الشرعية الدولية
يعني مصطلح الشرعية الدولية الالتزام بمجموعة المبادئ والقوانين التي تحكم وتوجّه العلاقات الدولية من خلال هيئة الأمم المتحدة وبما تصدره هيئاتها المكلفة بحفظ السلم والأمن العالميين وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي.
والشرعية هي صفة أيَّ نظام مؤسس على مرتكزات قانونية أو أخلاقية أو قيمية ينعقد حولها إجماع مجموعةٍ معينة أو أغلب أفرادها نظرا لما يجمع بينهم من تلك الأسس وما توفره من إنصاف وعدالة في تنظيم المعاملات بينهم وحماية حدودٍ دنيا من الحقوق لكل واحدٍ منهم.
تجد الشرعية الدولية، كما هي متداولة اليوم، أساسها في الطابع التوافقي التعاقدي للقوانين الدولية والمعبر عنه في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تَعتمدها الدول وتوافق عليها وتلتزم بتطبيقها بحكم أنّ الدولة هي المخاطب الرئيسي بالقانون الدولي العام.
ولا يتردد بعض فقهاء القانون والعلوم السياسية في التساؤل عن أصل الشرعية بما في ذلك الشرعية الدولية، في ضوء تلازم القوة بالشرعية، إذ إنّ الشرعية غالبا ما تكون مسعى من الأقوى لإكساب قوته صبغة قانونية وأخلاقية. فمثلا الشرعية الدولية المنبثقة عن الحرب العالمية الثانية أوجدها انتصار تلك القوى وهيمنتها على المشهد الدولي.
لمحة تاريخية
عرف العالم حروبا كثيرة بعضها بيني، واثنتان منها ذات صبغة عالمية وقعتا في النصف الأول من القرن العشرين خلفتا آثارا مأساوية على المستوى البشري والمادي. وفي ضوء ذلك، برزت حتمية البحث عن آلية دولية لتوفير سلمٍ دائم ووضع الأدوات المناسبة لمنع تكرار مأساة الحرب الشاملة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939-1945) برز نظامٌ دولي جديد صاغته الدول المنتصرة (دول الحلفاء) منطلقة من ضرورة حفظ السلم الدولي وحتمية تدبير الخلاف بين القطبين البارزين اللذين أفرزتهما المعادلة الدولية الجديدة، وهما المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي.
وكان السباق على ريادة العالم والتنافر الأيديولوجي الصارخ بين الجانبين يُنذر بإمكانية حدوث حربٍ جديدة، وكان التقدم التكنلوجي والعلمي وآثاره التدميرية التي كشفتها الحرب يُؤكد أنَّ حربا جديدة ستكون مدمرة لا سيما مع تطور التقنية النووية ذات التدمير الشامل.
واستقر قرار القوى الكبرى على وضع ترسانة قانونية وهيكلية لحفظ السلم ترتبت عنها شرعية بحكم انتساب باقي دول العالم للأطر والاتفاقيات الناظمة لهذا الواقع الدولي الجديد الذي برزت فيه الدولة الوطنية بوصفها وحدة أساسية في النظام الدولي.
آليات التنفيذ
تعتمد الشرعية الدولية على هيئات النظام الدولي لإنفاذ مقرراتها وتجسيد مواقفها من القضايا المعروضة على المجتمع الدولي، فإطاره التنظيمي الأهم هو الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يصدر القرارات المعبرة عن موقف المجتمع الدولي، بيد أنّ حدود تدخل المجتمع الدولي بالقوة لفرض قراراته محدودة بمضامين الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يحدد ضوابط استخدام القوة المسلحة تحت غطاء الشرعية الدولية.
ولا تكون قرارات مجلس الأمن نافذة إلاّ إذا حظيت بدعم تسعة من أعضاء المجلس الخمسة عشر مع شرطٍ إضافي وهو أن لا يعترض على القرار أيّ من الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية. وهنا يبرز إشكال استمرار القوى المنتصرة في الحرب في الاستئثار برسم واقع ومستقبل المجموعة الدولية.
الشرعية والقانون الدولي
القانون الدولي هو الإطار القانوني الأهم للشرعية الدولية، وهو أساسها القانوني الذي تستمد منه الزامية خضوع المجتمع الدولي لها.
وهنا تبرز إشكالية عدم تجانس المجتمع الدولي ذي الخلفيات العرقية والثقافية والدينية المتباينة إلى حد التناقض، وبالتالي يبدو جليا الغبنُ الكبير لفئاتٍ واسعة من هذا المجتمع غُيبت عن صوغ الترسانة القانونية الدولية في مراحلها التأسيسية على الأقل، لأن غالبية دول العالم لم تكن قد ظهرت بعد، كما أنّ حظ الدول الهامشية الموجودة حينها من المشاركة كان قليلا.
وهكذا صدرت مقتضيات القانون الدولي في أغلبها عن خلفية حضارية واحدة هي الحضارة الغربية بتفرعاتها المختلفة وأغفلت الخصوصيات الأخلاقية والقيمية والدينية لبقية بلدان العالم.
وفضلا عن هذا البعد، نجد أنّ الشرعية الدولية تخدم الأجندات السياسية للقوى المهيمنة، وهو ما لا غرابة فيه إذا ما أخذنا في الحسبان أنّ هذه القوى أنشأت النظام الدولي لخدمة مصالحها وتكريس هيمنتها على العالم مع تدبير سلمي لخلافاتها وطموحاتها المتباينة.
أخفقت الشرعية الدولية في تحقيق حدودٍ دنيا من العدل في عددٍ من القضايا الدولية وربما كانت القضية الفلسطينية أحد أكثر الأمثلة نصاعة على فشل الشرعية الدولية في إنفاذ قراراتها التي ظلت إسرائيل تتعنت في تطبيقها، بل لا تُفوت فرصة في إبداء احتقارها لها مستفيدة من دعم سخي من الولايات المتحدة وقوى غربية نافذة على المستوى الدولي.
كما أنّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والقضية الجزائرية وحرب فيتنام كانت هي الأخرى تجليات مُخجلة لهذا الإخفاق الأخلاقي والقيمي الصارخ. وقبل ذلك، فإنّ ظاهرة الاستعمار واستمرارها في ظل النظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية كان موطنَ إخفاقٍ كبير هو الآخر.
وفي هذا الصدد يحسن ذكر الأزمة السورية وإخفاق المجتمع الدولي المزمن في حلها رغم استمرارها خمس سنواتٍ دامية قُتل فيها أكثر من ربع مليون شخص ضمنهم أعداد كبيرة من المدنيين، كما تشرد بسببها نحو عشرة ملايين سوري. ومعروف أنَّ روسيا هي من ظل يحول دون استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن سوريا، بل رفضت إحالة ملف سوريا على المحكمة الجنائية الدولية.