فريد المذهان "القيصر" الذي فضح نظام الأسد

فريد المذهان عسكري سوري سابق لُقّب بـ"القيصر"، انشق عن نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات ارتكاب النظام السوري فظاعات.
المولد والنشأة
فريد ندى المذهان ينتمي لعائلة من مدينة درعا جنوبي سوريا. بعد انشقاقه عن نظام الأسد غادر البلاد متوجها إلى الأردن، ومنها إلى قطر حيث عمل على إعداد ملفاته القانونية لمحاسبة النظام السوري بالتعاون مع أحد مكاتب المحاماة، ثم استقر لاحقا في فرنسا.
أما عن خروجه من سوريا، فتشير التقارير إلى أنه قرر مغادرة البلاد خشيةً على حياته وحياة أسرته، خاصة بعد أن أرسل آلاف الصور إلى أحد الحقوقيين خارج سوريا. وبمساعدة المعارضة السورية تمكن من مغادرة البلاد رفقة عائلته.
التجربة العسكرية
كان "قيصر" مجندا في الجيش السوري التابع لنظام الأسد، برتبة مساعد أول ورئيس قسم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية بدمشق، كانت مهامه في البداية تقتصر على توثيق الجرائم المدنية عبر التصوير، إلا أن اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 غيّر طبيعة عمله، إذ كُلّف بتصوير جثث المدنيين الذين قتلوا تحت التعذيب أو أُعدموا على يد قوات النظام.
وأثناء تلك الفترة، نفّذ النظام عمليات قتل وتهجير بحق المدنيين السوريين، وقصف مدنا وقرى بالصواريخ والمدفعية الثقيلة، مما خّلف آلاف الضحايا من القتلى والجرحى وأجبر الملايين على النزوح واللجوء.
أوضح "قيصر" أن أوامر التصوير والتوثيق كانت تصدر من أعلى هرم السلطة، بهدف التأكد من تنفيذ عمليات القتل. وأشار إلى أن قادة الأجهزة الأمنية كانوا يثبتون ولاءهم المطلق للأسد عبر صور جثث ضحايا الاعتقال.
كانت أولى مهامه بعد اندلاع الثورة هي تصوير جثث معتقلين من درعا، ممن شاركوا في مظاهرات مارس/آذار 2011، داخل مشرحة مستشفى تشرين العسكري.
في البداية، تراوح عدد الجثث التي كان يوثقها يوميا بين 10 و15، لكن هذا العدد ارتفع لاحقا ووصل إلى 50 جثة يوميا، مع تسجيل سبب الوفاة رسميا على أنه "توقف القلب والتنفس".
تم تجميع وتصوير الجثث داخل مشرحة مستشفيي تشرين العسكري وحرستا، لكن مع تزايد أعداد القتلى، تحوّل مرآب السيارات في مستشفى المزة العسكري إلى ساحة مؤقتة لتجميع الجثث قبل تصويرها.
ووفقا لشهادات "قيصر"، أظهرت الجثث آثار تعذيب وحشي، شمل الصعق بالكهرباء والضرب المبرح وتكسير العظام إضافة إلى انتشار الأمراض منها الجرب والغرغرينا، وعلامات الخنق. كما وثّق وجود أطفال بين الضحايا تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما، إلى جانب مسنّين تجاوز عمر بعضهم 70 عاما.
أفاد "قيصر" بأن الجثث كانت تُنقل إلى مقابر جماعية لدفنها، فيما انتشرت شائعات غير مؤكدة حول حرق أعداد كبيرة منها في أفران خاصة. وأوضح أن كل جثة كانت تحمل رقمين: الأول يشير إلى الفرع الأمني الذي اعتقل الضحية، بينما يُضاف الرقم الثاني داخل المستشفى العسكري، بغرض التمويه على العائلات التي قد تعتقد أن الوفاة حدثت هناك.
تسريب الصور
منذ اندلاع الثورة السورية، كان "قيصر" عازما على الانشقاق عن جيش النظام، لكنه فضّل تأجيل ذلك بهدف جمع أكبر قدر ممكن من الصور والأدلة.
كشف "قيصر" عن آلية تسريبه للصور، موضحا أنه كان يمتلك هويتين: إحداهما عسكرية والأخرى مدنية مزورة، مما سمح له بالتنقل بين مقر عمله في دمشق ومكان إقامته في مدينة التل. وأثناء تنقلاته، كان يواجه عمليات تفتيش من قوات النظام وفصائل الجيش السوري الحر على حد سواء.
ولتفادي اكتشافه كان يخبئ وسائط نقل الصور داخل ملابسه، أو في ربطة الخبز التي يحملها، خوفا من التفتيش على الحواجز الأمنية، استمرت عملية التهريب بشكل شبه يومي قرابة 3 سنوات.
فيما بعد، نجح "قيصر" في تسريب آلاف الصور التي توثق جثث ضحايا التعذيب في الأفرع الأمنية التابعة للنظام، كاشفا حجم الانتهاكات داخل السجون، وتسليط الضوء على واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
وبلغ إجمالي الصور المهربة نحو 55 ألف صورة، بمعدل 4 صور لكل جثة.
قانون قيصر
في وقت لاحق، عُرضت صور "القيصر" على لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، وتم التحقق من مصداقيتها من قِبل فريق تحقيق دولي مختص بجرائم الحرب في سوريا.
ووجه "القيصر" خطابه إلى الكونغرس قائلا "جئت لأطلب منكم وقف القتل في سوريا"، مضيفا أن "المجازر تُرتكب، والبلاد تُدمَّر بلا رحمة… هناك آلاف الضحايا الذين لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات، لكنهم قُتلوا في سجون الأسد… السوريون يناشدونكم التدخل، كما فعلتم سابقا في يوغوسلافيا".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، صادق مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة على مشروعي قانونين؛ أحدهما يفرض إجراءات صارمة على داعمي النظام السوري، بينما يمدد الآخر العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود. وبعد موافقة الكونغرس، وقع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مشروع القانون رسميا.
واتهم نواب الكونغرس النظام السوري بارتكاب جرائم حرب، في ظل تزايد أعداد الضحايا نتيجة النزاع المستمر. ووفقا لمشروع القانون، فإن الحرب التي اندلعت في 2011 أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين.
ويهدف هذا التشريع، المعروف باسم "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، إلى وقف المجازر التي يتعرض لها الشعب السوري.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر الكونغرس الأميركي بمجلسيه هذا القانون، الذي يفرض عقوبات اقتصادية مشددة على النظام السوري وحلفائه، مستهدفا مصادر تمويل الأسد لإجباره على العودة إلى طاولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، بهدف إنهاء الحرب في سوريا.