التغير المناخي.. ظواهر طبيعية وأنشطة بشرية تهدد كوكب الأرض
التغير المناخي اضطراب في مناخ الأرض مع ارتفاع في درجة حرارة الكوكب، وتغير كبير في الظواهر الطبيعية، وتدهور مستمر للغطاء النباتي وللتنوع البيئي، وظهور أنماط مناخية جديدة، إما نتيجة ظواهر طبيعية كالتغيرات في نشاط الشمس والانفجارات البركانية، أو أنشطة بشرية صناعية، مما يؤثر على انتظام حرارة الأرض وتعاقب وتوازن الظواهر البيئية، ويهدد صحة الإنسان.
كيف يتغير المناخ؟
يبدأ الأمر عند وصول طاقة الشمس إلى كوكبنا، الذي يحرسه النظام المناخي ويتحكم في الطاقة الداخلة إليه وتلك الخارجة منه، وهذا ما يحدد "توازن طاقة الأرض"، وعندما تستقبل الأرض طاقة حرارية أكثر مما تصدره لخارجها، يؤدي ذلك إلى احترار الكوكب.
وبالمقابل عندما تصدر الأرض طاقة حرارية أكثر مما تستقبله من الشمس، يزيد ذلك من برودة الأرض، وهكذا يتحدد الطقس بشكل أساسي، ويقاس التغير المناخي خلال فترات طويلة، لذا فالآثار الناتجة عن تغيره خطيرة ومدمرة وواسعة النطاق.
الأسباب
إن ارتفاع درجة حرارة الأرض وتبدل مناخها ظاهرة طبيعية في أصلها، فقد عرفت الأمم عبر التاريخ أزمات مناخية مثل نوبات الجفاف الحادة والفيضانات العارمة والأمطار الطوفانية، إلا أن تفاقم تقلبات المناخ وفجائيتها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين يعود في جوهره إلى النشاط الصناعي.
ومع ذلك فلا بد من إبراز حقيقة أن الاحتباس الحراري ظاهرة طبيعية في أصلها وضرورية لحفظ توازن حرارة الأرض بما يُمكن من استمرار الحياة عليها، بيد أن النشاط الصناعي يحفز هذه الظاهرة بشكل زائد ومن ثم يكون مدمرا.
عوامل طبيعية
تؤثر عدة عوامل طبيعية على التغير المناخي، أبرزها:
- البعد والقرب عن البحر: فالمناطق الساحلية جوها دافئ أكثر من البعيدة عنها، وفي اليابسة يكون الجو جافا ودرجات الحرارة عالية.
- تيارات المحيط: إذ تؤثر تيارات الكتل المائية في المناخ عبر تبادلها الطاقة مع الغلاف الجوي.
- اتجاه الرياح: فالرياح الآتية من البحار تجلب معها الأمطار، أما القادمة من اليابسة والمناطق الحارة فتجلب معها الجو الحار، والآتية من المناطق الباردة تجلب معها البرودة.
- شكل اليابسة: فالمرتفعة تزداد فيها نسبة هطول الأمطار بسبب برودة الهواء.
- البعد والقرب عن خط الاستواء: فكلما ابتعدنا عنه وصلت أشعة الشمس إلى سطح الأرض بزوايا منخفضة، مما يزيد من برودة الطقس.
- ظاهرة النينو: وتؤثر على الرياح والشلالات، ويمتد تأثيرها إلى أرجاء واسعة من المحيطين الهندي والأطلسي في شكل أمطار وفيضانات في مناطق، وجفاف وارتفاع في معدلات الحرارة بمناطق أخرى. وتسببت هذه الظاهرة بالضباب الدخاني في إندونيسيا، وأعاصير كثيرة في فلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية، وحرائق الغابات في البرازيل.
عوامل بشرية صناعية
ومن الأنشطة الصناعية التي أثرت على التغير المناخي سلبا، حرق الإنسان الفحم والخشب والنفط والغاز (الوقود الأحفوري) وغيرها، وإطلاقه كميات هائلة من المركبات الكيميائية السامة إلى الجو مثل ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وأكاسيد الكبريت، وهذه الغازات تعتبر غازات ثقيلة، فتبقى في النطاق السفلي للغلاف الغازي للأرض.
إضافة إلى الزحف العمراني واستمرار البشر في قطع الأشجار، مما أدى إلى زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، مع التلوث البري والجوي والبحري.
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى الاستدلال بمركزية دور الغازات الدفيئة في المس بانتظام الدورة الطبيعية لمناخ الأرض، مع ما يترتب على ذلك من اضطرابات مختلفة مثل اضطراب فترات تساقط الأمطار، وتفاوت معدلاتها بين شمال وجنوب الأرض بشكل حاد.
وفي هذا الصدد تُشير دراسات إلى أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ 350 جزيئا في اللتر بنهاية القرن العشرين (الطبيعي 250 جزيئا في المليون)، في حين ظلت خلال مائة ألف سنة من تاريخ الأرض تتراوح بين 200 و280 جزئيا في اللتر، كما أن تركيز غازات أخرى مثل الميثان تضاعف هو الآخر في الفترة نفسها.
وتعتبر الولايات المتحدة على رأس الدول الصناعية الكبرى في زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، فهي تنتج منه 39.4% حسب إحصائية لعام 2004.
مظاهر التغيرات المناخية
كثيرة هي مظاهر التغيرات المناخية، ولعل أبرزها تبدل فصول السنة وانزياحها بشكل مستمر مع ما يعنيه ذلك من تبدل في معدلات الحرارة وفي التساقطات المطرية، فمثلا خلال صيف 2014 شهدت أرجاء من شمال الكرة الأرضية فيضانات رغم أن الفترة فترة جفاف في العادة، كما خيمت موجات من البرد الشديد رغم أن الفترة معهودة بحرارتها.
نلمس مظاهر التغيرات المناخية كذلك في ارتفاع معدلات المحيطات، إذ تُشير دراسات حكومية ودولية إلى أن كثيرا من المدن الشاطئية يتهددها الغرق، وحذرت منظمة الأمم المتحدة عام 2013 من أن جزر المالديف مهددة بالزوال، وقبل ذلك بعقد من الزمان، وإثر تسونامي 2004 في آسيا، أثارت دراسات أخرى المخاطر المحدقة بسريلانكا في حال تعرضها لتأثير المد البحري (تسونامي).
وأشار باحثون إلى أن معدل مياه البحر والمحيطات ارتفع بـ12 سنتمترا منذ 1880، وأرجعوا الجزء الأكبر من هذا الارتفاع إلى التأثير الحراري.
من مظاهر التغير المناخي الجديرة بالملاحظة انهيار وذوبان جبال الجليد في القارة القطبية الجنوبية وفي غرينلاند وغيرهما من مناطق القطبين. وقد بينت دراسات عديدة وصور الأقمار الصناعية تآكل كميات الجليد المتكدسة فوق قمة كلمنجارو في كينيا بأكثر من النصف مقارنة بما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي.
الانعكاسات والأخطار
لا جدال في الأثر المدمر للتغيرات المناخية، فقد شهدت الأرض خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الـ21 ظواهر مناخية لم تشهدها من قبل في عنفها وتدميرها.
ومكمن الخطر أن هذه الظواهر (براكين وفيضانات وأمطار غزيرة وأعاصير..) تقضي لدى مرورها على آلاف الأنواع من النباتات والحيوانات الدقيقة، وهو ما يمس بشكلٍ مدمر دورة حياة الأرض والتنوع البيئي.
التأثير على البيئة البحرية
وللتغيرات المناخية تأثير مدمر على البيئة البحرية، فالمد البحري (تسونامي) يُدمر البيئة البحرية بشكل شامل، والبيئة البحرية معروفة بهشاشتها وبالمدة الطويلة التي تحتجاها للتجدد.
وأبرز ما يتأثر الشعاب المرجانية والغابات المدارية، وهي من أهم الموائل على ظهر الأرض ومن أكثرها عطاء للإنسانية، تتبع ذلك زيادة معدلات انقراض الكائنات الحية وهي نتيجة مباشرة لتدمير مثل هذه الموائل وعدم قدرة الكثير من كائناتها على التأقلم مع التغيرات الجديدة.
كما أنّ تغير حرارة كوكب الأرض يُؤثر بشكلٍ حاد على الغلاف الجوي على مستوى المحيطات كما اليابسة، وقد أشارت دراسات إلى أن ما بين 20% و40% من الشعب المرجانية في العالم مهددة بعوامل عدة أبرزها التغيرات المناخية.
أزمات غذائية وصحية
نجد انعكاسات التغير المناخي في تلوث الهواء، وفي الأزمات الغذائية الناتجة عن عدم انتظام المحاصيل وتأثر الزراعة بالظواهر المناخية الفجائية.
كما نجدها على المستوى الديمغرافي، فقساوة الطبيعة تُهجر الملايين عبر العالم وتتسبب في أزمات صحية متواترة، وينشأ عنها ما يعرف بالهجرة المناخية.
ارتفاع ثاني أكسيد الكربون
ويكمن خطر ثاني أكسيد الكربون في تسميمه الكائنات الحية، وبقائه قريبا من سطح الأرض فيغلفها تغليفا، ويمنع انتشار الحرارة، إذ يمتص الأشعة تحت الحمراء ويمنع تشتتها من سطح الأرض، مما يؤدي إلى رفع درجة الحرارة، ويؤثر على طبقة الأوزون ويوسع ثقبها، وهو ما يتسبب في انصهار الجليد.
ويؤدي انصهار الجليد إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، ويتسبب ذلك بدوره في إغراق أغلب الجزر، ودلتات الأنهار، والمناطق الشاطئية والقريبة من الشاطئية التي تضم أراضي زراعية ومناطق آهلة بالسكان.
ارتفاع درجة حرارة الأرض
يعد ارتفاع حرارة الأرض واحدا من أوضح وأخطر انعكاسات التغيرات المناخية. فبعض أرجاء الكوكب لن تكون صالحة للسكن في العقود القادمة بسبب ارتفاع معدل حرارة الأرض. وأبرز ما يتسبب به ارتفاع درجة حرارة الأرض:
- زيادة معدل انتشار الأمراض والأوبئة المستوطنة: مثل الملاريا وحمى الضنك والتيفوئيد والكوليرا بسبب هجرة الحشرات والدواب الناقلة لها من أماكنها في الجنوب نحو الشمال، وكذلك بسبب ارتفاع الحرارة والرطوبة ونقص مياه الشرب النظيفة، مما يزيد من خطر الوفيات.
- زيادة نسبة الأراضي القاحلة وانخفاض الإنتاجية الزراعية: وهي نتيجة مباشرة لزيادة نسبة الجفاف وتأثر عدد كبير من المحاصيل الزراعية سلبا بتغير درجة الحرارة والمناخ.
- تغير أنماط الأمطار والثلوج وتيارات المحيطات: وارتفاع ملوحة وحموضة مياه البحر، وما يتبع ذلك من زيادة موجات الجفاف وحرائق الغابات وحدة العواصف وغير ذلك.
مجاعات وكوارث
زيادة معدلات سقوط الأمطار الغزيرة وارتفاع منسوب البحار بتأثير التغيرات المناخية وشح الموارد المائية سيجعل المدن الكبرى في المناطق الصناعية أو قرب السواحل في بعض أجزاء الكرة الأرضية مهددة بكوارث مدمرة.
وسيؤدي النقص الكبير في مياه الري والشرب إلى خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية خاصة في الدول النامية، وإلى انتشار المجاعات على نطاق واسع وارتفاع أعداد المصابين بالأعراض القاسية لسوء التغذية.
والكوارث الطبيعية يترتب عليها تهديد وجود بعض الدول النامية من الأساس، وتدفق موجات هجرة ولجوء عالمية غير مسبوقة، واندلاع الحروب نتيجة الخلافات على توزيع حصص المياه وتقسيم الأراضي الخصبة.