رمضان قديروف.. جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين

Russian President Vladimir Putin (L) speaks with the Head of the Chechen Republic Ramzan Kadyrov (R) during a working meeting in the Kremlin in Moscow, Russia, 04 December 2014. At least 19 people were killed when Islamist militants clashed with security forces in a gunbattle in Chechnya on 04 December, government officials said. The gunmen opened fire at a checkpoint overnight to Thursday in the regional capital Grozny before holing up in a nearby office building and in a school, Russia's Anti-Terrorist Committee said. The agency, which coordinates operations against terrorists, said that 10 officers had been killed and 28 injured during the operation.

"رمضان قديروف" رئيس جمهورية الشيشان؛ انخرط وهو شاب مع والده في النضال العسكري الذي خاضه الشيشانيون للاستقلال عن روسيا، ثم تصالحا مع موسكو التي مكنت والده من حكم البلاد حتى اغتيل عام 2004، فسلمته هو السلطة خلفا له، ووطد الأمن فيها لصالح موسكو التي يوصف بأنه رجلها القوي. اتهِم بالفساد والاستبداد وتدبير عمليات اغتيال لمعارضين روس وشيشانيين.

المولد والنشأة
وُلد رمضان أحمد حجي قديروف يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1976 في مدينة تسنتوروي شمال شرقي الشيشان أيام الاتحاد السوفياتي، لعائلة من عشيرة "قديروف" ذات مكانة دينية وسياسية بارزة في بلادها؛ فوالده أحمد قديروف كان مفتي الشيشان وقائدا عسكريا كبيرا في النضال لأجل استقلالها عن روسيا 1994-1996 قبل تصالحه مع موسكو.

التجربة السياسية
خاض قديروف حرب الشيشان إلى جانب والده الذي كان قائدا عسكريا كبيرا في جيش المطالبين بالاستقلال عن روسيا، وإثر صلح والده مع موسكو منحته رئاسة البلاد عام 2003، فتولى قديروف الابن إدارة جهاز الأمن الخاص بحماية والده حتى تم اغتياله يوم 9 مايو/أيار 2004 بانفجار كبير استهدفه وتابعه الآلاف على شاشات التلفزيون.

قام بوتين -الذي نسب عملية الاغتيال إلى "الانفصاليين الإرهابيين"، واعتبرها إهانة شخصية له لكون خطته لإخضاع الشيشان كانت تعتمد على قديروف الأب- بتعيين قديروف الابن في منصب النائب الأول للقائم بأعمال الرئيس الشيشاني، ثم عينه في 1 مارس/آذار 2006 رئيسا للحكومة الشيشانية.

إعلان

وفي 28 أبريل/نيسان 2006 خاضت قوات الأمن الموالية له معركة بالبنادق مع الحراس الشخصيين للرئيس الشيشاني الموالي أيضا لروسيا علي ألخانوف داخل مقر الرئاسة، بسبب استياء قديروف -الذي أصبح منذ اغتيال والده الحاكم الفعلي للبلاد- من عدم دعوته إلى اجتماع عقده الرئيس مع أحد المسؤولين الروس.

وفي 15 فبراير/شباط 2007 أقال بوتين ألخانوف من رئاسة الجمهورية وعين بدلا منه قديروف "رئيسا مؤقتا"، ثم اقترحه "رئيسا للجمهورية" يوم 1 مارس/آذار الموالي قائلا إنه "أنجز الكثير في إعادة إعمار الشيشان خلال السنوات الماضية"، وذلك بعد أن تجاوز عمره بأشهر الـ30 سنة التي حددها القانون الشيشاني لمن يتولى منصب الرئاسة.

وفي اليوم التالي وافق البرلمان الشيشاني -خلال جلسة استثنائية- بالأغلبية الساحقة على تعيين قديروف رئيسا، فصرح هو قائلا: "سأقسم على القرآن الكريم أمام شعبي على احترام الدستور والقرآن، وعلى أن أكون مخلصا للشعبين الروسي والشيشاني".

وفي 5 أبريل/نيسان 2007، أقسم قديروف باللغة الروسية على الدستور الشيشاني قائلا: "أقسم في إطار صلاحياتي كرئيس للشيشان على أن أحترم وأفرض احترام الحقوق وحرية الإنسان والمواطن، وأن أدافع عن حق شعب الشيشان المتعدد الأعراق، وأن أخدم بإخلاص الشعب وأحترم الدستور وأدافع عنه".

وفي أواخر عام 2010؛ تحدثت وثائق ويكيليكس الأميركية المسربة عن جوانب من شخصية وسلوك قديروف، حيث جاء في برقيتين دبلوماسيتين أرسلهما سفير الولايات المتحدة الأميركية بموسكو نيكولاس بيرنز يوميْ 30 مايو/أيار و31 أغسطس/آب 2006؛ أنه كان أمير حرب بسيطا في حرب الشيشان ثم ورث السلطة عن والده بصفقة مع فلاديمير بوتين اختزِلت بعبارة "الشيشنة".

وقال السفير إن "الشيشنة" تعني تحويل الحرب في الشيشان من قتال شيشاني روسي إلى حرب داخلية شيشانية، عبر تسليم حكم الشيشان إلى مسلحين شيشانيين مقابل الاستفادة من ولائهم وقدراتهم، وبشرط بقاء هذه الجمهورية في إطار الفدرالية الروسية.

إعلان

وأضاف أن التوافق على هذه السياسة تم بشكل شخصي بين بوتين وقديروف الأب الذي لقبه بـ"مفتي المتمردين الشيشانيين"، لكن تطبيقها كان يستند إلى انقسام داخلي بين "المتمردين" يعود إلى حرب الشيشان الأولى التي اندلعت أواخر عام 1994، اتخذ شكل خلاف ديني كان يموه صراعا بين "المتمردين" على السلطة بين جناح قديروف وجناح شامل باساييف (قتل في يوليو/تموز 2006).

وحين اغتيل والده عام 2004 بتدبير من الجيش الروسي في موسكو لمعارضته سيطرة الروس على نفط الشيشان (بحسب إحدى وثائق السفارة الأميركية بموسكو)؛ تولى قديروف الابن السلطة خلفا له باعتباره -طبقا لوصف السفير الأميركي- "أمير حرب نقيا وبسيطا".

وتقول إحدى برقيات السفارة الأميركية إن قديروف الابن "لا يتمتع بالهيبة الدينية أو الشخصية التي كانت لأبيه"؛ لكنه كان محظوظا لأن والده ترك له قوة عسكرية كافية مكونة من مقاتليه السابقين ساعدته في إحكام سيطرته على السلطة.

ويرى مراقبون أن شعور قديروف بالحاجة إلى الجاذبية الدينية والأيديولوجية -التي كان يتصف بها والده- دفعته إلى إطلاق حملة للترويج "للقيم الإسلامية"، ودعم الحفاظ على التقاليد في بلاده ذات الأغلبية المسلمة.

ومن ذلك إلزام المسلمات العاملات في المكاتب الحكومية بارتداء الحجاب وملابس محتشمة طويلة، وحظره تعاطي الخمور، وتوجيهه رسائل في المناسبات الدينية بصيغة "نداء إلى المسلمين"، والتوجه لإقامة مراكز وهيئات تعزز البعد الديني في نمط حكمه، كافتتاحه في العاصمة غروزني عام 2008 ما قيل إنه أكبر مسجد في أوروبا، وأطلق عليه اسم والده الراحل.

ومنه أيضا اتخاذه مواقف ووضعيات ذات صبغة دينية مثل إطلاقه اللحية وحمله السبحة، وإعلانه مرات -بمناسبة ذكرى المولد النبوي- منح جوائز نقدية لكل من وُلد لها ذكر وسمته "محمدا"، وسماحه عام 2010 بالتقاط ونشر صور له وهو خارج من جوف الكعبة المشرفة يحمل مكنسة نظافة.

إعلان

ورغم الطابع الديني الذي يظهر به قديروف أحيانا كثيرة؛ فإنه طالما اتهِم بالفساد المالي وتبذير الأموال التي يحصل عليها من موسكو، بينما يعتبرها هو "مدفوعات للحفاظ على الوضع" عبر إنفاقها على باقي أمراء الحرب القادرين على الاحتفاظ بالأمن في الشيشان، و"الوفاء" بالتزاماته المتعلقة بالتوازنات القبلية والعرقية في المنطقة، كما يُشتبه في علاقاته بشركات النفط في الشيشان وداغستان وروسيا.

ووجهت إليه جماعات معنية بحقوق الإنسان أصابع الاتهام بالتورط في عمليات اختطاف وتعذيب واغتصاب واغتيال بحق معارضين له ولموسكو من الشيشانيين والروس؛ وبإشاعة أجواء غير مسبوقة من الخوف والرعب في بلده، مستخدما قواته العسكرية التي يبلغ قوامها أكثر من عشرة آلاف جندي والمسلحة تسليحا جيدا.

ومن ذلك مقتل الصحفية الروسية أنا بوليتوفيكايا في موسكو خلال أكتوبر/تشرين الأول 2006 وكانت معروفة بانتقاداتها للسياسات الروسية في الشيشان، واغتيال خصمه البارز سليم يامادييف داخل منزله في دبي بدولة الإمارات يوم 28 مارس/آذار 2008، وتصفية غريمه عمر إسريلوف بفيينا في يناير/كانون الثاني 2009، واغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف وسط موسكو أواخر فبراير/شباط 2015.

وفي 2007 قالت "المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة" إن قديروف -الذي أسعد موسكو بتهدئة الأوضاع في الشيشان المضطربة- أنشأ سجونا غير شرعية يضع فيها كل الذين حامت حولهم شبهة تأييد استقلال الجمهورية الشيشانية، فيتعرضون فيها "لتعذيب مروع لانتزاع اعترافات منهم بارتكاب جرائم لا صلة لهم بها". وطالبت بتقديمه إلى المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي.

وفي 3 أبريل/نيسان 2009 قال قديروف إن الشيشان لا تحتاج الاستقلال عن روسيا لأنها لا تستطيع تدبير شؤونها بمفردها، وإنها مدينة كثيرا لبوتين الذي "لولاه لما وجدت الشيشان"، بل قال إنه شخصيا "مدين لهذا الرجل بحياته"، وصرح مرات بأنه "مجرد جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين".

إعلان

وكان لقديروف -الذي أعلِنت نجاته مرات من محاولات اغتيال- دور مركزي في دعم بوتين خلال أحداث وقعت خارج الشيشان، مثل قتال قواته إلى جانب موسكو خلال حربها مع جورجيا 2008، واتهام الحكومة الأوكرانية له عام 2014 بإرسال قوات للقتال مع الانفصاليين في شرقي البلاد.

وفي 8 فبراير/شباط 2016 قال تلفزيون "روسيا 24" الحكومي إن قوات شيشانية موجودة في مناطق بسوريا تخضع لتنظيم الدولة الإسلامية، وهي تقوم بجمع معلومات تساعد الطائرات الروسية على تحديد أهدافها في تلك المناطق، وتوثق نتائج تلك الضربات. ونقلت عن قديروف قوله إنه أرسل أفضل المقاتلين لديه إلى سوريا، وإن شبكة تجسس شيشانية أقيمت في مناطق سيطرة تنظيم الدولة.

وفي أواخر أغسطس/آب 2016 نظم قديروف -بدعم من الكرملين- "مؤتمرا إسلاميا" لتحديد المفهوم الصحيح لـ"أهل السنة"، وقال البيان الختامي للمؤتمر "إن أهل السنة والجماعة هم أتباع الفرق التالية: المحدثين والصوفية والأشاعرة والماتريدية"، وأما "السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين فهي فرق طائفية دخيلة على السنة، وغير مرغوب بها في روسيا". وهو ما أثار انتقادات عديدة في العالم الإسلامي.

الجوائز والأوسمة
في 31 ديسمبر/كانون الأول 2004، حصل قديروف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وسام "بطل روسيا الاتحادية" الذي يعتبر أرفع وسام عسكري روسي، وذلك تقديرا لجهوده في مكافحة "الإرهاب" ولدوره في "استقرار" الأوضاع بالشيشان.

المصدر : رويترز

إعلان