الحرب الباردة.. صراع ساخن قسّم العالم لقطبين

الموسوعة - Sandal (ss-4) missiles at a 1961 may day parade in red square, moscow, ussr, the ss-4 is a single-stage, liquid-fuel irbm with a choice of nuclear or conventional warheads and a range of 1,100 miles, first seen in 1961. (Photo by: Sovfoto/UIG via Getty Images)
استعراض عسكري سوفياتي في "الميدان الأحمر" بموسكو عام 1961 في ذروة الحرب الباردة (غيتي إيميجز)

الحرب الباردة مواجهة سياسية وإيديولوجية وأحيانا عسكرية بشكل غير مباشر، دارت أحداثها خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وكان من مظاهرها انقسام العالم إلى معسكرين: شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي وليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة.

السياق التاريخي
تحالفت الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا– مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية بدافع الخوف من العدو النازي المشترك. وكان جليا أن التناقض الإيديولوجي وصراع المصالح المحتدم لن يتأخر في الإفصاح عن نفسه إذا ما وضعت الحرب أوزارها.

كشفَ مؤتمر يالطا (فبراير/شباط 1945) حالة عدم الثقة السائدة بين الحلفاء الغربيين والسوفيات، رغم قبول بريطانيا والولايات المتحدة للمكاسب الترابية للاتحاد السوفياتي التي كانت مناقضة لما اتفق عليه الحلفاء خلال الحرب.

وكانت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية متوجسة من توثب الاتحاد السوفياتي إلى ضم بلدان من أوروبا الشرقية أو جعلها تحت وصايته، وتأكدت هذه المخاوف بانعقاد مؤتمر بوتسدام (يوليو/تموز-أغسطس/آب 1945) ورفض الرئيس السوفياتي جوزيف ستالين تنظيم انتخابات ديمقراطية في بولندا، مما أجج خلافا محتدما بين الطرفين بلغ مداه بعد ذلك بعامين.

كانت أطماع الاتحاد السوفياتي في الهيمنة على أوروبا الشرقية سببا في تصريح الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1947 بنيته التصدي للتمدد السوفياتي فأعلن مواجهته بإستراتيجية "الاحتواء"، وقوامها محاصرة تمدد الشيوعية بمجموعة من الوسائل من بينها اقتراح دعم اقتصادي لبلدان أوروبا التي تريد البقاء حرة خارج المظلة السوفياتية.

وهكذا أطلقت واشنطن "مشروع مارشال" الشهير الذي يتلخص في دعم أوروبا اقتصاديا لإعادة بناء بلدانها التي دمرتها الحرب، وقطع الطريق على الهيمنة السوفيتية المتدثرة بلبوس مساعدة أوروبا المنكوبة.

رد ستالين على الخطوة الأميركية بتعزيز سيطرته على البلدان الاشتراكية (كانت حينها تُدعى الديمقراطيات الشعبية) بإقامته عام 1947 منظمة "مكتب الإعلام الشيوعي" (كومنفورم- Cominform)، وهي منتدى للأحزاب الشيوعية في البلدان الأوروبية ضم أغلب التشكيلات الشيوعية في أوروبا الشرقية، وشارك فيه من البلدان الغربية الحزبان الشيوعيان الفرنسي والإيطالي فكان لهما حضور شعبي كبير في بلديهما.

سعت موسكو من خلال هذا المنتدى إلى تأطير وتوجيه التطور الإيديولوجي والسياسي للبلدان والأحزاب الأعضاء فيه. وهكذا وُلدت الإستراتيجية السوفياتية المضادة معتبرة أن العالم انقسم إلى معسكرين: أحدهما "ديمقراطي" مناوئ للإمبريالية يقوده الاتحاد السوفياتي، والآخر "إمبريالي غير ديمقراطي" تقوده الولايات المتحدة.

انقسام وتعايش
هكذا إذن وجدت أوروبا نفسها منقسمة بين المعسكرين الكبيرين ضمن صراع كوني عرف سياسيا وإعلاميا بـ"الحرب الباردة"، لاسيما بعد انقلاب الشيوعيين في تشيكوسلوفاكيا (1948) وتصفيتهم لخصومهم السياسيين وتمكين السوفيات من البلاد.

أنذر انقلاب براغ بأن الخطوة القادمة قد تكون ألمانيا فبادرت الدول الغربية إلى الرد بإعلان ألمانيا معقلا لمحاربة الشيوعية، وقررت البلدان الغربية الثلاثة الأساسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) توحيد مناطق نفوذها في ألمانيا وصكت عملة خاصة بالشطر الغربي منها.

لم يتأخر رد ستالين فأعلن غلق كافة الطرق البرية والسككية المؤدية إلى برلين لدفع الغربيين إلى ترك مناطق نفوذهم في المدينة، فما كان من الولايات المتحدة إلا أن ردت بإقامة جسرٍ جوي لإمداد المدينة، وهددت باستخدام القوة إذا اعترض السوفيات حركة النقل الجوي في الممرات المتفق عليها أصلا.

تراجع ستالين مخافة مواجهة عسكرية مع القوة النووية الوحيدة في العالم يومها وفك الحصار، وانتهت أزمة برلين بتقسيم ألمانيا إلى دولتين.

شهدت علاقات المعسكريْن العالمييْن تحولا هاما إثر وفاة الزعيم السوفياتي ستالين في 1953، فقد نهج خلفه نيكيتا خروتشوف سياسة أكثر تصالحا ووجد الغربيون ضالتهم فيه، لاسيما أنه في تلك المرحلة شهد الغرب تصاعدا في الأصوات المناوئة للهيمنة الأميركية، عبّر عنها موقف الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول الذي انتقد بشدة -منذ عودته إلى السلطة في 1958- ما سماها "الوصاية الأميركية"، ثم انتهى به الأمر إلى سحب فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 1966.

أما داخل المعسكر الشرقي، فقد بدأت الصين الشعبية تنافس الاتحاد السوفياتي إلى حد بلغ معه العداء القطيعة التامة بينهما عام 1960.

ورغم ذلك، ظل المعسكران في عداء وتنافس اقترب أحيانا من "حافة الهاوية"، وعبَر عنه اصطفافهما في مناطق الصراع المسلح عبر العالم (حرب الكوريتين، حركات التمرد في أميركا اللاتينية، حرب الكونغو وناميبيا، الصراع العربي الإسرائيلي… إلخ)، بيد أنَّ الأزمة الكوبية في عام 1962 كانت المواجهة الأهم وكادت تُلقي بالعالم في أتون حرب نووية مدمرة.

هيمن التعايش السلمي بين المعسكرين الكبيرين على مسرح العلاقات الدولية بدءا من مطلع عقد السبعينيات وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي كليا عام 1991، ثم دخل العالم مرحلة جديدة هي عصر الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة.

المصدر : الجزيرة

إعلان