القنبلة الهيدروجينية.. طاقة نووية تدميرية
القنبلة الهيدروجينية، هي قنبلة نووية حرارية تعتمد تقنية الاندماج بين عناصر الهيدروجين (الديوتيريوم والتريتيوم) من خلال توفير طاقة حرارية هائلة عبر قنبلة نووية انشطارية، وتعادل قوة انفجارها قوة انفجار نحو عشرين مليون طن من مادة "تي أن تي" (TNT) المتفجرة.
وتقاس قوة القنبلة الهيدروجينية بالميغا طن، علما بأن قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي بلغت ما بين 13 و18 كيلو طن فقط، غير أن الانفجار قتل بشكل مباشر وغير مباشر مئات الآلاف.
ويصل الإشعاع الناتج عن انفجارها إلى مساحة قطرها مئتا كيلومتر، وقوتها التدميرية تتراوح بين 10 آلاف و50 ألف قنبلة ذرية.
تقنية القنبلة
تولّد القنبلة الهيدروجينية باندماج عناصرها طاقة انفجارية أقوى من تقنية الانشطار النووي، تنتجها مواد اليورانيوم والبلوتونيوم.
فالقنبلة الهيدروجينية تستخدم تقنية اندماج نظائر عناصر كيميائية لعنصر الهيدروجين، وبخاصة ذرات الديوتيريوم والتريتيوم، وخلال الاندماج تتوحد الذرات وتنشئ ذرة هيليوم مع نيوترون إضافي تولد طاقة هائلة، لا تنفك تقوى كلما ازدادت عمليات الانصهار بين الذرات.
ولكي يتم إحداث عمليات الانصهار بين الذرات، يتطلب الأمر طاقة حرارية هائلة وضغطا كبيرا جدا، وهو ما يتم توفيره من خلال قنبلة نووية انشطارية، حيث تضمن بعد انشطارها الحرارة المطلوبة التي تعمل على إطلاق مسار صنع القنبلة الهيدروجينية.
هذه التقنية موجودة في الشمس التي تضم كميات هائلة من الهيدروجين وتوفر درجات حرارة عالية (تتحدث التقديرات عن 15 مليون درجة مئوية)، وفيها تتحد أربعة بروتونات وينتج الهليوم.
والطاقة الناتجة من التقنية الاندماجية هي أكبر من طاقة تقنية الانشطار، حيث إن الكيلوغرام الواحد من اليورانيوم ينتج طاقة تعادل 22.9 مليون كيلو واط في الساعة، بينما الكيلوغرام من الديوتيريوم ينتج 177.5 مليون كيلو واط في الساعة، أي أنها أكبر بنحو ثماني مرات.
ومن أخطر المواد المشعة الناتجة عن الانفجار نظير السترنشيوم، الذي إذا وقع على الأرض يمتص من التربة بواسطة النباتات ومنها ينتقل إلى الحيوان ثم إلى الإنسان عندما يتغذى على ألبانها ولحومها، ويترسب في العظام مسببا سرطان العظام.
السياق التاريخي.. سباق الخطيئة
لا يزال الجدل دائرا بشأن من توصل لأول مرة إلى اختراع القنبلة الهيدروجينية، لكن العالم المجري الأميركي إدوارد تيلير يُعرّف نفسه بأنه أبو القنبلة الهيدروجينية، حيث عمل ما بين عامي 1943 و1946 على مشروع منهاتن، الذي أدى إلى صنع القنبلة النووية، ثم ساهم في تطوير القنبلة الهدروجينية.
ويسمى التصميم الحديث لجميع الأسلحة الحرارية النووية في الولايات باسم تصميم "تيلر-أولام" نسبة إلى صانعيه إدوارد تيلر وستانيسلو أولام، اللذين طورا النظام عام 1951.
جربت الولايات المتحدة أول تفجير حراري نووي في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1952 وحملت القنبلة اسم "مايك"، وفُجرت فوق جزيرة "إنيوتوك"، وبلغت قوة التفجير ألف ضعف القنبلة التي أسقطت على هيروشيما، حيث إن قوة التفجير محت الجزيرة نهائيا.
وُصف تفجير القنبلة التي بلغ وزنها نحو 82 طنا بأنه أقوى من وهج ألف شمس، حيث بلغ اللهب ميلين عرضا وألف قدم ارتفاعا؛ وأحرق أرض الجزيرة بأكملها، فيما أحدث الانفجار كرة نارية تعادل ربع مساحة مانهاتن.
وبعد دقيقتين فقط من الانفجار الذي عادلت قوته 10.4 مليون طن من مادة "تي أن تي"، وصلت سحابة الانفجار إلى ارتفاع 12.2 كيلومترا، وانتشرت على مدى 160 كيلومترا عبر طبقة "الستراتوسفير"، فيما صعد عمود الانفجار لنحو 40 كيلومترا فوق نقطة التفجير.
وفي 12 أغسطس/آب 1953 نجح السوفيات في تفجير قنبلتهم الهيدروجينية الأولى، من تطوير العالم السوفياتي أندريه ساخروف.
غير أن الأميركيين فجروا في الأول من مارس/آذار 1954 قنبلة جديدة أطلق عليها اسم "كاستل برافو" بقوة 15 ميغا طن، وقد تسبب خطأ في التصميم في تلويث مكان الاختبار بشكل كبير مما أثر على سكان المنطقة. وبلغ وزن "كاستل برافو" عشرة أطنان، وطولها 4.56 أمتار وعرضها 1.3 متر.
استخدم في صنع القنبلة الليثيوم مع الديتريوم في المرحلة الاندماجية على عكس القنابل التي تستخدم الديتريوم والتريتيوم.
في عام 1957 أعلنت بريطانيا أنها قامت بتفجير أول قنبلة هيدروجينية كجزء من سلسلة من التجارب النووية في المحيط الهادي.
وفي عام 1961 فجر الاتحاد السوفياتي السابق أقوى قنبلة عرفتها البشرية، عرفت باسم "القيصر"، بلغت قوتها التفجيرية نحو 58 ميغا طن. وكانت قوتها أشد من قنبلة هيروشيما بثلاثة آلاف مرة.
أسقطت القنبلة فوق أرخبيل نوفايا زيمليا في المحيط القطبي الشمالي من ارتفاع 10.5 كيلومترات من طرف قاذفة صنعت خصيصا لهذه المهمة، وهي من نوع "توبوليف تي يو 95 بي"، حيث بلغ وزن القنبلة 26.5 طنا.
وزعمت وسائل إعلام روسية وقتها أن الاهتزازات الناجمة عن القنبلة هزت الكرة الأرضية 3 مرات، وأن كرة اللهب بلغ اتساعها 4.6 كيلومترات، وأن غبار الانفجار النووي ارتفع إلى مسافة 67 كيلومترا فوق سطح الأرض.
وفي 7 أبريل/نيسان 1966 أعلنت الولايات المتحدة أنها وجدت قنبلة هيدروجينية كانت قواتها الجوية قد فقدتها في الساحل الإسباني، حيث استقرت في البحر على عمق 840 مترا، مؤكدة أنها كانت سليمة ولم تتسبب في أي تلوث نووي.
وفي 24 أغسطس/آب 1968 أُعلنت فرنسا قوة نووية خامسة، ففي ذلك اليوم فجرت باريس قنبلتها النووية الحرارية في جزيرة فانغاتوفا في المحيط الهادي، وعادلت قوتها 170 ضعفا من قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.
ويضم النادي النووي بعد الولايات المتحدة وروسيا (عام 1949 في عهد الاتحاد السوفياتي) كلا من بريطانيا والصين وفرنسا والهند (1998) وباكستان (1998) وكوريا الشمالية وإسرائيل، التي بدأت برنامجها النووي منذ 1947.
وسبّب إعلان كوريا الشمالية إجراءها في 6 يناير/كانون الثاني 2016 أول تجربة ناجحة لقنبلة هيدروجينية قلقا عالميا واسعا، حيث سارعت القوى الإقليمية والدولية لإدانة التجربة، وتداعى الجميع لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي في اليوم نفسه.
وأكدت كوريا الشمالية بعدها أنها باتت عضوا في نادي الدول المالكة للأسلحة النووية.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2017، استفاق العالم على خبر إعلان كوريا الشمالية إجراء تجربة على قنبلة هيدروجينية بنجاح، وذلك بعد أن رصدت كوريا الجنوبية والصين زلزالين عنيفين قرب موقع تجري فيه بيونغ يانغ تجارب نووية.
التجربة الجديدة "حققت نجاحا كاملا"، بحسب التلفزيون الرسمي لكوريا الشمالية، الذي قال أيضا إن الزعيم كيم جونغ أون هو الذي أمر بتجربة قنبلة هيدروجينية معدة لوضعها على صاروخ بالستي عابر للقارات، لتتوالى موجات التنديد الدولي بهذه الخطوة.
معلومات سرية
تعَد تفاصيل أسلحة الانشطار والاندماج من المعلومات شديدة السرية، وتُصنَف في الولايات المتحدة الأميركية على أنها "بيانات محظورة"، وحاولت فرض رقابة على المعلومات المتعلقة بالأسلحة في وسائل الإعلام؛ ونجحت بشكل محدود.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الفيزيائي "كينيث دبليو فورد" قد خالف سياسة المعلومات السرية بعدما نشر في كتابه "بناء القنبلة الهيدروجينية.. تاريخ شخصي" معلومات عنها، وتعلل أنه استخدم معلومات منشورة من قبل؛ وحاولت أميركا محو أجزاء كاملة من كتابه خشية أن تتمكن الدول الأجنبية من استخدام المعلومات المسربة.
على الرغم من أن كميات كبيرة من البيانات المُبهمَة نُشرت رسميا، وكميات أكبر سربها مصممو قنابل سابقين بشكل غير رسمي، فإن أغلب الأوصاف العامة عن تفاصيل تصميم السلاح النووي تعتمد إلى حد ما على تحليلات أو هندسة عكسية لمعلومات معروفة مسبقا، أو حتى مقارنة مع مجالات مماثلة في الفيزياء.