التجمع الوطني.. أقصى اليمين الفرنسي
حزب سياسي من أقصى اليمين الفرنسي، أسسه جان ماري لوبان عام 1972 وتولى قيادته حتى عام 2011، ثم خلفته ابنته مارين لوبان التي قادت الحزب حتى عام 2022، وغيرت اسمه من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني. عُرف الحزب بدعمه القومية الفرنسية ومعارضته الهجرة والمهاجرين، خاصة المسلمين منهم.
النشأة والتأسيس
أنشئ حزب الجبهة الوطنية في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1972 باسم حزب الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية.
ترأس الحزب منذ نشأته وحتى نهاية عام 2011 جان ماري لوبان، وخلفته ابنته مارين بداية عام 2011 على رأس الحزب، وحمل هو لقب الرئيس الشرفي.
التوجه الأيديولوجي
يضم الحزب عناصر ينتمون إلى تيارات فكرية متعددة، تبدأ بقدماء من عاشوا في الجزائر إبان احتلالها الذي استمر 130 عاما، وتنتهي بالكاثوليك التقليديين، مرورا بكل من أنصار نظام فيشي والقوميين الفرنسيين.
حرص الحزب منذ تأسيسه على الدفاع عما يسميها "الهوية الفرنسية" والتركيز على محاربة الهجرة، وذلك إلى جانب رفض الشيوعية والبقاء مع الاتحاد الأوروبي.
أعلن الحزب كذلك رفضه الكامل لزواج الشواذ والإجهاض، وبعد سقوط جدار برلين أعلن مؤسسه وزعيمه جان ماري لوبان معاداة الولايات المتحدة الأميركية.
المسار السياسي
تميز مسار الجبهة الوطنية في الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتذبذب، ولم يكن مستقرا في كل وقت.
فقد حصل جان ماري لوبان في الانتخابات الرئاسية عام 1974 على 0.74% من الأصوات، غير أنه حصل على 12.6% من الأصوات في الانتخابات البلدية التي تلت هذه الرئاسيات.
وسنة 1986، حقق الحزب قفزة كبرى في الانتخابات التشريعية التي جرت بنظام اللائحة النسبية، إذ فاز بـ35 مقعدا، وهو ما مكّنه من إنشاء فريق خاص داخل الجمعية الوطنية (البرلمان).
لكن بمجرد أن تغير النظام الانتخابي وعادت التشريعيات إلى نظام التصويت الفردي، أخفق الحزب في تحقيق نجاح مماثل، وفاز بمقعد واحد فقط في انتخابات 1988، ولم ينل أي مقعد عام 1993.
ويؤكد المتتبعون لمسار الجبهة الوطنية أن الخطاب الذي تبناه الحزب حول الأمن والهجرة استطاع استقطاب كثير من الغاضبين من السياسات الحكومية، وهو ما تجسد في الانتخابات البلدية عام 1995، إذ حقق نجاحا مهما، خاصة في مناطق جنوب شرق فرنسا.
اعتُبر انشقاق برونو ميغري (رفيق جان ماري) عام 1999 وتأسيسه حزب الحركة الوطنية الجمهورية، صفعة قوية للحزب الذي بدأ ينزلق نحو الضعف والتشتت.
وقد تأكد ذلك في الانتخابات البلدية عام 2001، لكن جان ماري لوبان تمكن من تحقيق مفاجأة كبرى في رئاسيات 2002 عندما تأهل إلى الدور الثاني مقصيا القيادي الاشتراكي البارز ليونيل جوسبان، ومواجها في الدور الثاني الرئيس جاك شيراك.
لكن جان ماري مُني بهزيمة قاسية في الجولة الثانية، إذ حصل على 17.7% فقط من الأصوات، على الرغم من دعمه من رفيقه السابق برونو ميغري وحزبه.
ومنذ عام 2004، حافظ الحزب على استقرار نسبي في نتائجه الانتخابية، إذ كانت النسبة تتراوح بين 12.5% و14.7%، ولم يتمكن جان ماري لوبان في رئاسيات 2007 من تكرار نتيجة 2002، فحصل على نحو 10.4% فقط من الأصوات.
ولاية مارين لوبان
أعلن لوبان عام 2010 أنه لن يترشح لرئاسيات 2012، وأفسح بذلك المجال لخلافته على رأس الحزب، حيث اشتد الصراع بين برونو غوينيش ومارين لوبان (ابنة جان ماري) التي استطاعت حسم الصراع لصالحها يوم 16 يناير/كانون الثاني 2011 بحصولها على 67.65% من أصوات القاعدة الحزبية.
حصدت مارين حوالي 18% من أصوات الناخبين في الدور الأول لرئاسيات 2012، ولم يكن هدفها الفوز، فقد كان ذلك شبه مستحيل، حيث اتفق المرشحان الرئيسيان نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند على التصدي لها إن استطاعت المرور إلى الدور الثاني.
دشنت مارين وحزبها مرحلة جديدة مع بداية سنة 2015، إذ حل الحزب ثانيا في الجولة الأولى لانتخابات مجالس الأقاليم في فرنسا بحصوله على 25.19% من الأصوات، بينما حصل الاتحاد من أجل حركة شعبية (الذي غير اسمه فيما بعد إلى حزب الجمهوريين) مع اتحاد المستقلين الديمقراطيين على 29.4%، أما اليسار فقد حل ثالثا بـ21.85%.
ولم يقف طموح مارين عند الانتخابات المحلية، فقد أعلنت منذ بداية عام 2015 رغبتها في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017.
تصدرت الجبهة الوطنية الجولة الأولى من الانتخابات المحلية الفرنسية التي جرت الأحد السابع من ديسمبر/كانون الأول 2015، وحصلت على نسبة 29.5% من إجمالي الأصوات، متقدمة على "الجمهوريين" برئاسة ساركوزي، الذي حصل على 27% من الأصوات، تلاهما الحزب الاشتراكي الحاكم بنسبة 23%، فيما حل حزب أوروبا البيئة-الخضر رابعا بحصوله على 6.5% من الأصوات.
وجاء حزب الجبهة الوطنية في المركز الأول في 6 مناطق من أصل 13 منطقة على مستوى البلاد.
إنكار الهولوكوست
أيدت محكمة الاستئناف العليا في فرنسا إدانة مؤسس حزب التجمع الوطني جان ماري لوبان يوم 27 مارس/آذار 2018 لإنكاره محرقة الهولوكوست، وحكمت عليه بغرامة قدرها 30 ألف يورو.
وأدين لوبان عدة مرات سابقة بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية ضد اليهود بسبب تصريحات له عام 2015.
وقال لوبان -في مقابلة تلفزيونية- إنه لا يشعر بالندم على تصريحاته التي وصف فيها غرف الغاز بأنها "تفاصيل عن تاريخ الحرب العالمية الثانية"، قائلا إنه "متمسك برأيه لأنها الحقيقة".
ولكن مارين لوبان لا تشارك والدها التفكير نفسه، وأكدت -في مقابلة لها عام 2011- أن ما حدث في المعسكرات النازية "ذروة الهمجية"، كما أعلنت سلب رئاسته الفخرية للحزب بشكل نهائي.
من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني
اقترحت مارين لوبان -في خطابها أثناء مؤتمر الحزب في مارس/آذار 2018- تغيير اسم الحزب من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني، وهدفت بهذه الخطوة إلى محاولة التخلص من ماضي الحزب المرتبط بالعنصرية ومعاداة السامية، وأيضا لتسهيل التحالف مع أحزاب أخرى.
وفي الأول من يونيو/حزيران 2018، صوّت أعضاء الحزب بالموافقة على تغيير اسمه، مع احتفاظه بشعار الشعلة التي رمزت للحركة الاشتراكية الإيطالية (الفاشية الجديدة) التي لم تعد موجودة، وكان الحزب قد استلهم منها سياسيا في البداية.
وتجسد الشعلة حسب مسؤولي الحزب رمز الاستمرارية ومحاور الحزب الموحدة (الأمن والهجرة).
خليفة آل لوبان
في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فاز جوردان بارديلا بانتخابات رئاسة الحزب خلفا لمارين لوبان، وأصبح بارديلا أول زعيم للحزب من خارج أسرة لوبان منذ تأسيسه عام 1972.
وانتخب بارديلا بنسبة 85% من أصوات المؤتمرين من أعضاء الحزب، وهو ينحدر من عائلة ذات أصول إيطالية، كما أن جدته لأبيه من أصول جزائرية.
تقدم غير مسبوق بانتخابات 2024
في يونيو/حزيران 2024 فاز حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي عن فرنسا، وتصدر النتائج بحصوله على 32% من الأصوات، بينما حصل حزب النهضة الليبرالي (حزب الرئيس إيمانويل ماكرون) على 15.4%.
ودفعت هذه النتائج ماكرون إلى حل البرلمان الفرنسي والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة نهاية الشهر نفسه، داعيا الناخبين الفرنسيين إلى قطع الطريق على أقصى اليمين.
غير أن نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة كرست تقدم حزب التجمع الوطني، وتصدر الجولة الأولى التي جرت يوم 30 يونيو/حزيران 2024، إذ حصل هو وحلفاؤه على أكثر من 34% من الأصوات، وبلغت نسبة المشاركة نحو 70%.
أما تحالف اليسار المسمى "الجبهة الشعبية الوطنية" فقد حصل على نحو 29%، فيما حصل معسكر حزب ماكرون على نحو 21%.