الدروع البشرية.. تعريفها ونشأتها وأشكالها
مصطلح عسكري قانوني يعني استخدام مجموعة من الناس -مدنيين أو عسكريين- بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب (مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور…)، وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشآت المراد حمايتها.
قد يأخذ الدرع البشري أشكالا أخرى، منها -مثلا- وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، كما يُصنف في خانة الدروع البشرية تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين.
ويعد حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، ومن ثم تحظر مجموعة متنوعة من القوانين استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.
تعريفات أخرى
الدرع في اللغة سلاحٌ يَدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تُمسك من وسطها باليد، وتُدفع بها النصال. وقد سميت الدروع البشرية كذلك لأنها تقوم بدور الدرع التقليدية في حماية صاحبها، لكن الفرق شاسع من الناحية الأخلاقية؛ فالدرع التقليدية لها من المناعة ما يَرد ضربة العدو ويَتكسر عليه سيفه، أما الدرع البشرية فالمانع من ضربها أخلاقي صرف.
ويعرفه القانون الدولي بـ"وضع الأعيان العسكرية (المقاتلين أو العتاد) والمدنيّين في الموقع نفسه بصورة متعمّدة بقصد ردع أو منع مهاجمة تلك الأعيان تحديدا".
وتعني أيضا "استخدام أشخاص يحميهم القانون الدولي الإنساني كأسرى الحرب أو المدنيين لردع هجمات على المقاتلين أو على المواقع العسكرية".
ولا يقتصر مفهوم الدروع البشرية على استعمال المدنيين دروعا بشكل مباشر، وإنما أيضا "لو شن أحد أطراف النزاع عمليات عسكرية من داخل مواقع مدنية مثل المدارس والمستشفيات والأماكن الدينية والأحياء المدنية، لأن ذلك يعني حتمية تحول المدنيين إلى دروع بشرية".
النشأة
الدروع البشرية قديمة قدم الحروب، وقدم المواقف غير الأخلاقية فيها، لكنَّ أقدم وقائع عسكرية ذُكرت فيها تعود للقرن الـ18، فقد استخدمت القوات البريطانية-الأميركية بعض اليسوعيين -الذين كانوا أسرى لديها- دروعا بشرية في هجومها على قلعة "شامبيلي" الخاضعة للجيش الفرنسي في منطقة كبيبك بكندا.
ومع تقدم القوات المهاجمة امتنعت الحامية الفرنسية في "شامبيلي" عن إطلاق النار، واكتفت القوات الأميركية-البريطانية بضرب حصار على القلعة لتبدأ مفاوضات انتهت بمغادرة آخر جندي فرنسي لأميركا الشمالية في أواخر 1760.
وشهدت الحرب العالمية الثانية هي الأخرى استخدام الدروع البشرية على نطاق واسع، ومن أمثلة ذلك ما حصل عام 1940 عندما استخدمت القوات الألمانية مئات المدنيين والأسرى دروعا بشرية لتغطية تقدم مدفعيتها على قاطع "بيفري لي بيتين" في منطقة كالي. وخلال انتفاضة وارسو لم يتردد الجيش الألماني في استخدام مئات المدنيين وأسرى الحرب دروعا بشرية في مواجهة الانتفاضة.
أنواع الدروع البشرية
قانونيا، هناك نوعان من الدروع البشرية، طوعية وغير طوعية، وينطبق التصنيف الأول على المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيّمة لديهم، أما الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه.
- دروع طوعية
قد يكون المشاركون في تشكيل الدرع البشرية مجبرين على ذلك، وهو ما يتناوله القانون الدولي بالحظر الصريح، لكن الدرع البشرية قد تُقام بناء على عملية تعبوية تستحث الحس الوطني المتقد أصلا في أوقات الحرب؛ ففي يوغسلافيا -مثلا- تجمع عشرات الآلاف منعا لطيران حلف شمال الأطلسي من استهداف منشآت حساسة في بلغراد أثناء حملته ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999.
ومن أشكالها أيضا السلاسل التطوعية، وهي عندما تتفق جماعة من المدنيين لحماية مدنيين آخرين من استهدافهم، كما فعلت منظمة حاخامات لحقوق الإنسان عام 2003 حماية للمزارعين الفلسطينيين خلال حصادهم الزيتون من هجمات المستوطنين.
وفي العراق، انتظم متطوعون قدِموا من مختلف أرجاء العالم في دروع بشرية خلال الحملة الدولية على العراق بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 1991، والتي كان هدفها طرد قواته من الكويت. كما لجأ نظام العقيد اللبي الراحل معمر القذافي إلى إقامة دروع بشرية خلال حملة فجر الأوديسا التي نفذتها قوات غربية وعربية منعا لوصول الجيش الليبي إلى بنغازي بعد تفجر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
- دروع غير طوعية
دأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية خلال المواجهات مع الشبان في نوبات التوتر والانتفاضة، وكذلك في المواجهات المسلحة مع المقاومة الفلسطينية. ووثقت كاميرات الإعلام الدولي أكثر من مرة مشاهد فظيعة يَسير فيها جنود الاحتلال متمترسين خلف شبان وأحيانا مراهقين فلسطينيين.
وخلال الغزو الأميركي للعراق في 2003، اتُهم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بتخزين كميات كبيرة من السلاح وسط الأحياء السكنية حماية لها من القصف الجوي.
وخلال عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، اتهم الاحتلال حزب الله بنصب بطارياته العسكرية داخل الأحياء المدنية، وهي التهمة نفسها التي يُوجهها دائما للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
موقف القانون الدولي الإنساني
يمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة 7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية.
ويعد حظر استخدام المدنيين دروعا بشرية جزءا من القانون العرفي، لكن رغم وروده في عدة اتفاقيات ملزمة لموقعيها، تطالبهم باتخاذ تدابير لحماية المدنيين والمنشآت المدنية، يعد إثبات الانتهاك قانونيا أمرا صعبا.
وإذا لجأ طرف ما في الحرب إلى استخدام الدروع البشرية، فإن الطرف المهاجم يبقى ملزما بموجب القانون الدولي الإنساني بالتمسك بمبادئ الاحتياط والتناسب، أي أن على الطرف المهاجم أخذ كل تدابير الاحتياط التي من شأنها تقليل عدد الضحايا المدنيين، ويجب أن تكون الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم متناسبة مع قوة الهجوم التدميرية وحصيلة الأرواح الناتجة عنه.
وإن وجد الطرف المهاجم أن العملية العسكرية قد يفوق ضررها فائدتها فيجب عليه وقفها وتصبح الهجمة محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويعني ذلك أنه في حين أن استخدام الدروع البشرية محظور، فمن الممكن لهجمة أن تكون قانونية إذا ما كانت متناسبة.
يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تُميز -في كل وقت- بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم بموجب مبدأ التناسب، ومن هذا المنطلق يَفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنَّهم لم يعودوا طرفا في القتال.
إلا أن القانون الدولي الإنساني يُميز بين اعتقال العسكري الذي تكفي صفته لاعتقاله طيلة فترة الحرب، في حين لا يحق أسر المدني، أما اعتقاله فلا يكون مبررا إلا في ضوء أنشطة ضارة يقوم بها، كتقديم معلومات للعدو أو تنفيذ عمليات لصالحه. ومن هنا يبرز إشكال استمرار تعرض المدني للاعتقال لا لشيء إلا استخدامه في الدروع البشرية.
وتنص مواد القانون الدولي على حماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال تضر بالعدو، ولكنه لا يوضح ما إذا كان جعل المدنيين من أنفسهم دروعا بشرية طوعية يعد مشاركة مباشرة في النزاع.
محطات تاريخية
خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914 استخدم الألمان بلجيكيين مدنيين دروعا بشرية في معارك برية خاضوها ضد الحلفاء.
وقيل إن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لجأ خلال عزو العراق للكويت عام 1990 إلى استعمال رعايا الدول الغربية لردع دولهم من المشاركة في تحالف دولي ضد العراق.
كما اتهم نظام صدام حسين أيام الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بتخزينه كميات كبيرة من الأسلحة وسط الأحياء السكنية لحفظها من القصف الجوي.
وفي الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، استخدمت القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية في نحو 1200 مناسبة، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
وجعلت إسرائيل استخدام الدروع البشرية سياسة حربية معلنة من وقتها، وكان أفراد جيش الاحتلال يقتحمون البيوت عشوائيا ويجبرون ساكنيها على مساعدتهم في تحقيق أهدافهم العسكرية.
ومن الأمثلة على ذلك إجبار الإسرائيليين للفلسطينيين على دخول بيوت الملاحقين للتأكد من وجودهم، ودخول المباني المشتبه بأنها مفخخة، وجعلهم درعا في وجه جماهير الفلسطينيين الغاضبة لردع الطلقات أو الحجارة في اتجاههم، والاختباء وراء ظهورهم وإطلاق النار، وحبسهم في البيوت التي اقتحمها الجيش واتخذها مقرا لمنع المقاومة من الهجوم، وغصبهم على التقاط بعض الأشياء من الشوارع المشتبه بأنها مفخخة.
وفي حرب غزة 2008-2009 اتهمت منظمة العفو الدولية ومنظمة "كسر الصمت" إسرائيل باستخدام المدنيين والأطفال دروعا بشرية؛ لحماية تمركز القوات أثناء التوغلات في قطاع غزة، وللسير أمام الآليات العسكرية عند اقتحام منزل يُعتقد أنه مفخخ.
وفي الحرب على غزة عام 2014 اتهم مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إسرائيل بالاستمرار في استخدام الأطفال الفلسطينيين دروعا بشرية، وإجبارهم على العمل مرشدين.
وخلال حرب لبنان 2006 اتهمت إسرائيل حزب الله باستخدام المدنيين دروعا بشرية لحماية أماكن إطلاق الصواريخ، لكن تحقيقا لهيومن رايتس ووتش أكد أن المدنيين لم يجبروا على التواجد في المنطقة.
وخلال الحرب في ليبيا تطوع مدنيون موالون للقذافي ليكونوا دروعا بشرية في مناطق حظر الطيران حماية لمقر زعيمهم والمطارات الليبية.
وخلال الثورة السورية، اتهمت المعارضة نظام الرئيس بشار الأسد باستخدام المدنيين دروعا بشرية خلال تقدم قواته في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة السورية، كما اتهم التحالف الدولي في العراق تنظيم الدولة الإسلامية باستخدام النساء والأطفال دروعا بشرية لتفادي الغارات.
حجة إسرائيل لقتل المدنيين
بعد معركة طوفان الأقصى التي شنتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات غلاف غزة، ردت إسرائيل بعدوان قتلت فيه ما يزيد عن 35 ألفا خلال 8 أشهر، وارتكبت مجازر في مناطق مدنية منها مستشفيات ومدارس، وتذرعت بأنّ "الدمار الحاصل ليس متعمدا، ولا مفر منه"، وقالت إن حماس تستخدم دروعا بشرية وتنتشر بين السكان المدنيين وتمارس أنشطتها على الدوام من منشآت مدنية، حسب الرواية الإسرائيلية.
ولم تكن إسرائيل الطرف الوحيد الذي تبنى هذه المزاعم، بل باتت حجة تتمسك بها أميركا، ومن النقاط الأساسية التي تتبناها في خطابها السياسي، بداية من الرئيس الأميركي جو بايدن، وأعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي وصحافيين ومحللين سياسيين ومعلقين أميركيين.
وخلال عدوانها على غزة، بررت إسرائيل هجومها على مستشفى الشفاء، بالقول إن فيه مقرا لقيادة حماس، وبأن الحركة استخدمت المدنيين فيه دروعا بشرية، ولكن وبعد دخول الجيش الإسرائيلي للمشفى، لم تقدم إسرائيل حججا مقنعة تبرر الهجوم وقصف المدنيين داخل المستشفى وقتلهم.