يحيى المشد.. اغتيال غامض لعالم نووي مصري
عالم مصري متخصص في هندسة المفاعلات النووية، كان واحدا من الكوادر العلمية التي استثمر علمها في البرنامج النووي المصري قبل أن يلتحق في أواخر سبعينيات القرن العشرين بالمشروع النووي العراقي. اغتيل يوم 13 يونيو/حزيران 1980 بظروف غامضة خلال وجوده بالعاصمة الفرنسية باريس.
المولد والنشأة
ولد يحيى أمين المشد يوم 11 يناير/كانون الثاني 1932 في بنها في مصر، قضى حياته في الإسكندرية، وتعلم في مدارس طنطا.
الدراسة والتكوين
تخرج من قسم الكهرباء في جامعة الإسكندرية عام 1952، أرسلته الحكومة المصرية بعد أربع سنوات من تخرجه إلى بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه، ولكن سفره تزامن مع العدوان الثلاثي على مصر.
وتم تحويل بعثة المشد من بريطانيا إلى الاتحاد السوفياتي (سابقا) حيث مكث ست سنوات، عاد بعدها إلى مصر عام 1963 متخصصا في هندسة المفاعلات النووية.
الوظائف والمسؤوليات
بعد عودته من الاتحاد السوفياتي، التحق المشد بهيئة الطاقة الذرية المصرية، التي كان أنشأها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتسلم رئاسة قسم الهندسة النووية في جامعة الإسكندرية عام 1968.
أشرف على عدد كبير من الرسائل والبحوث الجامعية في مجال الهندسة النووية، وكتب هو شخصيا أكثر من 50 بحثا.
بعدها بفترة تلقى عرضا للتدريس في النرويج، وسافر إلى هناك رفقة أسرته، وتقول مصادر إنه رفض عروضا لمنحه الجنسية النرويجية. كما أنه ألقى هناك خطبة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثارت غضب اللوبي الصهيوني في النرويج.
وبعد عودة العالم المصري إلى القاهرة، استعارته جامعة بغداد لمدة أربع سنوات، لكن السلطات العراقية تمسكت به وعرضت عليه أن يطلب أي شيء يريده، وكان طلبه العمل في مؤسسة الطاقة الذرية العراقية إلى جانب التدريس لبعض الوقت في كلية التكنولوجيا.
بعد حرب الأيام الستة التي عرفت اصطلاحا بـ"النكسة" عام 1967 جمد البرنامج النووي المصري، وتوقفت حركة البحث العلمي التي كانت بالنسبة للمشد رسالة حياة أكثر منها مجرد مهنة. وظلت الحال على ذلك حتى وفاة عبد الناصر بعد النكسة بثلاث سنوات.
وبعد تربع أنور السادات سدة الرئاسة في مصر، وبقاء المشروع النووي المصري مجمدا، التحق المشد في أواخر سبعينيات القرن العشرين بالمشروع النووي العراقي، ووقع عقدا مع هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1979.
وبعد تفجير قلبي المفاعلين النوويين العراقيين "تموز 1″ و"تموز 2" قبيل شحنهما من فرنسا إلى العراق عام 1979، سارعت فرنسا إلى إرسال شحنات بديلة لم تكن بالمواصفات المطلوبة.
مع العلم أن صدام حسين (نائب مجلس قيادة الثورة العراقية أنداك) وقع يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 اتفاقاً مع فرنسا للتعاون النووي.
رفض المشد استلام شحنات اليورانيوم، وعندها أصر الفرنسيون على حضوره لتنسيق عملية الاستلام، وسافر بالفعل بتكليف رسمي إلى فرنسا برفقة عدد من زملائه العراقيين العاملين في المشروع النووي العراقي، وكان ذلك في السابع من يونيو/حزيران 1980.
الاغتيال
أثناء وجوده بالعاصمة الفرنسية باريس، تعرض المشد لجريمة اغتيال يوم 13 يونيو/حزيران 1980 حيث عثر على جثته في غرفة بفندق الميريديان بباريس، بعد أن ضرب بألة حادة على رأسه. وقيّدت القضية ضد مجهول، وضرب حولها طوق من التعتيم الإعلامي.
وكان القتلة قد استأجروا عاهرة فرنسية تسمى ماري كلود ماجال للإيقاع بالمشد، لكنه رفض مجاراتها لأنه كان رجلا متدينا، وقد شهدت هي نفسها بهذه الحقيقة. مع العلم أنه لم يمض شهر على اغتيال العالم المصري حتى ماتت هذه المرأة في حادث دعس بسيارة في ضاحية سان ميشيل بفرنسا، وقيّدت الحادثة أيضا ضد مجهول.
وبحسب ما أورد برنامج "سري للغاية" في حلقته التي بثت على قناة الجزيرة عام 2002، فقد أشارت الشرطة الفرنسية في تقرير لها بأصابع الاتهام في اغتيال المشد إلى ما وصفتها بمنظمة يهودية لها علاقة بالسلطات الفرنسية.
وذكرت الحلقة أن أقوى دليل يأتي في سياق كتاب صدر عام 2000، يضم اعتراف المسؤول عن شعبة القتل في الموساد.
ورغم أنه لم يتم الكشف عن القتلة بشكل رسمي حتى اليوم، ظهرت إشارات متكررة في أفلام وثائقية غربية تؤكد وجود دلائل كافية عن ضلوع الموساد في اغتيال المشد، خاصة أن إسرائيل هي المستفيد الأول من عدم حصول العراق على مفاعل نووي.
وكشف عمير أورين من صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه بينما كان البرنامج النووي العراقي في طريق التقدم في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، أقسمت إسرائيل علنا أن تضع حدا له.
وأشار إلى وجود تقارير موثوق بها تؤكد أن إسرائيل حاولت النيل من الأشخاص الضالعين في البرنامج النووي العراقي كالعلماء والمهندسين ومن المواد التي كانت في طريقها للمفاعل النووي العراقي.