ثورة داريا السورية ومأساتها.. أحداث وأرقام
سجلت مدينة داريّا بريف دمشق حضورا مبكرا وقويا في الثورة السورية ضد النظام الحاكم بقيادة بشار الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في 17 مارس/آذار عام 2011، وقد دفعت المدينة ضريبة صمودها أمام بطش النظام الذي جرب كافة الوسائل من قصف واقتحام وحصار وحفر أنفاق بهدف السيطرة عليها.
وأخذ الصراع على المدينة بعدا إستراتيجياً لإشرافها على مطار المزة العسكري، وقربها من أوتوستراد دمشق درعا الدولي، كما أنها تقع على بعد بضعة كيلومترات من القصر الجمهوري الذي يقيم فيه بشار الأسد.
وتتألف تشكيلات المعارضة المسلحة في داريا بشكل رئيسي من أربعة ألوية وبعض الكتائب الأخرى، وهي "لواء شهداء الإسلام" الذي جرى تشكيله من نواة كتيبة الفيحاء التي تعد أول تشكيل مسلح بريف دمشق تابع للمجلس العسكري للثورة، وألوية وكتائب الصحابة وتضم لواء المقداد بن عمرو ولواء الفتح المبين، و"لواء الأحرار" الذي نتج عن اتحاد بعض المجموعات في المدينة.
وخاضت هذه الفصائل حربا شرسة مع النظام لمنعه من السيطرة على المدينة التي وصفها محللون عسكريون ذات يوم بأنها "مقبرة دبابات النظام"، حيث دمر مقاتلو المعارضة في داريا -حتى أبريل/نيسان 2014- ما بين 45 و65 دبابة، وفق تقديرات الجيش الحر ومكاتبه الإعلامية. ودخل الطرفان في حرب أنفاق من خلال محاولة كل منهما التسلل عبرها إلى مواقع الآخر.
وأكد الجيش الحر تمكنه من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف النظام منذ بدء الحصار وحتى ديسمبر/كانون الثاني 2015، تجاوزت خمسة آلاف جندي من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، وتدمير أكثر من ستين آلية عسكرية، واغتنام مصفحات وعشرات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وفي المقابل يفيد المكتب الإعلامي للمجلس المحلي بداريا بسقوط أكثر من 1291 قتيلا من أبنائها منذ بدء حصارها نهاية 2012 وحتى ديسمبر/كانون الثاني 2015، أغلبهم وقع ضحية قصف طيران النظام السوري، ومنهم 266 توفوا بسبب عدم توفر الإمكانات الطبية لعلاج إصاباتهم.
وقـُصفت المدينة بما يزيد على 697 صاروخا، وبآلاف القذائف المدفعية والبراميل المتفجرة وصواريخ أرض/أرض والألغام البحرية والقنابل الفراغية، ووصلت حصيلة القصف اليومي أحيانا إلى أربعين برميلاً متفجرا، وهو ما جعل الأمم المتحدة تسمي داريا "العاصمة السورية للبراميل المتفجرة".
وحتى أبريل/نيسان 2016 دمر النظام أكثر من 80% من بنى داريا التحتية، وأجبر 90% من سكانها على النزوح، وشددت حصارها للمدينة من كافة محاورها الذي استمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بعد سيطرة الجيش الحر على كافة النقاط العسكرية للنظام على أطراف المدينة، وحتى تُوُصّل إلى صفقة في أغسطس/آب 2016 خرج بموجبها غادر المدينة مقاتلوها المنهكون بالحصار الخانق.
وفي ما يلي استعراض تاريخي لأبرز الأحداث التي عاشتها داريا بعد الثورة:
– 25 مارس/آذار 2011: داريا تنظم أولى مظاهراتها التي ما لبثت أن تمددت وأصبحت تخرج بشكل مُنتظم، وأصدر شباب داريا جريدة للتوعية بالثورة على النظام أطلق عليها اسم "عنب بلدي"، وهي جريدة أسبوعية وُزعت فترة طويلة بشكل سري خوفا من الشبيحة.
– 22 أبريل/نيسان 2011: قوات الأمن تفتح النار على المُتظاهرين في داريا وتقتل سبعة منهم في ما عُرف بـ"الجمعة العظيمة"، وكثفت بعدها الحواجز الأمنية في المدينة، وما لبثت أن قطعت الاتصالات عنها، وتعرض المئات من أبنائها للقتل والاعتقال.
– 20 أغسطس/آب 2012: شهدت داريا مجزرة مروعة استمرت ثمانية أيام وراح ضحيتها أكثر من سبعمئة قتيل من سكان المدينة أغلبتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، و512 فقط منهم أمكن التعرف على هوياتهم. وكانت هذه المجزرة هي أكبر مجزرة تم الإبلاغ عنها منذ تفجرت الثورة في البلاد.
– مطلع سبتمبر/أيلول 2012: داريا تشهد -إثر مجازر أغسطس/آب- نزوحاً سكانياً كبيراً شمل أغلبية سكانها (220 ألفاً) الذين خرجوا باتجاه مناطق أكثر أمناً وهم لا يحملون سوى ملابسهم.
– 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012: تأسيس المجلس المحلي لمدينة داريا "بهدف تجميع الجهود الثورية والعسكرية في إطار تنظيمي يتجاوز نقاط الضعف والفوضى والتشتت السابق في العمل".
– يناير/كانون الثاني 2013: النظام يبدأ حملات القصف المتواصلة على داريا بالصواريخ والقذائف، ثم بالبراميل المتفجرة والمحملة بالغازات السامة بدءا من يناير/كانون الثاني 2014.
– 6 أغسطس/آب 2015: النظام يبدأ حملة عسكرية على داريا وصفها ناشطون من أهلها بأنها الأعنف على المدينة حتى ذلك التاريخ، ردا على إطلاق فصائل المعارضة "معركة لهيب داريا" لفك الحصار عن المدينة، وإضعاف قوات النظام المتمركزة في مطار المزة العسكري المحاذي لها.
– 16 أبريل/نيسان 2016: وفد من الأمم المتحدة يصل إلى مدينة داريا لأول مرة، وذلك بعد سماح قوات النظام السوري له بالدخول لمعاينة الواقع الإنساني في المدينة المحاصرة والمأهولة بقرابة ثمانية ألف شخص بينهم ألفا طفل، يعانون انعداما تاما في المواد الطبية والغذائية جراء الحصار.
– 1 يونيو/حزيران 2016: داريا تستقبل قافلة مساعدات طبية أممية لكنها لم تشمل مساعدات غذائية باستثناء كميات ضئيلة من حليب الأطفال، وتعتبر المبادرة الأولى منذ بدء الحصار على المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
– 25 أغسطس/آب 2016: المعارضة المسلحة تتوصل إلى اتفاق مع النظام يقضي بتسليم المدينة إلى جيش النظام، مقابل خروج المدنيين منها إلى مناطق سيطرة النظام ببلدة صحنايا بريف دمشق، وإجلاء المقاتلين وذويهم إلى محافظة إدلب بعد تسليمهم سلاحهم المتوسط والثقيل، وذلك بضمانات وإشراف من الصليب الأحمر الدولي.
– 28 أغسطس/آب 2016: أصبحت داريا خالية تماما من سكانها وخاضعة بالكامل لسيطرة النظام، بعد وصول آخر قافلة تحمل مقاتلي المعارضة المسلحة وعائلاتهم من المدينة إلى منطقة قلعة المضيق بريف حماة.