ناغورنو كرباخ.. صراع هويات من الإرث السوفياتي

الموقع
يقع إقليم ناغورنو كرباخ في الجزء الغربي من أذربيجان على بعد نحو 270 كيلومترا من عاصمتها باكو. وتقدر مساحته بحوالي 4400 كلم2 أي ما نسبته 15% من مساحة البلاد.
وعاصمة الإقليم هي "إستبانا كيرت" التي تقع على قمة جبلية ترتفع 750 مترا فوق سطح البحر، وقد أُنشئت بعد الثورة البلشفية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1917 على موقع قرية خان كندي، وتغيَّر اسمها إلى "إستبانا كيرت" تيمنا بالزعيم الشيوعي البلشفي إستبانا شاهوميان الذي يتوسط تمثاله ميدانا رئيسيا في المدينة يحمل اسمه.
السكان
يبلغ عدد سكان ناغورنو كرباخ (طبقا لإحصاء أجرته سلطاته الأرمنية في مارس/آذار 2007) 138000 ألف نسمة. وتشير تقديرات إلى أن نسبة الأرمن من السكان تمثل 95% والباقي من أعراق أخرى.
التاريخ
تعود جذور النزاع بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورنو كرباخ إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قرر جوزيف ستالين عام 1923 ضم الإقليم -الذي كانت تقطنه أغلبية أرمينية في ذلك الوقت- إلى أذربيجان ومنحه حكما ذاتيا، وفي نفس الوقت أبقى إقليم ناختشيفان بأغلبيته الأذرية معزولا داخل أرمينيا، وذلك لزرع بذور صراع بين الدولتين يضمن للحكومة المركزية في موسكو نفوذا دائما.
ولما بدأت قبضة الاتحاد السوفياتي سابقا تتراخى على الدول التي تدور في فلكه، تفجر الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان بشأن السيادة على هذا الإقليم عام 1988، وبلغ النزاع ذروته بإعلان الدولتين استقلالهما عن الاتحاد السوفياتي 1991.
وتزامنا مع ذلك أعلن أرمن الإقليم الانفصال عن أذربيجان، فأرسلت الحكومة الأذربيجانية قوات إليه محاولة استعادته. وبدورها ساندت أرمينيا أرمن كرباخ فبدأت الحرب التي أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص من الأذريين والأرمن.
وفضلا عن الخسائر في الأرواح؛ أرست الحرب حقائق ديمغرافية وجغرافية جديدة؛ فقد تسبب الصراع في حركة لجوء في الاتجاهين قدرت بأكثر من 1.2 مليون غالبيتهم من الأذريين، وبسببها أصحبت غالبية سكان الإقليم من الأرمن.
وإضافة إلى سيطرة الأرمن على الإقليم؛ انتزعوا سبع مناطق حدودية أذرية أخرى (تقدر بـ20% من أراضي أذربيجان) أمنت لهم تواصلا طبيعيا عبر ممر "لاتشين" مع دولة أرمينيا، وقد تحمل أرمن المهجر تكاليف تعبيد هذا الممر الذي يبلغ طوله ستين كيلومترا.
وبينما تطالب أذربيجان بعودة الإقليم إلى سلطتها وتعرض على الأرمن فيه سلطات استقلالية واسعة في سياق حكم ذاتي حلا للأزمة، تدعم أرمينيا انفصاله عن أذربيجان وتقدم مساعدات لسلطته الانفصالية التي غيرت اسمه إلى "آرتساخ".
وفي مسعى لوقف الحرب أصدر مجلس الأمن عام 1993 قراره رقم 822 وطالب فيه القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم المحتلة في أذربيجان، لكن القوات الأرمينية لم تمتثل للقرار.
وانتهى القتال بين أذربيجان وأرمينيا على ناغورنو كرباخ عام 1994 عندما تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وما زال الجانبان رسميا في حالة حرب لأنهما لم يوقعا على معاهدة سلام.
وفي عام 2006، أقر أرمن الإقليم الوليد دستورا كرسه باعتباره "جمهورية" مستقلة ومنفصلة عن أذربيجان واختاروا مدينة "إستبانا كريت" عاصمة لهم.
وتحظى الدولة الجديدة -التي استكملت بناء مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقانونية- بدعم من أرمينيا وروسيا التي تستضيف أرمينيا إحدى قواعدها العسكرية القليلة في الخارج، بمقتضى تحالف أمني بينهما.
ويعترف المجتمع الدولي بإقليم ناغورنو كرباخ بوصفه منطقة تقع في إطار حدود أذربيجان. ورغم إعلان القوى الأرمنية المسيطرة عليه انفصاله وقيام "جمهورية" فيه، فإنها لم تنل اعتراف أي دولة -بما في ذلك أرمينيا- باستقلال هذا الإقليم.
ولطالما تعثرت الجهود المبذولة لإحلال السلام النهائي في الإقليم بسبب قضايا شائكة، مثل قضية المناطق الواقعة خارجه والتي تسيطر عليها القوات الأرمينية.
وتشكل عدة دول -على رأسها روسيا والولايات المتحدة وفرنسا– "مجموعة مينسك" المفوضة دوليا بالعمل وسيطا لحل هذا النزاع، وقد نظمت المجموعة عدة جولات محادثات لهذا الغرض لكنها لم تكلل بالنجاح.
ففي 24 يونيو/حزيران 2011 عقد الرئيسان الأرميني سيرج سركسيان والأذربيجاني إلهام علييف محادثات في مدينة قازان الروسية برعاية من الرئيس الروسي آنذاك ديمتري مدفيدف.
وقد فشل المجتمعون في التوصل إلى وثيقة إطار تلزم طرفيْ النزاع برفض استخدام القوة لحله وتضع تسوية لمشكلته، لكنهم أكدوا -في بيان أصدروه عقب الاجتماع- ضرورة التوصل إلى تفاهم متبادل حول مجموعة من القضايا ستساعد على خلق ظروف مواتية للموافقة على المبادئ الأساسية.
وفي 5 يوليو/تموز 2015 أعلنت أذربيجان تمكن قواتها العسكرية من إسقاط طائرتين بدون طيار تابعتين للجيش الأرميني، قالت إنها اكتشفتهما لدى قيامهما بجولات استطلاع فوق المواقع الأذرية بمنطقة "ترتر" على خط الجبهة بين البلدين.
وتكثفت الاشتباكات في الأشهر التالية لذلك إلى درجة دفعت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا -التي تضم البلدين وترعى محادثات السلام بينهما بواسطة "مجموعة منسك"- إلى التحذير من "أن الوضع القائم لم يعد محتملا".
وأدى تطور الأحداث إلى أن استخدمت أذربيجان في ديسمبر/كانون الأول 2015 -للمرة الأولى منذ عشرين عاما- دبابات ضد مواقع الانفصاليين في ناغورنو كرباخ.
وفي 2 أبريل/نيسان 2016 تبادل الجانبان اتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار على خط التماس، مما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا وهدد باشتعال الحرب بينهما، لكن وزارة الدفاع الأذرية أعلنت لاحقا وقف إطلاق النار من جانب واحد، مهددة بالرد في حال تعرضِ قواتها للهجوم مجددا.
الاقتصاد
يعمل سكان إقليم ناغورنو كرباخ بصورة رئيسية في الزراعة، مستفيدين من تعدد الأنهار فيه ومياه الأمطار التي تهطل صيفا في الري وتوليد الطاقة الكهربائية. كما يمارس بعضهم أنشطة اقتصادية من قبيل التنمية الحيوانية والصناعات الخفيفة.
وتتلقى السلطات الانفصالية التي تدير الإقليم مساعدات من أرمينيا والجاليات الأرمينية في بلاد المهجر. وجعلت الولايات المتحدة الأميركية -بتأثير من اللوبي الأرميني فيها- أرمينيا ثاني أكبر دولة مستفيدة من معوناتها التي تقدمها إلى بعض دول العالم، ولا يتقدم عليها في ذلك سوى إسرائيل.
وتسعى هذه السلطات لجذب استثمارات خارجية لتنمية قطاعات متعددة، مثل البناء ومناجم الذهب والنحاس والاتصالات والبنوك والفندقة، والصناعات الزراعية مثل تصنيع النبيذ. وتأتي هذه الاستثمارات غالبا من روسيا وأميركا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا وأستراليا.
المعالم
من أهم معالم إقليم ناغورنو كرباخ مدينة "شوشا" التي يسميها الأرمن "شوشي" وتُعد مكانا مقدسا لديهم، مما يجعل تحديد وضعها النهائي هو العنصر الحاسم في التسوية.
تبعد شوشا عن عاصمة الإقليم إستبانا كيرت 13 كيلومترا، وتقع على ارتفاع 2500 متر فوق سطح البحر. وهي موطن الشعراء والكتاب والأدباء الأذريين، وكانت الغالبية الساحقة من سكانها قبل الحرب منهم قبل أن يحتلها الأرمن بمساهمة جنرال روسي شارك في الحرب السوفياتية الأفغانية
(1980-1989).
وشهدت المدينة خلال الحرب (1991-1994) معارك شرسة بين الطرفين انتصر فيها الأرمن فبسطوا سيطرتهم عليها بالكامل. وبينما لحق دمار شامل مساجد المدينة باستثناء واحد أبقاه الأرمن معافى دليلا على "احترامهم لدور العبادة"، أُعيدت الحياة إلى الكنائس التي كانت مغلقة في الزمن الشيوعي.
ومن معالم الإقليم كذلك قرية "فانك" الواقعة شمال غرب عاصمته، وتقع بالقرب منها أشهر وأهم الكنائس لدى الأرمن في كل أنحاء العالم.
ويقول الأرمن إن العمل في بنائها بدأ عام 1210م وأُكمل البناء عام 1240م، وإنها عُمدت بوجود 750 مؤمنا، وتوجد تحت مذبحها جمجمة رجل الدين "أوهانيس" مع ذخائر للعديد من رجال الكنيسة، ويعتقد الأرمن أن هؤلاء لم يقوموا بحماية هذه الكنيسة فقط بل إقليم ناغورنو كرباخ برمته.