ماذا يعني الإفلاس؟
الإفلاس هو تعبير يصف الوضعية القانونية التي يوجد عليها شخص طبيعي (فرد) أو معنوي (شركة) مَدين بالمال لأطراف أخرى (موردون، مصارف، إدارة الضرائب…) لكنه متوقف عن سداد ديونه وعاجز عن الوفاء بالتزاماته المالية تجاه دائنيه.
وتُعلَن حالة الإفلاس بحكم قضائي من طرف محكمة مختصة (المحاكم التجارية غالبا) وبمبادرة وطلب من الجهة المُفلسة نفسها أو من الدائنين أو من الدولة.
وتدرس المحكمة طلب إعلان الإفلاس وفقا لمسطرة قضائية محددة من أجل التأكد من توفر واستيفاء جميع شروطه، قبل النطق بالحكم الذي تكون له تبعات قانونية على المُفلس.
التبعات القانونية
إذا تعذر على الجهة المفلسة تدبير ضائقتها المالية عبر الوصول إلى حلول ودية مع مجموع الدائنين (إعادة جدولة للديون مثلا) أو من خلال البحث عن مستثمرين جدد لضخ أموال إضافية، أو تصفية أصل من الأصول المملوكة للشركة (عقار مثلا) أو أي وسيلة من الوسائل الأخرى الممكنة، فإن القضاء لا يجد محيدا عن إعلان حالة الإفلاس.
وتترتب على هذا الإعلان عدة تبعات قانونية قد تصل إلى حد العقوبة الحبسية في حق المُفلس.
وتقضي المحكمة، وفقا لحالة المفلس ومدى عسره المالي، بأحد أمرين:
– إما أن تعين وصيا على الشركة المفلسة (قد يكون محاميا أو خبير حسابات معتمدا عند المحاكم) كي يسهر على تدبير شؤونها أملا في تقويم وضعها المالي، والوصول إلى حلول مع الدائنين تضمن استمرارية الشركة وتحول دون فقد العمال لوظائفهم.
– وإما أن تأمر بتصفية أصول وممتلكات المفلس، وبيعها في مزاد علني. وتعيِّن لهذه الغاية قاضيا يتكفل بإدارة هذه العملية وسداد مستحقات الدائنين، ويرتب تعويضهم وفق أهمية كل دائن (صاحب امتياز أم دائن عادي) في حال ما إذا كانت الأموال المتحصلة من البيع غير كافية لسداد جميع الديون.
إذا قضت المحكمة بالخيار الأول، وظهر لها بعد حين من الزمن أن مسطرة التقويم وإعادة الهيكلة تعجز عن تصحيح الاختلالات المالية للشركة المفلسة، فإن القضاء يتجه إلى الخيار الثاني، والمتمثل في تصفية الشركة.
ويمكن أن يتعرض المفلس أو القيمون على إدارة الشركة المفلسة لمتابعات قضائية إذا ثبت تورطهم ومسؤوليتهم المباشرة، من خلال التلاعب أو الاحتيال، في الوضع الذي آلت إليه ذمتهم المالية. وقد تصل هذه المتابعات إلى حد العقوبة بالسجن.
الدول لا تفلس
الدول لا تفلس وإنما تعجز عن السداد. فلا يصح الحديث عن الإفلاس (Bankruptcy) بالنسبة للدول كما يصح في الأفراد والشركات، إذ لا توجد محكمة أو هيئة دولية يمكن أن تضع اليد على ممتلكات الدول وبيعها من أجل سداد مستحقات الدائنين.
ولا يجوز ذلك بأي حال من الأحوال في القانون الدولي، لما تتمتع به الدول من سيادة يحرم التعدي عليها.
وبدلا من الإفلاس، يمكن الحديث في حق الدول عن حالة العجز عن السداد (Default). وتُعلن دولة ما عاجزة عن السداد عندما تفشل في أداء مستحقات الدائنين (دفعات أصل الدين والفوائد المترتبة عنها) في الآجال المتعاقد عليها.
ويوصف هذا العجز بأنه عجز سيادي (Sovereign Default) إذا تعلق الأمر بدين خارجي.
ولا يترتب على هذا الوضع تبعات قانونية كما هو الشأن بالنسبة للإفلاس الذي يخص الأفراد والشركات. إذ أنه من غير الممكن وضع اليد على أملاك الدول ذات السادة وتصفيتها كما سبق وتقدم.
غير أن الأمر له تبعات مالية واقتصادية كبيرة، حيث إن حالة العجز تؤدي إلى تدهور التصنيف الائتماني للبلد المعني وزعزعة ثقة الدائنين في اقتصاده، فيجد بذلك صعوبة بالغة في الحصول على التمويل مجددا لدى المؤسسات المالية الدولية والمصارف العالمية وأسواق الأوراق المالية في المستقبل.
كما يسيء ذلك كثيرا إلى قدرة البلد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وقد يصل الأمر بالمستثمرين الأجانب في البلد إلى حد سحب استثماراتهم إذا أخفقت الحكومة في تدبير حالة العجز وتبدّى لهم أن آفاق الاقتصاد قاتمة.
هذا فضلا عن اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) من أجل مواجهة العجز، الذي قد يجر على البلد تداعيات يمكن أن تكون خطيرة على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.
إذ أن هذه المؤسسات معروفة بمشروطية تمويلاتها وقدرتها على الضغط على الحكومات، التي تلتزم بنهج سياسات غير شعبية (التقشف الإنفاقي في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، تخفيض الأجور، الإحجام عن التوظيف الحكومي…) في إطار برامج التقويم الهيكلي التي تُفرض على الدول التي تواجه حالات العجز عن السداد.