 قالت النيابة العامة الإيطالية إن "الزعم بقتل ريجيني على يد عصابة إجرامية هي فرضية كاذبة أعدتها السلطات المصرية لتضليل التحقيقات".
وتطورت القضية يوم 29 يونيو/حزيران 2016 بإعلان مجلس الشيوخ الإيطالي إلغاء توريد قطع غيار طائرات F-16S المقاتلة إلى مصر، وبعد القرار بأسبوع قالت القاهرة إن "وقف مساعدات عسكرية لها يستدعي اتخاذ إجراءات مماثلة تمس مجالات التعاون بينها الأوضاع في ليبيا وملف الهجرة غير النظامية (وهي الإجراءات التي لم تعلن عنها أو توضحها القاهرة من وقتها)".
ويوم 25 يوليو/تموز 2016، أعلنت النيابة العامة في روما تحليل مشاهد الفيديو التي التقطتها الكاميرات في محطات مترو الأنفاق، التي تواجد فيها ريجيني يوم اختفائه بالقاهرة، واتفقت وقتها مع نظيرتها المصرية أن يقوم الجانب المصري بتسليم القرص الثابت المتعلق بتسجيلات كاميرات المحطات.
وفي الشهر نفسه، ألمحت "ريجيني ليكس" المنصة الإلكترونية لتورط الابن الأكبر للرئيس المصري بمقتل الطالب الإيطالي ريجيني من خلال موقعه في جهاز المخابرات العامة.
وقالت المنصة التي أنشأتها صحيفة "إيسبريسو" الإيطالية، إنه ليس من الصعب الاعتقاد بأن نجل السيسي كان على علم بتحركات جوليو ريجيني حتى قبل اختفائه، وأوضحت أن ذلك لم يذكر في أي تقرير، لكن إدارة تحرير المنصة ما زالت تدرس المسألة، حسب قولها.
لقاءات المحققين
بدأت جولة ثالثة من اجتماعات المحققين المصريين والإيطاليين في روما يوم 25 يوليو/تموز 2016، واستمرت ليومين، ووقتها سلم النائب العام المصري، الجانب الإيطالي تقريرا مفصلا حول نتائج تحليل المكالمات التليفونية التي رصدتها شركات الهاتف بمنطقتي اختفاء ريجيني والعثور عليه بمصر.
وكشفت النيابة الإيطالية يوم 8 سبتمبر/أيلول 2016 عن نتائج تشريح جثة ريجيني لدى الطب الشرعي في روما، وقالت إن "ريجيني لم يتوف نتيجة حادث، بل إثر تعذيب استمر عدة أيام".
ويوم 9 سبتمبر/أيلول 2016 قال النائب العام المصري نبيل صادق إن هناك "شكوكا" في ارتباط عصابة إجرامية بخطف وقتل الباحث الإيطالي، كما أنه لم يستبعد "العصابة الإجرامية" من التحقيقات بعد.
وفي ذلك التاريخ، قال النائب العام المصري في روما إن رئيس النقابة المستقلة للباعة الجائلين في مصر قدم بلاغا للشرطة ضد الباحث الإيطالي جوليو ريجيني قبل أسابيع قليلة من اختفائه ومقتله.
ونفت الحكومة وأجهزة الأمن احتجاز ريجيني على الإطلاق. لكن مصادر بأجهزة الأمن والمخابرات أبلغت رويترز في أبريل/نيسان 2016 بأن الشرطة ألقت القبض عليه خارج محطة لمترو الأنفاق بالقاهرة في 25 يناير/كانون الثاني وأنه نقل إلى مجمع تابع لجهاز الأمن الوطني.
وعقد لقاء رابع بين المحققين في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وبعدها سلمت السلطات المصرية لنظيرتها الإيطالية الوثائق الشخصية الخاصة بريجيني، التي عثرت عليها الشرطة في 24 مارس/آذار 2016، وتتضمن جواز السفر، وبطاقتين جامعيتين، وبطاقات السحب الآلي الخاصة به.
وخلال اللقاء الخامس الذي جرى يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، أكد النائب العام المصري نبيل صادق لنظيره الإيطالي جيوسيب بيجناتوني أن "بلاده لن تغلق التحقيق في مقتل ريجيني إلا بعد القبض على الجناة".
ووافقت النيابة المصرية في 22 يناير/كانون الثاني 2017 على طلب إيطالي باسترجاع وتحليل بيانات كاميرات مراقبة محطة مترو الدقي (غربي القاهرة)، تردد أن ريجيني ظهر بها قبل اختفائه.
ويوم 23 يناير/كانون الثاني 2017، بث التلفزيون المصري"فيديو" يظهر فيه ريجيني في مشهد ليلي وهو يتكلم بعربية فصحى غير سليمة، فيما يرد محدثه بعامية مصرية، مطالبا إياه بأموال لإجراء عملية جراحية لزوجته.
لكن الطالب الإيطالي، الذي كان يجري أحد أبحاثه على الباعة الجائلين، رفض منحه المال، مضيفا أن النقود التي معه ملك المؤسسة البريطانية (لم يسمها) التي يعمل معها، ولا تخصه شخصيا.
فيما قالت النيابة العامة الإيطالية إن محققين إيطاليين يعتقدون أن الشرطة المصرية ضالعة في ذلك التسجيل.
ويوما بعد ذلك قال وزير الخارجية الايطالي أنجيلينو ألفانو إن بلاده لن يهدأ لها بال سياسيا ودبلوماسيا حتى ظهور الحقيقة بشأن حادثة اختطاف ومقتل الباحث الإيطالي.
وذكرت وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء أن مصادر تحقيقات إيطالية رأت أن هذا التسجيل صوّر باستخدام كاميرا صغيرة بحجم زر قميص، و"هي جهاز متوفر لدى الشرطة المصرية".