هيئة تحرير الشام.. تكتل عسكري ضد أستانا شارك في "ردع العدوان"

الموسوعة - شعار هيئة تحرير الشام.
شعار هيئة تحرير الشام (مواقع التواصل)

تكتل عسكري تكوّن نتيجة اندماج 5 فصائل اندماجا كاملا في جسم عسكري واحد، هي: جبهة فتح الشام وحركة نور الدين زنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة، كما انضمت إليها لاحقا كتائب وألوية عدة وشخصيات دعوية. ويرفض التكتل مفاوضات أستانا ويعدّها جزءا من المؤامرة على الثورة السورية.

ما قبل التأسيس

شهدت المعارضة السورية خلافات متزايدة بين فصائلها المختلفة، خاصة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية الرامية لتوحيد صفوفها. وقد برزت هذه الخلافات على نحو خاص بسبب مواقف بعض الفصائل من التعاون مع جبهة النصرة التي صنفت منظمة إرهابية من جهات عدة.

وفي الوقت الذي كانت فيه قوات المعارضة تواجه انتكاسات عسكرية في حلب، تصاعدت الانقسامات بين الفصائل، وامتنع عدد منها عن تلبية الدعوات الشعبية لتوحيد القوى الثورية، مبررة ذلك بأن التحالف مع أطراف مثل جبهة النصرة سيعرّض الثورة لفقدان الدعم الدولي ويزيد من استهدافها.

وعمّق الخلافات بين الفصائل إعلان روسيا والولايات المتحدة في يونيو/حزيران 2016 اتفاقا لتنسيق الجهود العسكرية ضد التنظيمات المصنفة إرهابية، ومنها جبهة النصرة، مما زاد الضغط على المعارضة للابتعاد عن مواقع الجبهة.

وفي يوليو/تموز 2016، سعى أبو محمد الجولاني إلى تخفيف حدة هذه الانقسامات بإعلان فك ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة وتأسيس جبهة "فتح الشام"، قائلا إن هذه الخطوة جاءت استجابة لرغبات الشعب ومحاولة لتقليل الاستهداف الدولي.

ومع ذلك، ظلّت الانقسامات قائمة بين الفصائل، ولم تنجح هذه المبادرة في إزالة الجبهة من قوائم الإرهاب، فزاد ذلك من تعميق الخلافات داخل صفوف المعارضة السورية.

رفض أستانا

كانت جبهة فتح الشام -وهي أهم وأبرز مكونات التشكيل الجديد- قد رأت أن مؤتمر أستانا جزء من المؤامرة على الثورة السورية، وأن المسار السياسي الذي واكب الثورة منذ بدايتها لم يكن يخدم أهدافها، بل كان سلسلة مما وصفتها بالمؤامرات.

واعتبرت أن رعاية روسيا لمحادثات أستانا تعدّ إذلالا لتضحيات المجاهدين، وأن روسيا تحتل سوريا وتقصف وتدمر العديد من مدنها، كما تعدّ نوعا من القبول المباشر ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد على رأس السلطة.

وقد اندلعت مواجهات عسكرية بين جبهة فتح الشام وفصائل سورية أخرى على خلفية مشاركة هذه الفصائل في مؤتمر أستانا، وهي المواجهات التي مهدت من بين أمور أخرى لإنشاء الهيئة الجديدة.

واختير هاشم الشيخ (أبو جابر) لقيادة التشكيل الجديد، وهو مهندس ترأس سابقا حركة أحرار الشام، قبل أن يعلن انفصاله عنها، ثم ينضم للهيئة الجديدة ويترأسها.

النشأة والتأسيس

أعلن عن إنشاء الهيئة في 28 يناير/كانون الثاني 2017، باندماج كل من جبهة الشام وحركة نور الدين زنكي (التي انفصلت عنها لاحقا) وجبهة أنصار الدين ولواء الحق.

ووفقا لبيان نشرته الفصائل المتحدة على شبكة الإنترنت، فإن الاندماج حدث لمواجهة "المؤامرات التي تعصف بالثورة السورية والاحتراب الداخلي الذي يهدد وجودها"، ودعا البيان جميع الفصائل العاملة في سوريا إلى الانضمام لهذا الكيان للحفاظ على مكتسبات الثورة والجهاد، على حد تعبيره.

وجاء هذا الاندماج بعد أيام من إعلان 5 فصائل انضمامها إلى حركة أحرار الشام، وهي: ألوية صقور الشام، وجيش الإسلام-قطاع إدلب، وجيش المجاهدين، وتجمع "فاستقم كما أمرت"، والجبهة الشامية-قطاع ريف حلب الغربي. وقالت حركة الأحرار في بيان مشترك إن هذا الانضمام يأتي التزاما منها بأهداف الثورة السورية وحمايتها.

جاء الإعلان عن هيئة تحرير الشام في ظل تراجعات وإخفاقات عسكرية متلاحقة منيت بها قوى الثورة السورية، وأدت -في أبرز تجلياتها- إلى سقوط مدينة حلب كبرى مدن الثورة في يد النظام وتهجير سكانها.

التوجه الأيديولوجي

لم تعلن الهيئة بشكل رسمي عن تبنّي خط أيديولوجي واضح، بل حرصت على التأكيد أنها كيان مستقل لا يمثل امتدادا لتنظيمات وفصائل سابقة، وأن تشكيلها يمثل خطوة ذابت فيها جميع التسميات.

وتضع الهيئة على رأس أولوياتها إسقاط النظام السوري، وتؤكد أنها تمثل مرحلة جديدة من مراحل الثورة السورية، تطوى فيها صفحة الخلافات، وتعود فيها الانتصارات، وأنها جاءت على خلفية ما تمر به الثورة السورية من "مؤامرات تعصف بها، واحتراب داخلي يهدد وجودها".

وقال قائد الهيئة هاشم الشيخ إنها تسعى إلى جمع الساحة السورية ضمن كيان واحد وتحت قيادة موحدة تقود العمل السياسي والعسكري للثورة، سعيا لتحقيق هدفها في إسقاط النظام وتحرير الأراضي السورية كافة.

وأعلن قائدها العام أن مقاتلي الهيئة سيستأنفون العمل العسكري ضد قوات النظام السوري، وقال إن تشكيل الهيئة هو مرحلة جديدة من مراحل الثورة السورية.

وأضاف الشيخ -في تسجيل مصور في فبراير/شباط 2017 يعد أول ظهور له منذ تعيينه في هذا المنصب- أن الهيئة ستبدأ مشروعها بإعادة تنشيط العمل العسكري ضد النظام السوري، وستغير مجددا على ثكناته، كما قال إنها ستخوض من جديد ما سماها معركة التحرير.

على قوائم الإرهاب

في 10 مارس/آذار 2017، أصدر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، مايكل راتني، بيانا أعلن فيه تصنيف هيئة تحرير الشام "منظمة إرهابية"، مهددا باستهدافها وكل المجموعات المتحالفة معها.

ووضعت وزارة الخارجية الأميركية هيئة تحرير الشام على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" في مايو/أيار 2018، ثم وضعتها في قائمة "الكيانات المثيرة للقلق بشكل خاص" متهمة إياها "بارتكاب انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية".

وفي العام نفسه، أفاد مرسوم صدر عن الرئاسة التركية، ونشر في الجريدة الرسمية، بأن تركيا صنفت هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية.

محطات

سعت هيئة تحرير الشام منذ تأسيسها إلى توسيع نفوذها وبسط سيطرتها في شمال سوريا، بالهجوم على الفصائل غير المنضوية تحت لوائها.

وعقب إعلان تشكيلها بفترة قصيرة، هاجمت الهيئة مواقع جيش المجاهدين في ريف حلب الغربي، ثم توسعت عملياتها لتشمل صقور الشام في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومواقع أخرى لجيش المجاهدين قرب معبر باب الهوى، وأسفرت هذه العمليات عن تفكيك بعض الفصائل وسيطرة الهيئة على أسلحتها ومناطقها.

في منتصف عام 2017، خاضت الهيئة مواجهات مع حركة أحرار الشام، وانتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، انسحبت بموجبه "أحرار الشام" إلى مناطق في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بينما سيطرت الهيئة على معبر باب الهوى، فأتاح لها ذلك موارد اقتصادية إضافية.

في أوائل عام 2019، دخلت الهيئة في صراع مع حركة نور الدين الزنكي التي كانت بالأصل من مكوناتها، لكنها قررت الانشقاق إلى صفوف الجبهة الوطنية للتحرير في أغسطس/آب 2018.

وامتد القتال بين الهيئة وحركة الزنكي إلى مناطق دارة عزة وقبتان الجبل، وانتهت الاشتباكات بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار قضى بانتقال مقاتلي الزنكي إلى ريف حلب الشمالي حيث سيطرة الجيش الوطني.

بعد ذلك، اتجهت الهيئة إلى مواجهة بقايا كتائب أحرار الشام في ريف حماة الشمالي، مما أدى إلى سيطرتها على كامل المنطقة بحلول يناير/كانون الثاني 2019.

في عام 2020، صعّدت الهيئة مواجهاتها ضد تنظيم حراس الدين الذي أعلن تبعيته للقاعدة، ونفذت الهيئة حملة أمنية شملت دهم مقارّ التنظيم واعتقال عدد من قياداته، إلى جانب إجبارهم على تسليم الأسلحة الثقيلة وإغلاق قواعدهم.

واستطاعت هيئة تحرير الشام عبر هذه العمليات تعزيز نفوذها في شمال سوريا وإضعاف القوى المنافسة، مما جعلها الطرف المهيمن في المنطقة.

غرفة عمليات الفتح المبين

أنشئت "غرفة عمليات الفتح المبين" في منتصف عام 2019، وانضوى تحتها عدد من فصائل المعارضة من بينها هيئة تحرير الشام، وأُعلن أن هدفها إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري وتنسيقها.

وأعلنت غرفة عمليات الفتح المبين إطلاقها عملية "ولا تهنوا" ضد قوات الجيش السوري وحلفائه في ريف إدلب الجنوبي الشرقي عام 2019، وأعلنت بسط سيطرتها على قرى عدة في الساعات الأولى، منها إعجاز وسروج وإسطبلات ورسم الورد.

وفي منتصف عام 2020، أصدرت الهيئة بيانا بعنوان "حول توحيد الجهد العسكري"، ومنعت تشكيل أي فصيل عسكري أو غرفة عمليات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وحصرت الأعمال العسكرية في "غرفة عمليات الفتح المبين".

وأعلنت الهيئة في مؤتمر صحفي عقدته عام 2023 عن ترتيب بناء جديد للقوة العسكرية للفصائل العاملة في المنطقة، وقالت إن هذه الخطوة أسهمت في "تحقيق توازن القوى في المنطقة مما أفضى إلى طلب النظام السوري للتهدئة".

وبعد ذلك ظهر تشكيل "إدارة العمليات العسكرية" مع إعلان انطلاق معركة "ردع العدوان" يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وضم هيئة تحرير الشام والفصائل ذاتها التي كانت منضوية تحت "الفتح المبين".

أبرز العمليات

ومن أبرز العمليات والمعارك التي شاركت فيها الهيئة منذ تشكيلها: معركة السيطرة على حي المنشية في درعا حيث كانت من أهم مكونات غرفة البنيان المرصوص التي شنت الهجوم على معاقل النظام في الحي.

ومن العمليات التي توصف بالنوعية: استهداف فرعيْ الأمن العسكري وأمن الدولة في حيي الغوطة والمحطة بمدينة حمص بهجومين متزامنين، وهو التفجير الذي أدى -بحسب النظام- إلى مقتل نحو 30 ضابطا وجنديا من قواته الأمنية، بينهم رئيس فرع الأمن العسكري العميد حسن دعبول في 25 فبراير/شباط 2017.

وكشف القيادي في هيئة تحرير الشام أبو يوسف المهاجر -في مقابلة مع الجزيرة- أن 3 من "الانغماسيين" توجهوا إلى فرع الأمن العسكري وقتلوا 3 حراس قبل أن يدخلوا إلى غرفة الضباط ويقتلوا 15 ضابطا، ومن ثم إلى غرفة رئيس الفرع اللواء دعبول الذي قتل أيضا في الهجوم.

وأكد أن اثنين آخرين من عناصره توجّها إلى فرع أمن الدولة بمسدسات كاتمة للصوت، وأن الهجومين أديا إلى مقتل وإصابة العشرات.

وشاركت هيئة تحرير الشام في عملية ردع العدوان التي أطلقتها "إدارة العمليات العسكرية" يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والتي هدفت إلى توجيه "ضربة استباقية لقوات النظام السوري".

تعد العملية أول اختراق لخطوط التماس بين الطرفين في محافظة إدلب منذ الاتفاق "التركي الروسي" لوقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020.

جاءت العملية في وقت شهدت فيه مناطق ريف حلب الغربي اشتباكات وقصفا عنيفا متبادلا بين الجيش السوري والمليشيات الإيرانية من جهة، والمعارضة السورية في الشمال من جهة أخرى، في ظل تصعيد الجيش قصفه للمناطق المدنية.

واستطاعت فصائل المعارضة الوصول إلى تخوم مدينتي إدلب وحلب عاصمة الشمال السوري، والسيطرة على 400 كيلومتر مربع ضمن 56 بلدة، ثم السيطرة على مدينتي حماة وحمص.

وفي اليوم 12 من العملية أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على العاصمة دمشق، وإسقاطها حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من 50 عاما.

إعلان
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان