"دابق" و"أعماق".. أذرع إعلامية لتنظيم الدولة
النشأة والأهداف
تعود بداية نشأة الجهاز الإعلامي للتنظيم إلى أيام تسميته "دولة العراق الإسلامية" (عام 2006)، حين أقام "مؤسسة الفرقان" وبعض المؤسسات الإعلامية الأخرى. ومع دخول شبكة الإنترنت عصرا آخر بظهور وسائل التواصل الاجتماعي (مثل تويتر وفيسبوك) بدأ التنظيم ينتقل إلى مرحلة جديدة من التوسع الإعلامي الشامل.
وإثر سيطرته المفاجئة والسريعة على الموصل (يونيو/حزيران 2014) أنشأ مراكز إعلامية جديدة، مثل: "مؤسسة الفرقان للإعلام" التي ناهزت إصداراتها المئتين وأنتجت الكلمات الصوتية "للخليفة" أبو بكر البغدادي، و"مؤسسة الاعتصام" التي استحدثها التنظيم بعد دخوله سوريا ونشرت نحو مئة إصدار، و"مركز الحياة للإعلام" الذي يعد الذراع الإعلامية للتنظيم ويبث تسجيلات مرئية بلغات أجنبية مع ترجمة مكتوبة بالعربية.
هذا فضلا عن "مركز الفجر" و"مؤسسة أجناد" التي تعتبر ذراع التنظيم الخاصة بالإصدارات الصوتية ذات الجودة العالية، و"وكالة أعماق" الإخبارية، و"وكالات" إنتاج إعلامي تتبع لـ"ولايات التنظيم" خارج العراق وسوريا، وتعد وتنشر جملة من الإصدارات الفائقة الدقة التي تشرح رؤى التنظيم وتنشر دعايته مستغلة التقنيات الحديثة في مجال التصوير والإنتاج والنشر.
وقد سبق سيطرتـَه على الموصل إصدارُه يوم 17 مارس/آذار 2014 تسجيلا مرئيا بعنوان: "صليل الصوارم" من إعداد مؤسسة الفرقان للإعلام، وقد نال هذا الإصدار -الذي تميز بجودة الصورة والمؤثرات والشحن الدرامي، وتوالت منه لاحقا عدة أجزاء- شهرة كبيرة بعد أن حقق 56 ألف مشاهدة على موقع اليوتيوب خلال 24 ساعة من وضعه على الموقع.
و يرى المراقبون أن تنظيم الدولة نجح في تكريس شعاراته وإنفاذ رسائله الإعلامية في "مدة قياسية" بتأسيسه جهازا إعلاميا ضخما يتبع إستراتيجية توزيع رسائله الدعائية بين الكمية والنوعية، ومتكيفا مع التغيرات من حوله ومتنوعا في مستواه ومحتواه؛ وناطقا أو مترجما إلى عدة لغات أبرزها العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والروسية والأوردية والإندونيسية.
و من حيث الأهداف يركز إعلام تنظيم الدولة في إستراتيجيته الإعلامية الدعائية على هدفين متلازمين: الأول، هو سعيه إلى بث الخوف والرعب في صفوف جمهور المعادين له عبر تقديم صورته المخيفة والقاسية مع الخصم لكسره وجعله ينصاع وينهار، مستخدما الصوت والصورة وكافة المؤثرات النفسية والشعورية، ومتحررا من كل الضوابط المهنية المعروفة في صناعة الإعلام.
أما الهدف الثاني فهو محاولته التعريف بالتنظيم ومنهجه الفكري والرد على من يخالفونه، وإظهار جوانبه "الإيجابية والإنسانية" بتقديم صورة نموذجية له فكرا وتنظيما ونمطَ حياة اجتماعية وإدارةً لـ"دولة الخلافة"؛ ويتوجه عادة بهذه الصورة إلى متلقي رسائله في البيئات التي احتضنته فعليا أو معنويا، محاولا استقطاب وتجنيد الشباب في كل بلدان العالم الإسلامي.
وقد لاحظ المتابعون للإنتاج الإعلامي للتنظيم تباينا في خطابه الإعلامي حسب الجمهور والبيئة المستهدفة به، فعندما يخاطب ساكنة البلاد الإسلامية يكون هدفه إظهار قدرته على إدارة دولة قابلة للحياة، وذلك بنشر صور تتعلق بالحياة "الطبيعية" في الشوارع والأسواق واستتباب أمن الدولة، إضافة إلى صور لإعدام أو معاقبة الأشخاص المتهمين بارتكابهم جرائم.
أما حين يخاطب إعلامُ التنظيم الجمهور في البلاد الغربية -من مسلمين وغيرهم- فإن لغة الخطاب تختلف لتتلاءم مع ثقافات هذه الشعوب، حيث تركز على الحياة "المزدهرة" في مناطق التنظيم وعلى "المظالم" التي ترتكبها الأنظمة الغربية ضد المسلمين و"حربها العدوانية" على التنظيم، سعيا لكسب منتسبين جدد منها بالاستفادة من سياسات حكوماتهم تجاههم.
وتشير بعض التقديرات إلى أن 31% من منشورات وإصدارات التنظيم حظيت بتجاوب شعبي في بلجيكا، و24% في بريطانيا، و21% في الولايات المتحدة.
وقد أظهرت دراسة أعدها مركز "كويليام" البريطاني أن الطواقم الإعلامية التابعة للتنظيم أنتجت -في الفترة ما بين 17 يوليو/تموز و15 أغسطس/آب 2015- مواد إعلامية دعائية مرئية ومسموعة بلغت 900 مادة، مشيرة إلى أن ذلك يعد "حملة إعلامية كبيرة" بمعدل 38.2 دعاية في اليوم الواحد. وتناولت 469 مادة منها الخدمات العامة والاقتصادية في مناطق التنظيم.
ويرى الخبراء أن المستوى الإنتاجي والإخراجي لمواد التنظيم الإعلامية يؤكد أن لديه عشرات الموظفين من الخبراء في مجالات التحرير والغرافيك والتصميم والمونتاج، وأجهزة فنية ذات مستوى عال في الدقة والوضوح (HD) مع امتلاك مهارات كبيرة لاستخدامها، مما جعل أفلامه "تستوفي شروط الفيلم الهوليودي"، كما منحه ذلك "نجاحا" في الأسلوب الدعائي.
تنوع إعلامي
يدير التنظيم منذ قيامه شبكة إعلامية متكاملة ومتماسكة، بدءا من إصدار الصحف والمجلات وتأسيس الإذاعات والتفكير في إطلاق التلفزيونات، ومرورا بإنشاء عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي: يوتيوب وفيسبوك وتويتر وإنستغرام وتمبلر، وانتهاء بتطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية (مثل تطبيق "فجر البشائر") والفيروسات المتطورة.
أولا: الإعلام التقليدي
1- إذاعة البيان: وهي أول إذاعة ينشئها التنظيم، يوجد مقرها في مبنى إذاعة الزهور بالموصل (العراق) ولها أبراج في الرقة (سوريا)، وتبث نشراتها وبرامجها على الموجة القصيرة لساكني مناطق سيطرة التنظيم في البلدين وعبر الإنترنت، وتتناول تغطيتها الإخبارية أخبار التنظيم وبياناته بشأن عملياته العسكرية وقراراته الإدارية، كما تبث خطب "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
2- تلفزيون الخلافة: لا يمتلك التنظيم حتى الآن قناة تلفزيونية، ولكن تواترت تقارير إخبارية تفيد بعزمه إطلاق قناة باسم "الخلافة" ستبث موادها عبر الإنترنت على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتستهدف بأخبارها وبرامجها الجمهور على مستوى العالم.
3- مجلة دابق: وهي أول مجلة ورقية وإلكترونية للتنظيم، بدأ صدورها دوريا كل ثلاثة أشهر ثم أصبحت شهرية، وتوزع مباشرة في مناطق سيطرة التنظيم ودوليا عبر البريد الإلكتروني، وقد صدر العدد الأول منها في النصف الأول من يوليو/تموز 2014 عن "مركز الحياة للإعلام" التابعة له. وقد قيل إن التنظيم أخذ اسمها من لفظ ورد في قول النبي محمد (ص): "لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق…. إلخ" (رواه الإمام مسلم).
وتعنى الصحيفة في مجملها بالحديث عن "إنجازات تنظيم الدولة وما قدمه ويقدمه للمسلمين والمشاريع التي يسعى لإقامتها، وتوعية الناس بإقامة شرع الله وحدوده في البلاد، وبقضايا الخلافة الإسلامية وأهميتها وأهدافها ودورها في إحقاق الحق، إضافة إلى شرح وتوضيح أسباب وجوب بيعة الناس ضمن حدود الدولة الإسلامية وخارجها لخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي".
ومن أبرز الأمور التي نشرها موقع المجلة (في 30 ديسمبر/كانون الأول 2014) حوار مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أسره التنظيم بعد إسقاط طائرته في مدينة الرقة شمالي سوريا، قبل أن يبث التنظيم شريطا مسجلا لإعدام الطيار حرقا. كما نشرت المجلة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 صورة قالت إنها للقنبلة البدائية الصنع التي تم بها إسقاط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء بمصر قبل ذلك بنحو ثلاثة أسابيع.
وقد قالت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية في عددها الصادر في 7 يونيو/حزيران 2015 إن تنظيم الدولة يعرض منذ 24 مايو/أيار 2015 "مجلة دابق" بنسختها الإلكترونية باللغة الإنجليزية على موقع أمازون المعروف عالميا، رغم أن المجلة تساعد تنظيم الدولة في تجنيد مقاتلين أجانب من الدول الغربية.
وأوضحت أن أسعار المجلة بين ثمانية و29 دولارا أميركيا للنسخة الواحدة، ويمكن إيصالها إلى المشتري خلال يوم واحد. وأضافت أنها تتناول قضايا إسلامية وأخرى معاصرة وتنشر تقارير إخبارية سياسية واقتصادية ومقالات متنوعة، وأنها تستخدم تقنيات عالية كي تصدر بطباعة فاخرة وبصور ملونة وقد تكون مغلفة على شكل هدية.
ثانيا: الإعلام الإلكتروني
1- المواقع الإلكترونية: وأشهر المواقع التابعة للتنظيم رسميا موقع "وكالة أعماق" الذي ينشر على مدار الساعة أخبار التنظيم السياسية والعسكرية، ويبث تسجيلات مصورة لمعاركه وما يتعلق بها، ورسومات بيانية إخبارية (إنفوغراف) توضح "إنجازاته" الميدانية، وله تطبيق يمكن تنزيله من "متجر غوغل" على أجهزة أندرويد. هذا إضافة إلى مواقع إلكترونية مناصرة مثل "موقع الفرات".
ويتبنى التنظيم منهجية الإغراق المعلوماتي عبر مواقع لا يمتلكها، إذ تعج الأخبار التي تنشرها المواقع المختلفة وتتناول تنظيم الدولة بتعليقات المدافعين عنه. ويقول خبراء إن للتنظيم جيشا إلكترونيا مدربا بشكل جيد ومهمته حماية مواقع التنظيم وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من الإغلاق أو الاختراق.
2- التواصل الاجتماعي: يوظف التنظيم مواقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب وفيسبوك وتويتر وإنستغرام وتمبلر… إلخ) توظيفا شاملا وفعالا للتواصل مع مناصريه واستقطابهم للقتال في صفوفه، أو توظيفهم في خدمة خطته الإعلامية ونشر التغريدات وتنسيق تعميمها، وفي جمع المعلومات الاستخبارية، وتنسيق عمليات الرد على الأصوات والتغريدات المعادية لنشاط التنظيم وأهدافه.
ولا يقتصر استغلال العاملين في إعلام التنظيم لشبكة الإنترنت على نشر رسائل الوعد والوعيد الصادرة من التنظيم، بل يوظفها لفهم حاجات متابعيه واستشارتهم وقياس وتحليل ردود فعلهم، وبناءً عليه يطور إستراتيجياته وأساليب عمله.
وهم على دراية كبيرة بوسائل التواصل الاجتماعي وكيف يتم استغلالها، وتفاوت استخدام هذه الوسائل بحسب الأوساط الاجتماعية، فهم مثلا يستخدمون تويتر في الخليج بينما يوظفون فيسبوك في سوريا، كما يستغلون في أميركا تويتر أكثر من فيسبوك لأن انتشار الأول هناك أقوى من الثاني.
وقد دفع استخدام التنظيم الواسع والمنظم لمواقع التواصل الاجتماعي مجلة ديرشبيغل الألمانية إلى قولها (نوفمبر/تشرين الثاني 2014) إن تنظيم الدولة هو المنظمة الأولى من نوعها التي تعي وتدرك أهمية هذه المواقع.
فعلى سبيل المثال يستقطب التنظيم على موقع تويتر عددا هائلا من المغردين، ويقدر مراقبون غربيون حساباته على هذا الموقع بـ12 ألف حساب تويتر. ويستخدم مغردوه الوسوم (الهاشتاغات) الأكثر رواجا على تويتر لبث دعاياته، كما حدث عندما استغلوا وسم (هاشتاغ) كأس العالم في البرازيل عام 2014 (#Brazil2014) في التغريد برسائل رآها كل متابع لذلك الوسم حتى ولو لم يكن مؤيدا للتنظيم.
هذا إلى جانب إنتاج تطبيقات وفيروسات تستخدم -بمجرد تحميلها على الأجهزة الذكية- حسابات تويتر للإرسال التلقائي، وقد نجح بعضها في إطلاق تغريدات وصل عددها إلى أربعين ألف تغريدة في يوم واحد، وهو رقم قياسي لم يسجل من قبل.