الدينكا.. قبيلة في قلب الصراع بجنوب السودان
تعد قبيلة الدينكا من أكبر المجموعات الإثنية في دولة جنوب السودان التي تضم عشرات الإثنيات العرقية، لديها معتقدات دينية وطقوس خاصة في الزواج والطلاق، وتشتغل بالزراعة ورعي الماشية، ومنها انحدرت قيادات جنوب السودان وفي مقدمتهم جون قرنق وسلفاكير ميارديت.
امتداد جغرافي
تعيش الدينكا في فضاء جغرافي يمتد من شمال مديريات بحر الغزال والنيل الأعلى إلى جنوب كردفان (حول مجرى النيل) حيث يقع خط تماسهم مع قبائل البقارة.
ويعرف المركب الإثني والثقافي الذي تنتمي إليه الدينكا بمجموعة الشعوب الناطقة باللو والممتدة في أقاليم شرق أفريقيا (الذي يجمع قبائل الماساى في كينيا، والتوتسي في رواندا وبوروندي، بل وبعض المجموعات البشرية في مالي والسنغال المشهورة بطول القامة وسواد البشرة الداكن).
ومن أهم بطون الدينكا النجوك وأبوك وأدوت والدينكا بور والنويك ملوال، وإلى عشيرة الدينكا بور ينتمي قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتعد الملوال أكبر تلك البطون.
يشتغل جل الدينكا بالرعي والزراعة ويرعون قطعان الماشية في المراعي القريبة من الأنهار خلال مواسم الجفاف، وفي مواسم الأمطار يزرعون الحبوب والتبغ بعيدا عن مناطق الفيضانات.
وتمتاز الدينكا بأراضيها المنبسطة ومستنقعاتها الكبيرة، أما مناطقها المطلة على النيل فتتميز بوفرة العشب اللازم للرعي، بينما تغطي الجنوب أشجار كثيفة تتجمع فيها الحيوانات ما يجعلها في الصيف تحديدا مرتعا للصيد.
وارتبطت هجراتهم بالظروف المناخية، إذ يرحلون بين مايو/أيار ويونيو/حزيران عند بداية موسم الأمطار إلى بيوت مصنوعة من الطين والقش بعيدا عن مناطق الفيضانات، ويشتغلون بالزراعة.
أصل الدينكا
أطلق الدينكا على أنفسهم لقب "سيد العالم" (Moin Jiang) ولفظ الدينكا مكون من مقطعين هما "دينك كا" أو "دينك كاك".
وكغيرها من القبائل الأفريقية، ارتبطت أصول الدينكا بأساطير أشهرها أن الدينكا ترجع أصولها إلى "قرنق" الذي انحدرت منه بطون القبيلة، بينما تتحدث أسطورة أخرى عن "ألوت" (بنت الغمام) التي نزلت مع المطر وولدت طفلا "دينغ دين" وطلبت من الناس ذبح الذبائح ليتكلم الطفل وينالوا بركته، ثم سرعان ما عادت إلى السماء مع المطر، وتركت "دينغ دين" يرشد الناس ويمنعهم من ممارسة الزنا والخيانة الزوجية، ويحثهم على عدم السرقة وعلى الكرم واحترام المرأة.
ووفق باحثين، تعتقد الدينكا بوجود إله واحد يدعى "نيال" أو "نياليك" ويؤمنون بأن روحه تتقمص الأفراد، ويعتقدون أن جدهم الأكبر "دينغ ديت" كان يتمتع بخصائص تقربه من درجة الأنبياء، وتشير موروثاتهم إلى أن ولادته تشبه ميلاد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام.
ويرى بعض الباحثين أن الدينكا ينحدرون من الجنس السامي، مدللين على ذلك بوجود تشابه في الثقافة والعادات، بينما يرى آخرون أنهم من نسل حام واستقروا في مصر لفترة، ولديهم في تقاليدهم ما يشبه تقاليد الحضارة الفرعونية.
وقد انتشرت المسيحية والإسلام وسط الدينكا خاصة عند وحدة السودان.
السلطان
لا توجد سلطة مركزية تحكم الدينكا، ومنذ قديم الزمان نظموا حياتهم وفق نظام عشائري مترابط حيث يرأس كل قبيلة قائد يدعى "بيني".
ويتم تنصيبه وفق طقوس يحرصون على احترامها بدقة، إذ تقوم قبيلة "انيال" برفع يد السلطان وتليها بقية العشائر، وكل عشيرة تؤدي أغنية تراثية تتحدث عن قبول السلطان الجديد.
وعلى رأس كل عشيرة ينصب قائد ونائبان له، ثم عُمَد ومشايخ، يكلفون بفض النزاعات وفق الأعراف والتقاليد السائدة.
ويسمح للشخص بالزواج بالعدد الذي يريد من النساء، ويمكن أن يكون لأحدهم عشرات الأبناء والأحفاد.
وبسبب ضغط الموروثات الدينية، فالبقرة عند الدينكا شبه مقدسة، إذ لا يتم ذبحها إلا نادرا، وفي حالة ماتت بقرة يقومون بطهي لحمها واستغلال جلدها وقرونها في صناعة الطبول والمفارش.
تقاليد خاصة
ومن تقاليد الدينكا أن الزوج إذا مات فإن أخاه يتزوج بزوجته أو نسائه، ثم ينسب من سيولد من أطفال إلى أبيهم المتوفى على اعتبار أنهم كانوا في أرحام أمهاتهم باسم أبيهم الأصلي وكانوا فقط ينتظرون الولادة.
وعندما يموت أحد زعماء الدينكا يتم دفن خروف حي معه. ويرث الابن الأكبر أبويه، بينما يقتسم أبناء الزوجات الأخريات ماشية أمهاتهم.
وعند الزواج، يتخير الزوج ما أراد من بنات الأسر المحافظة، ومتوسط المهر 15 بقرة وخمسة ثيران، وفي حال لم يوف بالمهر كاملا فإن تربية الأطفال ترجع إلى أشقاء العروس. وسكن الزوجية لا يعدو أن يكون كوخا للسكن وآخر للطعام.
الصراع السياسي
كثيرا ما عبّرت بعض مكونات جنوب السودان القبلية عن تذمرها من سيطرة قبيلة الدينكا على جميع أمور المنطقة قبل الانفصال عن السودان وحتى بعد نشوء الدولة الجديدة. ففي عام 1991 قاد بعض أبناء قبيلة النوير (رياك مشاروغيره) معززين بعناصر من الشلك تمردا ضد قرنق جسد خروجا على هيمنة الدينكا وانضموا للحكومة السودانية، إلا أن ذلك لم يمنع قرنق من السيطرة على حركة التمرد واستقطاب من تمردوا عليه.
وبدا أن الأمور تتجه نحو الهدوء بين الجانبين بعد سنوات طويلة من الصراع، وذلك بعد أن أدى سلفاكير في التاسع من يوليو/تموز 2011 اليمين الدستورية رئيسا لدولة جنوب السودان أمام عشرات آلاف الأشخاص وممثلين لدول أجنبية عدة، بينما اختير مشار نائبا له.
غير أن المعارك سرعان ما عادت إلى الاندلاع مجددا يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2013 بين الرئيس ونائبه، خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى والمهجرين، ولم تنجح تدخلات الأمم المتحدة والقوى الدولية في وضع حد نهائي لها.
وأعلن سلفاكير الذي ينحدر من الدينكا أنه أفشل محاولة انقلابية ضده دبرها نائبه، لكن مشار نفى ذلك بل دعا الجيش إلى التمرد على الرئيس متهما إياه بالسعي "لإشعال حرب عرقية".
ويوم 17 أغسطس/آب 2015 وقع مشار في أديس أبابا على اتفاق سلام جنوب السودان ينص على وقف لإطلاق النار وتقاسم السلطة. ويوم 26 أغسطس/آب وقع سلفاكير الاتفاق معبرا في الوقت نفسه عن "تحفظات جدية" عن بنود فيه.
لكن برغم ذلك، ظل جنوب السودان على صفيح ساخن، حيث لم تكد الاشتباكات المسلحة بين الجانبين تنقطع، كان من أشدها اشتباك عنيف في جوبا بالأسبوع الأول من يوليو/تموز 2016 استخدمت خلاله الأسلحة الثقيلة ما خلف نحو ثلاثمئة قتيل، وسط مخاوف وتساؤل: جنوب السودان هل يكرر سيناريو رواندا.