"خمس نجوم".. من مدونة ساخرة إلى أكبر حزب إيطالي
النشأة والتأسيس
انطلقت فكرة تأسيس حركة خمس نجوم في فضاء الشبكات الاجتماعية على الإنترنت بفتح السياسي والممثل الكوميدي جوزيبي غريللو الشهير بـ"بيبي غريللو" أول مدونة في إيطاليا عام 2005 بوصفها منبرا للنقاش والتعبئة المناهضة للطبقة السياسية، وانتقلت الفكرة من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي في أكتوبر/تشرين الأول 2009.
تزامن ظهور الحركة مع ما وصف بـ"الربيع" السياسي الأوروبي إبان الأزمة الاقتصادية التي اكتسحت القارة العجوز، مما اضطر حكوماتها لمراجعة سياساتها الاقتصادية والمالية من قبيل حزب سيريزا اليساري الراديكالي في اليونان، وحزب بوديموس (يسار راديكالي) في إسبانيا، وحركة "الواقفون ليلا" في فرنسا، ويجمع بين هذه الأحزاب والحركات الموقف المتمرد والرافض للسياسات المحلية، ومعاداة الطبقة السياسة التقليدية السائدة ووصفها بأنها فاسدة.
التوجه الأيديولوجي
ترفض "خمس نجوم" أن تصنف حزبا سياسيا، وتصر على تقديم نفسها حركة مناهضة للنخب السياسية التقليدية، وتطرح نفسها بديلا "نظيفا" لهذه النخب، مستثمرة في ذلك حالة من الغضب الشعبي على الممارسة السياسية التي راكمت لأصحابها الامتيازات و"التحالف" مع القوى المالية وأصحاب النفوذ، وحامت حولها شبهات الفساد.
ليس لها أي مرجعية فكرية أو أيديولوجية، وهي خليط بين التيار الشعبوي واليميني والبيئي، ويرفض أعضاؤها تصنيفها باليسار أو اليمين، ويعتبرون أنها تناهض الفساد والعنف، وتدافع عن الديمقراطية والبيئة. كما ترفض التدخلات العسكرية للغرب في الشرق الأوسط، وتعارض أيّ تدخل أميركي في سوريا أو العراق.
كسرت الحركة الثنائية التي هيمنت على المشهد السياسي الإيطالي بين اليسار الاشتراكي الديمقراطي واليمين الليبرالي. اتخذت اسمها من خمس نقاط وقضايا تدافع عنها: المياه العامة، والنقل المستدام، والتنمية المستدامة، والحق في الوصول للإنترنت، وحماية البيئة.
المسار السياسي
بدأ مسار حركة خمس نجوم بصفحة فتحها بيبي غريللو على مواقع الشبكات الاجتماعية عام 2005، يقرأها نحو 130 ألف إيطالي يوميا. وبعد عامين، بدأ غريللو يدعو لمظاهرات مناهضة للطبقة السياسية التقليدية في البلاد تحت شعار صادم "اذهب للجحيم".
وفي ظل الأجواء العامة الساخطة على الطبقة السياسية في إيطاليا عام 2009 خاصة بعد تأزم الأوضاع الاقتصادية والغضب من الفساد في صفوف عدد من السياسيين، نقل غريللو وكازالدجيو فكرة حركة خمس نجوم من العالم الافتراضي والشعارات إلى الواقع.
واعتمدت الحركة برنامجا فيه مشاريع متعددة، توجه بعضها لتقديم مساعدات للفقراء، وطالبت بخفض الضرائب على الأنشطة التجارية الصغيرة وتحفيز المؤسسات الصغيرة، وخصخصة شركات عامة، وفرض عقوبات على التهرب الضريبي والفساد، كما طالبت بخفض رواتب السياسيين والمنح المالية للأحزاب السياسية.
فازت في فبراير/شباط 2013 خلال الانتخابات التشريعية بـ25% من الأصوات، فحصدت 109 مقاعد في مجلس النواب و54 في مجلس الشيوخ، مما حوّل حركة خمس نجوم لظاهرة سياسية شدت إليها الأنظار. وبعد عام 2015 تراجع غريللو -الذي يحظى بشعبية كبيرة- للوراء تدريجيا، في خطوة فسرت على أنها تمكين للزعماء الشباب للبروز والقيادة.
وعادت الأضواء لتسلط بقوة على الحركة بعد نجاحها الكبير في الانتخابات البلدية في يونيو/حزيران 2016 وفوز القيادية الشابة في الحركة فيرجينيا راغي (37 عاما) في الانتخابات البلدية بالعاصمة روما وتسييرها بالإضافة لبلديات أخرى كبيرة مثل تورينو لتؤكد أنها قوة سياسية لا يستهان بها.
وفي مارس/آذار 2018 حققت الحركة قفزتها السياسية الكبرى، وأنجزت اختراقا تاريخيا بحصولها على ما يقارب 32% من الأصوات، مما يجعل منها الحزب الأول في إيطاليا بعد فترة وجيزة من تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي ووصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وقال أحد قادتها وهو أليساندرو دي باتيستا مبديا سروره بهذه النتيجة "سيتعين على الجميع التحدث إلينا"، وذلك بعد حملة انتخابية موجهة ضد الفساد و"الطبقة" السياسية الإيطالية.
وتوجَّه للحركة انتقادات كثيرة أبرزها عدم وضوح تصوراتها، وافتقادها لمرجعية ورؤية سياسية واضحة، بالإضافة لافتقادها الخبرة السياسية لتدبير الشأن المحلي والعام.
بداية 2017 أعلنت الحركة عن "ميثاق سلوكي" يضم ست نقاط، ودعا الزعيم غريللو البرلمانيين للتحلي بالنزاهة الأخلاقية، لكن ذلك لم يمنع منتقديها من وصفها بالنفاق لتسترها على اختلالات ارتكبها بعض أعضائها، وإصدارها بيانا أكدت فيه عدم إقالة أعضائها في حال التحقيق معهم بقضايا فساد، بالمقابل تشنع الحركة على مخالفيها.
وفي هذا السياق قال عضو في حزب "إيطاليا إلى الأمام" موريتسيو جاسباري "لو كان الشخص الذي يجري معه التحقيق من حزب آخر لرُجم على الفور، وإذا كان واحدا منهم فإنه يُحظر لمسه".