وحدات حماية الشعب
التأسيس والنشأة
رجّح المحلل في مؤسسة "جيمستاون" الأميركية فلاديمير فان فيلغينبورغ أن يكون عام 2004 هو تاريخ تأسيس وحدات حماية الشعب بعد المظاهرات الكردية المعارضة للحكومة السورية التي اندلعت في ذلك العام، إلا أنه لم يتم الإعلان عنها حتى يوليو/تموز 2012 حيث جرى كشف شعارها علنا، بعد أكثر من سنة على بدء الثورة السورية.
ويعود الفضل في إنشاء وحدات حماية الشعب إلى حزب العمال الكردستاني التركي الذي أرسل ألفا من مقاتليه إلى شمال سوريا لتدريب هذه الوحدات، وضمت في البداية نحو 45 ألفا منتشرين في مناطق القامشلي وعين العرب (كوباني) وعفرين.
التوجه الأيديولوجي
تتبنى وحدات حماية الشعب التوجه اليساري، ولها تقارب عقائدي مع حزب العمال الكردستاني الذي يحظى زعيمه المسجون في تركيا عبد الله أوجلان بشعبية كبيرة في المناطق الكردية السورية، وتتعامل تركيا معها على أنها فرع من فروع حزب العمال الكردستاني.
تعدّ الوحدات نفسها -كما في نظامها الداخلي- قوة عسكرية وطنية غير مرتبطة بأي قوة سياسية خاضعة لقرارات الهيئة الكردية العليا، وتؤكد أنها تناضل من أجل تحقيق حرية جميع القوميات السورية وتنظم نفسها في غرب كردستان للوقوف في وجه أي تدخل خارجي وداخلي.
تنقسم قواتها إلى ثلاثة أنواع أساسية: القوات المحترفة، والوحدات المقاومة، والقوات المحلية. ولها قيادة عامة وقيادات فرعية في منطقة الجزيرة وعين العرب (كوباني) وعفرين.
التجربة القتالية
قاد انسحاب القوات السورية من المناطق الكردية في سوريا منتصف عام 2012 إلى اتهام حزب الاتحاد الديمقراطي ومقاتلي الوحدات بالتعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد، مما وتّر العلاقات بين المقاتلين الأكراد والمعارضة السورية، خاصة بعد رفض هؤلاء المسلحين السماح للمعارضين للنظام بمحاربته من المناطق الكردية.
ورأى خبراء أن العلاقة مع النظام السوري لم تصل إلى مستوى التحالف، بل عكست تفاهما إستراتيجيا أو مجرد التقاء مصالح أبعد القوات الحكومية عن فتح جبهة جديدة، وسمح للأكراد بالتركيز على مسألة تحقيق حكم ذاتي.
وذكرت "مجموعة الأزمات الدولية" أن وحدات حماية الشعب تدفع رواتب شهرية تبلغ نحو 150 دولارا لما بين 25 و30 ألف مقاتل، وأنهم يتلقون ثلاثة أشهر من التدريبات في واحدة من تسع أكاديميات عسكرية تتوزع على المناطق الكردية الثلاث في سوريا.
وأكد خبراء أن المجموعة تعتمد في مصادر تمويلها على الضرائب التي تجبيها في المناطق الكردية، وعلى دعم حزب العمال الكردستاني الذي يحظى بمساندة شبكة من الممولين في أوروبا وتركيا والجالية الكردية في مناطق أخرى من العالم.
أما مصدر أسلحة الوحدات، فيقول الاتحاد الديمقراطي إن بعضها من السوق السوداء والبعض الآخر من البشمركة (القوات النظامية في إقليم كردستان العراق)، وثمة أسلحة -بينها دبابات- غنمتها الوحدات من تنظيم الدولة الإسلامية بعد معركة عين العرب (كوباني) في أغسطس/آب 2015، وأخرى غنمتها في عفرين بعد فرار الجيش من مطار منغ العسكري.
يقول زعيم الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم إن عدد أفراد وحدات حماية الشعب يبلغ نحو خمسين ألفا، يدعمهم متطوعون من اليساريين البريطانيين والأميركيين والأستراليين والأتراك، ويقول أيضا إن أفرادها من المتطوعين الذين لا يتلقون رواتب، على خلاف وحدات الشرطة والأمن المعروفة بالأسايش.
وبعد سيطرة تنظيم الدولة على مدن عراقية كبرى -بينها الموصل– وإعلانه "دولة الخلافة الإسلامية" في يونيو/حزيران 2014، أصدرت الهيئات التشريعية المحلية التي أنشأها الاتحاد الديمقراطي في المناطق ذاتها قانونا يفرض الخدمة الإلزامية على الشباب والطوعية على الفتيات، مما رفع عدد عناصر الوحدات -بحسب تقديرات- إلى 65 ألفا.
قام مقاتلو الوحدات بدور رئيسي في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وشاركت في ذلك عائلات كاملة في مدينة عين العرب (كوباني)، مستفيدة من امتلاكها بعض الأسلحة الثقيلة والدبابات التي غنمتها من مجموعات مسلحة أخرى أو من قوات النظام في سوريا.
وخلال معركة استعادة بلدة عين العرب (كوباني) من سيطرة مؤقتة لتنظيم الدولة عليها في أغسطس/آب 2015، تلقت الوحدات دعما لوجستيا أنزله -من الجو بواسطة المظلات- التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كما آزرتها وحدات من البشمركة الكردية العراقية المزودة بأسلحة متوسطة بعد مرورها عبر أراضي تركيا.
وتشير معلومات متقاطعة إلى أن خبراء وعسكريين روسا ينسقون عملهم في مطار القامشلي مع وحدات حماية الشعب الموجودة في المدينة، وهي أكبر مدينة كردية في سوريا.
وشكلت وحدات حماية الشعب في أكتوبر/تشرين الأول 2015 ائتلافا عسكريا مع فصائل كردية وتركمانية وعربية وسريانية تعمل في الشمال السوري عرف باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، وتمكنت من انتزاع سد تشرين الإستراتيجي في أقصى ريف حلب الشرقي من يد تنظيم الدولة، كما خاضت معارك مع كل من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام في منطقة عفرين وفي حي الشيخ مقصود في مدينة حلب.