عاشوراء.. من الاحتفاء بنجاة موسى إلى إحياء ذكرى استشهاد الحسين
عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وهو يوم معظم منذ الجاهلية، يصومه المسلمون، وهو عند الشيعة يوم ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي حفيد رسول الله، ويحيون عاشوراء بمراسم خاصة بهم.
يوم عاشوراء
هو اليوم العاشر من شهر محرم الهجري، وصيغة لفظه "عاشوراء" على وزن "فاعولاء"، وهي صيغة مبالغة تدل على التعظيم.
سبب صيام عاشوراء
يعود سبب صيام عاشوراء إلى أنه اليوم الذي نجى الله فيه النبي موسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين وأغرق فرعون وجنوده في اليم.
فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة المنورة مهاجرا وجد يهودها يصومون عاشوراء، فقال "ما هذا؟ قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى، قال: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" (رواه الإمام البخاري).
وفي رواية للبخاري أيضا أن يوم عاشوراء "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليّهم وشارتهم"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه "فصوموه أنتم"، وغرض النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك مخالفة اليهود بصيام اليوم الذي يفطرون فيه، لأن يوم العيد لا يصام فيه.
تعظيم عاشوراء في الجاهلية
عظمت قريش يوم عاشوراء في الجاهلية وصامته، وصامه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية، وكان عاشوراء هو اليوم الذي تكسو فيه قريش الكعبة، وتصومه لتمام التعظيم.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهليّة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصومه قبل البعثة، فلما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وأحمد).
وقال ابن القيم "لا ريب أن قريشا كانت تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة فيه، وصومه من تمام تعظيمه".
فضل عاشوراء
من الأحاديث الواردة في فضل صيام يوم عاشوراء قوله صلى الله عليه وسلم "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (رواه الإمام مسلم). أي أن صيامه يكفر ذنوب السنة التي سبقته.
وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصد صوم يوم عاشوراء ويتحراه فلا يتركه، فقد قال "ما رأيت النبي -صلّى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان" رواه البخاري.
صيام يوم مع عاشوراء
كما يستحب أن يصام مع عاشوراء اليوم الذي قبله مخالفة لصيام اليهود، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العاشر ونوى صيام التاسع بقوله في الحديث الذي رواه مسلم "فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التاسع"، فلم يأت العام المقبل حتى تــوفي صلى اللّه عليه وسلم.
واستحب العلماء صيام يوم 11 محرم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكره في قوله "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوما أو بعده يوما"، وقد اختلف العلماء في صحة الحديث، فحسنه الشيخ أحمد شاكر، وضعفه المسند.
ورأى بعض العلماء أن صيام اليوم الذي يلي عاشوراء هو للاحتياط مخافة أن يخطئ الناس في رؤية هلال محرم.
عاشوراء عند الشيعة
يحيي الشيعة في عاشوراء ذكرى "موقعة كربلاء" التي قـتل فيها الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي -صلى الله عليه وسلم- و72 من أهل بيته وأصحابه، في معركة الطف سنة 61 هجرية (680 ميلادي) مع جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.
مراسم خاصة
يتجمع آلاف الشيعة عند المراقد والأضرحة التي ينسبونها إلى آل البيت، وتخرج حشود كبيرة في مراسم عزاء ضخمة بذكرى عاشوراء، ويتوجه كثير منهم إلى كربلاء سيرا على الأقدام لا سيما من يسكن العراق.
ويشكل المشاركون سلاسل بشرية ضمن مواكب تعزية تـرفع فيها شعارات وأعلام من وحي المناسبة.
ويرتدي المشاركون في إحياء هذه الذكرى -التي تستمر مراسمها من ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل- الأكفان ويضربون بأيديهم على صدورهم ووجوههم، كما يستخدم بعضهم الآلات الحادة والسلاسل لإيذاء أنفسهم تعبيرا عن ندمهم لعدم نصرتهم الحسين، وفق معتقداتهم.
وتردد في هذا اليوم ما يسمى "القرايات" وهي جلسات عزاء تقام للرجال في المساجد والقاعات ومثلها للنساء في البيوت. ويدير "قرايات" الرجال راوٍ، و"قرايات" النساء راوية يطلق عليها "الملاية"، ويحكيان لمستمعيهما قصة استشهاد الحسين وأهل بيته وأنصاره على شكل تراتيل حزينة.
وتختتم جلسات العزاء في عاشوراء باللطم بقوة على الوجوه والصدور وسط الأسى والحزن وتعالي أصوات النحيب. وتلقى خلال الاحتفالات المراثي والقصائد التي تذكر مناقب أهل البيت وتدعو إلى "الندم على ترك نصرة الحسين".
كما يحرص آخرون على إحياء المناسبة بإقامة مجالس العزاء، وتنظيم عرض تمثيلي تاريخي لواقعة المعركة في الساحات العامة بحضور آلاف المتفرجين، وهو ما يعرف عندهم بـ"التشابيه".
ويستعين الممثلون في "التشابيه" بالخيول وبألبسة تاريخية ملونة تميز المعسكرين العلوي والأموي يتبرع بها أثرياء يتعهدون سنويا بإحياء الذكرى على مساحات واسعة من الأرض، حيث يتجمع الآلاف من الناس وسط مكبرات صوت تعرفهم بسير المعركة وأسماء المتبارزين وتاريخ كل منهم.
وفي عاشوراء يمتنع الرجال عن الحلاقة، ويتجنب الشيعة طبخ الطعام في المنازل، وتلجأ النساء إلى رمي قدور الطبخ في المنازل على الأرض بصورة مقلوبة دلالة على الحزن والحداد.
بينما يعد طباخون متخصصون مآدب طعام كبرى توزع مجانا على المنازل والزوار في الشوارع بجميع أحياء المدن والقرى.
وتبدأ مواكب العزاء في الخروج منذ يوم السابع من شهر محرم، ويخصص اليوم السابع للإمام العباس، والثامن للإمام القاسم، والتاسع لـ"عبد الله الطفل" ويقصد به مقتل عبد الله بن الحسين بن علي. وتبلغ الاحتفالات ذروتها في اليوم العاشر المعروف محليا بـ"الطبـق".
ودرج الشيعة في إيران على نشر رسومات ولوحات في مجالس العزاء الخاصة بعاشوراء، يقولون إنها تمثل آل البيت وخاصة الإمامين الإمام الحسين وأبا الفضل العباس رضي الله عنهما، وتسمى هذه الرسومات "شمايل نقاري"، وتعود بداية استخدامها إلى عهد الدولة الصفوية.
وفي عام 2008 منع "مجلس إدارة الشؤون الثقافية والمناسبات المذهبية" -وهو إحدى المؤسسات المهمة في نظام الثورة الإيرانية– رفع تصاوير آل البيت في عاشوراء، باعتبارها "انحرافات وخرافات تسيء إلى عظمة واقعة استشهاد الإمام الحسين في كربلاء، وتعطي الفرصة للأعداء للطعن في القيم الإسلامية".
كما منع المجلس أيضا مشاهد حرق الخيام ظهيرة عاشوراء، واستخدام آلات الموسيقى باستثناء الطبول والصاجات، وأعاد التأكيد على منع "التطبير" (إيذاء الأجساد).