أحمد الشرع.. من جبهات القتال إلى رئاسة سوريا

Syria’s interim President Ahmed al-Sharaa promised an investigation into the killings. A fact-finding committee has interviewed more than 1,000 people but has yet to release its report. REUTERS/Khalil Ashawi
أحمد الشرع ولد في العاصمة السعودية الرياض عام 1982، لعائلة سورية تعود أصولها إلى الجولان (رويترز)

رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية وقيادي سابق في المعارضة السورية المسلحة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. ولد عام 1982 وبدأ طريقه مع تنظيم القاعدة في العراق لمقاومة الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فسجن على إثرها 5 سنين. 

عاد لاحقا إلى سوريا وأسس فرعا للقاعدة سماه "جبهة النصرة"، وعرف حينئذ باسم أبو محمد الجولاني، ولاحقا أعلن انشقاقه وفك ارتباطه عنها في يوليو/تموز 2016 لاختلافه معها على المنهج، وأعلن تأسيس "جبهة فتح الشام" التي غير اسمها فيما بعد إلى "هيئة تحرير الشام".

برز باسمه الصريح (أحمد الشرع) قائدا لـ"إدارة العمليات العسكرية" التي أطلقت معركة "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، واستطاعت إسقاط نظام بشار الأسد في 12 يوما.

وفي 29 يناير/كانون الثاني 2025 اختير الشرع لتولي رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية في اجتماع للإدارة السورية الجديدة، فألغى العمل بالدستور وحل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد.

المولد والنشأة

ولد أحمد حسين الشرع في العاصمة السعودية الرياض عام 1982، لعائلة سورية تعود أصولها إلى قرية جيبين التابعة لمنطقة فيق في الزوية بالجولان المحتل، ثم انتقل إلى سوريا واستقر مع عائلته في حي المزة بدمشق وعمره آنذاك 9 سنين.

ووصفه جيرانه ومعارفه في تلك الفترة، وفقا لصحيفة تايمز البريطانية، بأنه كان "هادئا قليل الكلام، كما كان انطوائيا".

ويقول الشرع في مقابلة أجراها مع ألاستير كامبل وروري ستيوارت، إنه نشأ في حي دمشقي سكانه من الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا، وكانت توجهات أغلب سكانه ليبرالية، درس فيه مراحله الأساسية، وغادره في سنته الدراسية الأولى من الجامعة عقب اندلاع الحرب الأميركية على العراق، في فترة زمنية كانت متوترة إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

كان والده حسين علي الشرع سياسيا ذا توجه قومي عربي، ومساهما أساسيا في ربيع دمشق، وقد شارك في بعض الاحتجاجات ضد حكم البعث، فسجن على إثر ذلك مرات عدة في سوريا والأردن، وطلب اللجوء السياسي في العراق.

إعلان

وقال الشرع -في مقابلة مع الصحفي الأميركي مارتن سميث في فبراير/شباط 2021- إنه لم يكن متفقا فكريا مع والده إلى حد كبير، لكنهما اتفقا على حب فلسطين وعلى الدفاع عن أهلها.

درس المرحلة الابتدائية في مدرسة عمر بن الخطاب، ثم انتقل إلى مدرسة عمر بن عبد العزيز. ويقول حلاقه في طفولته، إنه كان يذهب إلى مسجد الشافعي حيث كوَّن صداقات، وحفظ جزءا من القرآن.

ويقول الشرع إنه بدأ يفكر في "الدفاع عن الأمة التي كانت تتعرض للاضطهاد من المحتلين والغزاة" وهو في سن الـ18، فنصحه شخص بالالتزام بالصلاة في المسجد وقراءة القرآن ودراسة تفسيره، والبحث عن كيفية الوصول إلى العدالة وتخفيف الظلم عن الناس.

صورة لحسين الشرع والد الرئيس السوري
حسين الشرع والد الرئيس السوري أحمد الشرع (الصحافة السورية)

عائلته

لأحمد الشرع 4 إخوة هم جمال وحازم وعلي وماهر وأختان، ووالده خبير اقتصادي وكاتب وباحث أكاديمي في مجال النفط، من مواليد عام 1944، تأثر بالفكر القومي الناصري منذ المرحلة الثانوية، ونشط في المظاهرات الطلابية الرافضة لانفصال سوريا عن مصر عام 1963.

لاحقته السلطة وحاولت اغتياله، مما اضطره إلى الفرار إلى الأردن ثم العراق حيث أكمل دراسته الجامعية، ثم عاد إلى بلاده وعمل في مجال النفط، لكنه غادرها من جديد عام 1979 بسبب القيود السياسية التي فرضت عليه وعمل في السعودية باحثا اقتصاديا، وفي تلك الفترة ولد أحمد.

أخوه البكر ماهر الشرع من مواليد دمشق عام 1973، وهو طبيب متخصص في أمراض النساء وعلاج العقم والإخصاب، وعمل في دمشق والسعودية وروسيا، ثم عاون أخاه في حكومة الإنقاذ السورية حين تولى وزارة الصحة، وبعد سقوط النظام المخلوع وتشكيل الحكومة الانتقالية عين أمينا عاما للرئاسة السورية.

تزوج عام 2012 من لطيفة سمير الدروبي، التي تنحدر من بلدة القريتين بمحافظة حمص، وتحمل شهادة ماجستير في اللغة العربية وآدابها، ولهما 3 أبناء.

التجربة الجهادية في العراق

كان الشرع طالبا في كلية الطب بجامعة دمشق، وكان يسافر في الوقت نفسه إلى حلب لحضور خطب الجمعة التي كان يلقيها محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) في "جامع العلاء بن الحضرمي" بحي الصاخور.

وحين اقترب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، نادى آغاسي بالمقاومة، فكان الشرع ضمن أوائل من لبوا النداء، وصارت سوريا في تلك الفترة ممرا للمتطوعين للقتال في العراق.

وصل الشرع إلى العراق قبل بداية الغزو الأميركي عام 2003 بنحو أسبوعين، وسكن في الموصل فترة، وعمل مقاتلا مع مجموعات مختلفة ضد "الاحتلال الأميركي"، وبدأت تندمج واحدة تلو الأخرى مع تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي ثم خلفائه من بعده.

الاعتقال

تخفى بهوية عراقية واتخذ له اسم أمجد مظفر حسين النعيمي، وفي 14 مايو/أيار 2005 قبضت عليه الولايات المتحدة الأميركية وأودعته سجن أبو غريب سيء الصيت في العاصمة بغداد، ومن هناك نقلته إلى سجن بوكا فسجن كروبر.

سلمته أميركا لاحقا إلى الحكومة العراقية، التي وضعته في سجن التاجي، ومن هناك أطلق سراحه عام 2011 بعدما قضى خمس سنوات في السجون.

استطاع الشرع تكوين قاعدة جماهيرية لا بأس بها داخل السجن، فقد أثّر في باقي المساجين، وبدأ بنشر تصوراته و"تصحيح مفاهيم مغلوطة حول الدفاع والجهاد"، ويقول إنه أصبح في تلك الفترة "أكثر نضجا" من الناحية السياسية.

إعلان

وكانت السجون العراقية في تلك الفترة تجمع كبار قادة الحركات الجهادية، ويذكر الشرع كيف اختلف مع كثير منهم، في فترة بداية وصفها بـ"الصدام الطائفي في العراق"، إثر تبنى كثير من أولئك السجناء أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية فيما بعد.

مكث الشرع داخل السجن يخطط للعودة إلى سوريا، وطرح الفكرة على بعض المساجين وتدارسها معهم، ومنهم أبو عمر سراقب، الذي رأى أن إدلب هي الخيار الأفضل لبدء عملية تسقط نظام الأسد.

ومن داخل السجن كتب الشرع وثيقة من 50 صفحة، دوّن فيها أفكاره وتصوره لكيفية إسقاط النظام السوري، وقد أطلق سراحه قبيل اندلاع الثورة السورية بيومين.

الانتقال إلى سوريا

تواصل الشرع مع أبو بكر البغدادي في بداية اندلاع الثورة السورية عام 2011، وناقش معه الوثيقة التي أعدها في السجن، واتفقا على أن يؤسس "الجولاني" فرعا للتنظيم في سوريا.

اشترط الشرع على البغدادي عدم تكرار التجربة العراقية في سوريا، وعلى عدم المشاركة في أي نوع من "الحروب الطائفية"، وعلى أن يبقى الهدف الأساسي هو محاربة النظام السوري المخلوع.

ذهب الشرع إلى سوريا في أغسطس/آب 2011 مع 6 أشخاص، وفي غضون عام استطاع حشد 5 آلاف مقاتل، والانتشار في مساحة كبيرة في البلاد.

وكان البغدادي يرى في نجاح الشرع، فرصة لتمدده في سوريا وإنشاء "دولة الخلافة الإسلامية"، لكن الشرع اختلف معه في الهدف والمشروع، وانصب تركيزه على إسقاط نظام الأسد، وإقامة مشروع سوري خالص، دون معاداة للغرب ولا توسع في القارات.

بعد الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية أعاد الشرع تشكيل قواته في تنظيم جديد سماه "جبهة النصرة لأهل الشام" في بداية 2012، واتخذ من قرية الشحيل منطلقا لعمل الجبهة، كما دعا في بيانه السوريين إلى "الجهاد وحمل السلاح لإسقاط الحكومة السورية".

انشقاقات وتشكيلات

رفض الشرع إعلان البغدادي -في 9 أبريل/نيسان 2013- إلغاء اسميْ "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة النصرة" ودمج التنظيمين -باعتبارهما يمثلان تنظيم القاعدة الأصل- في كيان جديد يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

وأعلن الشرع بعدها مبايعة زعيم القاعدة أيمن الظواهري، مما أدى إلى اندلاع أزمة داخلية بين مقاتليه، وانشق كثير منهم.

وقال الشرع إنه عمل وفق توجيهات وإرشادات الظواهري حتى يوليو/تموز 2016 حين أعلن فك ارتباط تنظيم القاعدة، وأعاد تشكيل جماعة جديدة باسم "جبهة فتح الشام" وكشف يومها للمرة الأولى عن وجهه.

وقال الشرع إن فك الارتباط "جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي"، موضحا أن هذه الخطوة هدفت إلى تحقيق "العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس، والتوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه".

وبشأن الخلافات العقدية بين "الجبهة" و"تنظيم الدولة الإسلامية" قال الشرع حينئذ "نرفض الخلافة التي يعلنونها ونعتبرها غير شرعية لأنها أقيمت على أسس غير شرعية".

فكره وأيديولوجيته في جبهات القتال

كانت المقابلة الإعلامية الأولى للشرع هي تلك التي خص بها قناة الجزيرة وبُثت في حلقة من برنامج "لقاء اليوم" يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2013، وفيها أعلن أنه لا يؤيد ما تذهب إليه تنظيمات إسلامية من إطلاق للتكفير.

وقال "نحن لا نكفّر المسلمين، فتكفير المسلم بحاجة إلى فتوى لأنه من اختصاص أهل العلم، ولذلك نترك الأمر في الحكم بالتكفير للمحاكم الشرعية والعلماء، ليقرروه وفق ضوابط الشريعة الإسلامية في هذا الشأن".

وأضاف متحدثا عن موقف جبهته من مستقبل سوريا "لا نطمح للانفراد بصياغة مستقبل سوريا السياسي بعد سقوط النظام، ولا نريد أن ننفرد بقيادة المجتمع حتى ولو وصلنا إلى مرحلة تمكننا من ذلك، وستتولى اللجان الشرعية وأهل الحَل والعَقد وضع خطة لإدارة البلد وفق شرع الله تعالى لبسط الشورى والعدل".

إعلان

وأشار إلى أن "العلماء راقبوا وشاهدوا تصريحاتهم وأفعالهم واعتبروهم من الخوارج الذين يكفّرون الناس بالذنوب ويستبيحون دماء المسلمين بدون ضوابط شرعية، ويكفرون الخصوم، حتى إنهم يكفرون جبهة النصرة لكننا لا نكفرهم".

ويقول في المقابلة التي أجراها مع الصحفي سميث عام 2021، إن انشقاقه عن تنظيم الدولة الإسلامية، كان بسبب سياسات التنظيم الخاطئة في إدارة الصراع وكيفية تعامله مع الأبرياء وقتلهم، مما أدى لخلافات داخلية وانقسامات، قرر على إثرها تغيير بوصلته كما يصف، عبر الابتعاد عنهم.

ومع إعلان انشقاقه، أكد الشرع أن أيديولوجية القاعدة وتعامله معها، كان لفترة زمنية انقضت، وأنه لا يدعم أي هجوم خارجي، سواء على الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا.

وعن نظرته للدعوة الإسلامية، قال "سابقا كنت أعتنق السلفية التكفيرية، والظروف وقتها دفعت الكثير من الشباب للمسير في ذاك الطريق"، وأكد أن إدارة القاعدة ارتكبت أخطاء كبرى، وأن أحد أسباب انفصاله عنها، انحرافها عن القواعد والمعايير التي ناقشها سابقا في الوثيقة التي سلمها للبغدادي قبل انتقاله لسوريا.

إدلب المقر

ومع تغير موازين القوى في سوريا، ودخول إيران وروسيا والولايات المتحدة في محور الصراع، وسيطرة النظام السوري على مدينة حلب كلها، رحّل النظام معارضيه من باقي المدن السورية إلى إدلب بهدف حصرهم في مكان واحد، ومحاولة القضاء عليهم.

استغل الشرع تلك الفترة للعمل على تطبيق مشروعه، فأعلن عن تشكيل "جبهة فتح الشام"، التي تغير اسمها فيما بعد إلى "هيئة تحرير الشام"، وكان الهدف منها توحيد الفصائل السورية في مناطق سيطرته في الشمال الغربي للبلاد.

وخلافا لطريقة حكم المنظمات الجهادية الأخرى، دخل الشرع باب السياسة وأنشأ في مناطق سيطرته في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أول إدارة مدنية تحت سلطته وهي حكومة الإنقاذ السورية، وحرص على أن تضم مدنيين وأكاديميين.

ونالت مسودة مبادرة "الإدارة المدنية عالية المستوى في مناطق سوريا المحررة" موافقة الهيئة بعد أن عرضتها عليها حكومة الإنقاذ وعلى عدة جهات عسكرية ومدنية أخرى، بهدف ضم أكبر عدد من مكونات المجتمع.

نجحت حكومة الإنقاذ في إدارة إدلب أمنيا وإداريا وخدميا، وازدهرت في جوانب عدة، وعلى الرغم من ذلك واجه الشرع احتجاجات متكررة ضد إدارته، إلى جانب خلافاته مع بعض الفصائل السورية.

اعترف الشرع عام 2020 بارتكابه أخطاء في طريقة الحكم، ووعد بالسعي لإصلاحها، ووصفه الكثير ممن تعامل معه بالشخصية البراغماتية، إذ كان يلجأ للحوار والتفاهم عندما يحتاج الأمر، وللسلاح من جهة أخرى إذا تطلب الأمر استخدام القوة.

Syrian President Ahmed al-Sharaa speaks during the General Debate of the United Nations General Assembly at the UN headquarters in New York City on September 24, 2025. (Photo by TIMOTHY A. CLARY / AFP)
أحمد الشرع في المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول 2025 (الفرنسية)

معترك السياسة

انفتح الشرع على السياسة منذ شبابه في أيام الجامعة نتيجة خلفيته السياسية التي كانت تناقش يوميا في منزله مع والده.

وبدأ فكره السياسي ينشط طوال تجربته القتالية في العراق وسوريا، قبل أن يتبلور مع بدء تجربته في إدارة المناطق المحررة في إدلب سنين عدة.

وفي عام 2020 انفتح الشرع على الخارج، وبدأ في التواصل مع الغرب ومخاطبته بلغته وتقديم نفسه وإجراء مقابلات إعلامية معه، منها مع مجموعة الأزمات الدولية، التي صرّح لها أن "سوريا لن تكون منصة لمهاجمة الخارج، ولن يكون القتال إلا ضد الأسد وحلفائه".

وأعاد تعريف موقفه السياسي بعد ماضيه المرتبط بالعمليات الجهادية، وظهر بحلة جديدة عام 2021 في المقابلة التي أجراها مع الصحفي الأميركي مارتن سميث، إذ تخلى عن بدلته العسكرية لأول مرة مرتديا بدلة رسمية.

وأثناء مساره السياسي، أظهر الشرع فهما لدور القوى الإقليمية والدولية في الأزمة السورية، بما في ذلك تركيا وروسيا وإيران، واعتمد إستراتيجيات تتراوح بين المرونة والمواجهة البراغماتية.

وبعد الاتفاق الثلاثي عام 2017 على مناطق خفض التصعيد في سوريا، ودخول القوات التركية إلى إدلب وإقامتها نقاط مراقبة، لم يعلن الشرع عداء للوجود التركي بل تعامل مع الأمر بـ"براغماتية"، فاتهمته بعض الفصائل بالخيانة.

وعندما أعلنت تركيا عن نيتها فتح حوار مع نظام الأسد، انتقد الشرع الخطوة، لكنه لم يعاد أنقرة، على عكس آلية تعامله مع روسيا وإيران في تلك الفترة، إذ كانت أكثر تعقيدا، فقد اعتمد لهجة حذرة تجمع بين التحفظ والرفض الجزئي دون الدخول في مواجهة مباشرة.

إعلان

وعلى الصعيد الداخلي، استمر الشرع في إدارة الصراع بالجمع بين العمليات العسكرية والسياسية، مع التركيز على تنسيق الجهود بين الفصائل لضمان وحدة القرار العسكري والسياسي.

وقد امتدت هذه المرحلة من 2019 إلى 2024، فيما يمكن وصفه بفترة إعداد وتخطيط إستراتيجية للنشاط الداخلي والخارجي.

وأشار مراقبون إلى أن إستراتيجية الشرع كانت تقوم على التعلم من التجارب السابقة للفصائل والتنظيمات، مع السعي لتجنب الانقسامات الداخلية وتعزيز القدرة على مواجهة النظام السوري بشكل منسق.

توحيد فصائل المعارضة

أعاد الشرع توجيه تركيز مشروعه نحو إصلاح البنية التنظيمية الداخلية قبل الاندماج في أي عملية تحريرية واسعة لسوريا.

وأثناء سنوات الصراع، تميّزت علاقة قياداته مع الفصائل بالتقلب؛ فقد تحوّلت من تحالفات مؤقتة إلى مواجهات، نتيجة اختلافات أيديولوجية ومنافسات على السلطة والسيطرة الميدانية.

واجه الشرع هذا الواقع باتباع مزيج من المرونة والتصدي الحازم، وتفادى الانقسامات عبر سياسات احتوائية أحيانا، ولجأ إلى استخدام القوة أو الحسم التنظيمي في أحيان أخرى.

مع مرور الوقت تغيّر المشهد السياسي والميداني، ونهج الشرع نهجا تصالحيا مع الفصائل بهدف توحيد الصفوف تحت راية وهدف واحد، وفرض قواعد داخلية لمنع التنازع الداخلي.

عام 2019 تشكّلت غرفة عمليات "الفتح المبين" التي ضمّت هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، بهدف مشترك يتمثل في توحيد الجهد العسكري ضد النظام، وتنسيق العمليات العسكرية في الشمال السوري وإدارتها.

وتبنّى الشرع سياسات تهدف إلى منع تفكك التشكيلات أو بروز فصائل موازية، مع فرض قواعد للانضمام والقتال تحت راية موحدة.

وشهدت الفترة 2020-2021 تطورات مؤسسية؛ إذ استقرت بعض الجبهات نسبيا إثر تفاهمات إقليمية، فانتهزت القيادة في الشمال السوري وقت الهدوء النسبي لإعادة تنظيم الكادر وإعداد قوة موحدة.

وبحلول 2024 تزايدت الضغوط على النظام السوري المخلوع على مستويات اقتصادية وسياسية، مع بروز مؤشرات تبيّن تقلّص قدرة حلفائه على دعم دوره كما في السابق.

في هذا السياق ارتكزت إستراتيجية الشرع على توحيد الموارد والقيادة وتهيئة الأرضية لخطوات مكثفة ضد النظام، مع الاستفادة من نقاط ضعف العدو والتحولات الإقليمية متابعة التطورات الإقليمية، مستفيدا من التغيرات في الموازين العسكرية والسياسية في سوريا.

"ردع العدوان" وإسقاط الأسد

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أطلقت إدارة العمليات العسكرية التابعة لغرفة عمليات الفتح المبين عملية "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وعيّن الشرع قائدا عاما لها، وكان الهدف الأساسي منها إخراج النظام من حلب.

ومع تطور العمليات وسيطرة  فصائل المعارضة على حلب وهروب جنود الأسد، أدركت الفصائل ضعف خصمها، فأكملت توغلها في حماة، ودعا الشرع المقاتلين إلى "التحلي بأخلاق النصر والالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وكذا القيم الإنسانية".

وقال في بيان له "نحن اليوم نواصل الليل بالنهار من أجل سوريا، المستقبل لسوريا التي ستكون بإذن الله بلدا للعدالة والكرامة والحرية لكل السوريين". وبرز في تلك الفترة باسمه الحقيقي في البيانات الرسمية.

وفي اليوم الـ12 من المعركة، أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على العاصمة، وإسقاطها حكم عائلة الأسد الذي استمر 53 عاما. وذكرت الصحف الغربية أن الأسد غادر البلاد مع أسرته قبل وصول المعارضة إلى العاصمة.

رئيسا للمرحلة الانتقالية

بدأ الشرع اتخاذ خطوات تنظيمية وإصلاحية في سوريا، شملت حل الفصائل المسلحة المختلفة، وتشكيل جيش موحد، والعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة.

كما أطلق إجراءات للإصلاح السياسي، تضمنت حوارا وطنيا، وصياغة دستور انتقالي، وتشكيل أول حكومة في سوريا بعد الانتقال السياسي، مع التأكيد على التزام الدولة بعدم أن تكون مصدر تهديد خارجي.

وعلى الصعيد الداخلي، واجه الشرع تحديات مرتبطة بارتكاب انتهاكات من بعض القوات المحسوبة عليه، فصدر قرار بتشكيل لجان تحقيق لمحاسبة المسؤولين وجبر ضرر الضحايا.

وفي اجتماع للإدارة السورية الجديدة أجري في قصر الشعب بدمشق، اختير الشرع لتولي رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية وألغي العمل بدستور سنة 2012، وأعلن عن حل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع.

وعيّن الشرع يوم 29 مارس/آذار 2025 حكومة جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية، وتضمنت عددا من قيادات الثورة.

وشنت الإدارة السورية الجديدة حملة أمنية لملاحقة فلول ذلك النظام والمطلوبين الذين تورطوا في جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان وإبادات جماعية ضد المدنيين منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وفي الوقت نفسه، تواصلت التحديات الأمنية والاقتصادية، خاصة في مناطق الساحل ومناطق أخرى، مع استمرار مراقبة إسرائيل التحركات العسكرية والسياسية داخل سوريا، وتوغلاتها المستمرة في الجولان السوري.

في 12 فبراير/شباط 2025 أصدر الشرع قرارا يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وانطلقت أعماله في 25 فبراير/شباط واستمرت يومين، وخرجت بتوصيات أرسلت لرئيس الجمهورية.

ووقَّع الشرع في 13 مارس/آذار، إعلانا دستوريا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بـ5 سنوات.

وفي يوليو/تموز أطلقت الرئاسة السورية الشكل النهائي للهوية البصرية الجديدة للدولة ورافقت ذلك احتفالات أعلن فيها الشرع أن سوريا "لا تقبل التجزئة".

ووقّعت وزارتا الدفاع في سوريا وتركيا اتفاقية للتعاون الدفاعي المشترك في أغسطس/آب، تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش السوري، وتطوير مؤسساته وهيكليته، ودعم جهود إصلاح قطاع الأمن في البلاد بصورة شاملة.

تحديات الرئاسة

وفي السادس من مارس/آذار 2025 اتُهِم فلول النظام السابق بتنفيذ سلسلة هجمات منسقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، وأسفرت -وفق تقديرات اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق- عن مقتل 238 عنصرا من الجيش والأمن، بعضهم أُعدم ميدانيا وهم أسرى أو جرحى.

وأوضح التقرير أن الرد العسكري الحكومي -الذي تضمن مشاركة قوات نظامية وفصائل محلية- شهد بدوره تجاوزات واسعة النطاق أودت بحياة 1426 شخصا معظمهم من المدنيين.

وفي 10 مارس/آذار اجتمع الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، وأعلنت الرئاسة السورية بعد الاجتماع عن توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات قسد ضمن مؤسسات الدولة، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم ووقف إطلاق النار.

من جهة أخرى، وصفت إسرائيل الحكومة السورية الجديدة بأنها تهديد "جهادي" مؤكدة أنها لن تسمح لها بنشر قوات بالجنوب السوري، وتحدثت عن ضرورة "بقاء المنطقة من الجولان إلى جبل الدروز منزوعة السلاح" إلى جانب سيطرة القوات الإسرائيلية منذ ديسمبر/كانون الأول 2024 على أراض سورية مجاورة للجولان المحتل.

وفجر الثاني من مايو/آيار 2025، شنّ الجيش الإسرائيلي غارة جوية على محيط القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الدفاع إن الغارة تحمل رسالة واضحة إلى الحكومة السورية مفادها أن إسرائيل لن تسمح بأي تهديد للدروز، على أعقاب أحداث السويداء والاشتباكات التي اندلعت بين قوات الأمن السورية وجماعات مسلحة درزية.

على الساحة الدولية

صنفت "مجلة تايم" الأميركية الرئيس الشرع ضمن قائمة "أكثر 100 شخصية تأثيرا في العالم لعام 2025".

وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2025 استقبل الشرع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر في أول زيارة لرئيس دولة يزور دمشق منذ الإطاحة بنظام الأسد.

وزار الشرع العاصمة السعودية الرياض في الثاني من فبراير/شباط، في أول زيارة خارجية له بعد توليه الحكم.

ووقعت الحكومة السورية بحضور الشرع أول اتفاقية استثمارية دولية بعد سقوط الأسد في الأول من مايو/أيار 2025، مع شركة الشحن والخدمات اللوجستية الفرنسية العملاقة لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية.

وفي 14 مايو/أيار عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا مع الشرع في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسين أميركي وسوري منذ 25 عاما.

وحضر أحمد الشرع نهاية سبتمبر/أيلول 2025 اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أول ظهور رسمي له على الساحة الدولية، وهو أول رئيس سوري يشارك باجتماعات الأمم المتحدة منذ 6 عقود، بعد حضور نور الدين الأتاسي، آخر رئيس سوري قبل حقبة عائلة الأسد، لاجتماعات المنظمة عام 1967.

وفي عهده وقّع الرئيس ترامب في نهاية يونيو/حزيران أمرا تنفيذيا لإنهاء العقوبات على سوريا بغرض دعم إعادة الإعمار وبناء "سوريا لا توفر ملاذا للتنظيمات الإرهابية"، وفق تعبيره.

ولم يُسقط الأمر التنفيذي حينها قانون قيصر الذي أقره الكونغرس عام 2019، لكنه مهّد قانونيا لتجميد بعض عقوباته، إذ لا يمكن لرئيس أميركي تعديل أو تعليق قانون صادر عن الكونغرس.

وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025 أعلن النائب الجمهوري الأميركي جو ويلسون أن مجلس الشيوخ صوّت على إلغاء قانون قيصر المفروض على سوريا إبان حكم النظام المخلوع، في حين رحبت دمشق بما وصفتها بـ"الخطوة التاريخية".

على لائحة الإرهاب

عقب تشكيل جبهة النصرة عام 2011، وإعلان مبايعتها القاعدة وقيادتها عام 2013، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية الكيان "منظمة إرهابية".

وفي مايو/أيار 2013، أعلنت الخارجية الأميركية "أبو محمد الجولاني إرهابيا عالميا"، وحجزت ممتلكاته الخاضعة لنطاق سلطتها، ومنعت المواطنين الأميركيين من التعامل معه.

واتخذت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، قرارا بوضع الجولاني على "قائمة الإرهابيين الخاصة بها" ومنعته من السفر وحظرت تملكه للسلاح في 24 يوليو/تموز من العام ذاته.

وفي 10 مايو/أيار 2017، أعلن برنامج المكافأة من أجل العدالة، التابع للخارجية الأميركية، عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار أميركي مقابل معلومات تؤدي إلى التعرف عليه أو على مكان وجوده.

وعقب سقوط النظام السوري البائد، أفادت صحيفة واشنطن بوست أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024 أن واشنطن تدرس رفع هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية إذا أظهرت الجماعة أنها ستحكم سوريا بطريقة شاملة ومسؤولة.

ويأتي ذلك بعد أن أبلغت مبعوثة أميركية القائد الشرع بإلغاء المكافأة المرصودة للقبض عليه في لقاء معه في العاصمة دمشق.

وفي 23 يونيو/حزيران 2025 ألغت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية وفقا للمادة (219) من قانون الهجرة والجنسية، بالتشاور مع النائب العام ووزير الخزانة.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان