منطقة الأهواز
منطقة الأهواز إقليم يقع شمال غرب إيران، ويتميز بسهوله المنبسطة، وأغلب سكانه من العرب ويُرجح أنَّ أسلافهم قدموا إليها في هجراتٍ كثيرة ومتباعدة. وحظيت تلك المنطقة باهتمام عربي لعقود قبل أن تخرج من دائرة الاهتمام بسبب مشاكل العمل العربي المشترك.
يقع إقليم منطقة الأهواز شمال غربي إيران بمحاذاة الحدود العراقية ويمتد جنوبا إلى حدود مضيق هرمز، وأغلب سكانه من العرب السُنة وتُصنفه منظمة الصحة العالمية من أكثر مناطق العالم تلوثا.
ويتميز بسهوله المنبسطة (متوسط ارتفاع الأراضي لا يتجاوز عشرين مترا عن مستوى سطح البحر) وبأدغاله الرطبة التي يُغذيها نهر دجلة عبر أودية وروافد كثيرة ومتعرجة.
والأهواز تُطلق كذلك على عاصمة هذا الإقليم وفق التسمية الفارسية التي تدعو الإقليم (خوزستان) وتعني بلاد أو أرض الأحواز، وهي تسمية موروثة عن العهد الساساني أحياها رضا شاه عام 1925. وتقع مدينة الأهواز على بعد 120 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة عبدان النفطية الواقعة على الحدود مع العراق على مستوى شط العرب.
ويُعتقد أنَّ تسمية (الأهواز) تحريف فارسي لكلمة الأحواز وتعني في اللغة العربية الأرض يحوزها المرء فتصير في حيازته فهي حوزٌ له وتُجمع على أحواز.
الجغرافيا
تتشكل أراضي الأهواز في معظمها من سهل رسوبي كبير ورطب نظرا للأودية والمجاري الكثيرة المتدفقة فيه ببطء شديد نتيجة انبساطه وغياب التضاريس الجبلية بالمنطقة. وتجري في السهل الكبير هذا عدة أنهار منها نهر قارون الذي يشق مدينة الأهواز حاضرة الإقليم والتي أخذت اسمه، على الأقل بالنسبة للسكان العرب وللمحيط العربي بالعراق والخليج، كما نجد أنهارا أخرى مثل نهر الكرخة ونهر الجراحي.
المناخ
يسود منطقة الأهواز مناخ شبه صحراوي قليل الأمطار معظم فترات العام وتبلغ فيه درجات الحرارة معدلات قياسية، ففي الصيف مثلا تبلغ معدلات الحرارة في الأهواز 47 درجة ما يجعل منها أشد مدن العالم حرارة مع الكويت. أما في الشتاء فيُمكن أن تهوي درجات الحرارة إلى حدود درجتين مئويتين.
أما الخريف والشتاء فمدتهما قصيرة تتميز بطقس معتدل وتشهد تساقطات مطرية محدودة
(195 ملليمتر في السنة) ليس لها دور يُذكر في توفير المصادر المائية ولا في الزراعة المعتمدة بشكل شبه كامل على مياه الأنهار والأودية المتدفقة بالمنطقة قادمة من نبعها في المناطق الجبلية المطلة على المنطقة من جهتي الشمال والشرق.
والنشاط الإنتاجي الغالب بالمنطقة هو الزراعة بتفرعاتها المختلفة وفي صدارتها زراعة النخيل، فالمنطقة شديدة الخصوبة ومناخها الصحراوي مع وفرة المياه من الشروط الملائمة لزراعة النخيل.
خطر التلوث
تُعاني المنطقة وخصوصا عاصمتها الأهواز من مستويات قياسية من التلوث ناتجة عن انبعاث الغازات من مراكز التكرير الكبرى القريبة مثل مركز البصرة في جنوب العراق، وبندر مهشار في إيران، ومراكز التكرير حول مدينة الكويت وبالخفجي شمال شرقي المملكة العربية السعودية.
وتنشأ عن الغازات الكثيفة المنبعثة من هذه المراكز سحب من الأذخنة تُغطي منطقة الأهواز كلما هبَّت الريح في اتجاه الشمال والشمال الشرقي. وتتفاقم هذه الظاهرة في الصيف (وهو أطول الفصول هناك) إذ يُسهم ارتفاع الحرارة والرطوبة في تعطيل حركة الأدخنة كما تنتصب في طريقها جبال (زاغرو) مانعة مسيرها إلى الشرق لترتد وتُخيم فوق الأهواز، وفي مراتٍ كثيرة تهطل على مدينة الأهواز أمطار محملة بمعدلات كبيرة جدا من الغازات السامة والأتربة الملوثة.
السكان
أغلب سكان الأهواز من العرب، ويُرجح أنَّ أسلافهم قدموا إلى المنطقة في هجراتٍ كثيرة ومتباعدة تاريخيا تعود أولاها إلى بواكير الفتح الإسلامي.
وفي غياب أي إحصائيات رسمية وفي ظل سياسات التعتيم التي تتهم السلطات الإيرانية بنهجها بشأن الإقليم، يصعب معرفة العدد الحقيقي للسكان وتصنيفاتهم العرقية.
وتكشف تقارير المنظمات الحقوقية الدولية باستمرار عن تعرض عرب الأهواز السنة لصنوف من الاضطهاد والتهميش على يد الدولة الإيرانية.
أهمية إستراتيجية
تستمد الأهواز أهميتها من خصوبة أراضيها ووفرة إنتاجها الزراعي والحيواني ما جعل منها سلة غذائية بامتياز بالنسبة لمحيطها المباشر سواء في إيران أو العراق والخليج، وإن كان إشكال التلوث الشديد بالمنطقة يُهدر فرصا حقيقية للنهوض الشامل بالمجال الزراعي.
وتتوفر المنطقة كذلك على مخزونٍ هام من النفط، كما أنَّ إحدى مدنها، وهي عبدان، تُعد أهم مركز تكرير وتصدير للبترول بإيران، وترتبط منشآتها بحقول النفط والغاز في مختلف أرجاء البلاد.
وعبدان كذلك مرفأ إستراتيجي يُتيح لإيران واجهة ثمينة على الخليج العربي وعلى الملاحة الدولية المتجهة من هذه المنطقة النفطية إلى مختلف أرجاء العالم.
التاريخ
الوجود العربي بالأهواز قديم جدا، إذ تُشير مصادر كثيرة إلى أن عشائر عربية سكنت شرق الخليج منذ القدم، وكانت أهم مضاربها في جنوب الأهواز التي كانت منطقة قاحلة وذات تضاريس وبيئة شبيهة ببيئة الجزيرة العربية.
وقد أشار مؤرخون غربيون عدة إلى الوجود العربي في الأهواز، بل واعتبرَ بعضهم الإقليم جزءا من جزيرة العرب رغم أن البحر يفصلهما.
ورغم قدمه، فإن الوجود العربي ظل محدودا ولم يعد ذا بال إلا مع الفتوحات الإسلامية سيما بعد معركة القادسية التي مهدت لفتح بلاد فارس والأهواز، واستمر على نفس الوتيرة إلى حين سقوط الدولة العباسية وسيطرة المغول على المنطقة عام 1258 ميلادية.
ومع سقوط الخلافة وانفراط عقد الدولة العباسية، قامت دولة بني أسد في شمال الأهواز واتخذت من مدينة الأهواز الحالية عاصمة لها، كما تأسست إمارات أخرى على يد عشائر عربية منها بنو لام وبنو كعب بالشمال، وفي جنوب الإقليم أقامت قبائل القواسم وتميم وبني خال أمارتي (لنجة)
و(هرم).
مع مطلع القرن الـ16 ميلادي، قامت الدولة الصفوية (1506) في شمال إيران على يد قبائل من التركمان، وفي نفس الفترة قامت الدولة العثمانية (1518). وعلى التماس بين الدولتين الناشئتين قامت إمارة عربية بالأهواز سُميت بالدولة المشعشعية نسبة لمؤسسها الأمير محمد بن فلاح المشعشعي.
وقد دامت الدولة المشعشعية خمسة قرون، لكنَّ حكمها آلَ بدءا من سنة 1724 إلى آل رشيد من بني كعب، وتعود أصولهم إلى العرب العدنانية، وقد تحول اسم الإمارة إلى الدولة الكعبية.
وتعتبر فترة حكم الشيخ سلمان بن سلطان آل ناصر (1737-1767) الحقبة الذهبية لهذه الإمارة العربية الأهوازية، فقد قويت خلالها أساطيلها وسادت مياه الخليج وتفوقت على الأساطيل الصفوية والعثمانية والبريطانية، وفي العقود اللاحقة أسست مدينة المحمرة عام 1812 وجسَّدت سيطرة قبيلة البوكاسب على مقاليد الحكم بالإمارة.
والشيخ خزعل بن الشيخ جابر ابن مرداو هو آخر أمراء الدولة الكعبية، وقد ظل يحكمها إلى أن سقطت عام 1925. يذكر أن الشيخ خزعل وُلد عام 1861 ونُصب أميرا لقبيلته (البوكاسب) المنحدرة من عشيرة المحيسن الكعبية.
وظلت إيران، منذ القرن الـ 19 تتطلع إلى الهيمنة على الأهواز، ومع مطالع القرن العشرين كانت العلاقة بين الشيخ خزعل وسلطات طهران في منتهى السوء، فخلال الحرب العالمية الأولى وقفت إيران على الحياد، بينما دعم خزعل البريطانيين كما وقف ضد الامتيازات الترابية والإستراتيجية التي أراد الشاه منحها للروس، وكانت الأهواز ضمنها.
وبحلول عام 1922، باتت المواجهة مفتوحة بين الجانبين، وانبتت عرى الثقة بينهما، حتى أن الشيخ خزعل صار يرفض السفر إلى طهران خوفا من الغدر، بل إنَّه عام 1924 بعث بأهله وأملاكه إلى البصرة واتخذ تدابير مشددة لحمايته خلال مقامه بالمحمرة التي غادرها نهاية المطاف واستقر بالبصرة.
بيد أنَّ مكائد الحكومة الإيرانية نجحت في استدراج الشيخ إلى المحمرة بعد أن أقنعته بانسحاب قواتها من المدينة التي كانت قد دخلتها ضمن حملتها العسكرية للسيطرة على الأهواز. وقد نجح رجال رئيس الوزراء، رضا خان، في تدبير مكيدة للشيخ خزعل واعتقاله بالعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1925 لتَنتهي الدولة الكعبية في الأهواز.
حظيت قضية عرب الأهواز بقدرٍ من الاهتمام الرسمي العربي في ذروة المد القومي، إذ وُضعت على جدول القمة العربية عام 1964، لكنَّها سرعان ما خرجت من دائرة الاهتمام نتيجة الخلافات والأجندات المحلية التي بدأت تُهيمن على العمل العربي المشترك.