جاستن ترودو مُعلم قاد الحكومة الكندية عشر سنوات
مدرس وسياسي كندي، ولد عام 1971 في أوتاوا، وعمل معلما قبل أن يتجه للسياسة. انتخب لعضوية البرلمان عام 2008 مرشحا عن الحزب الليبرالي الكندي، ثم زعيما له عام 2013، قبل أن يفوز برئاسة الحكومة في الانتخابات العامة عام 2015.
واجه في فترة رئاسته للحكومة تحديات داخلية وخارجية، أبرزها خلافه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتوترات بين بلاده وحكومتي الهند والصين، كما تراجعت شعبيته نتيجة للتحديات الاقتصادية والخلافات السياسية في البلاد، وانتهت به هذه الأزمة إلى إعلان استقالته من رئاسة الحكومة والحزب الليبرالي في 6 يناير/كانون الثاني 2025.
المولد والنشأة
وُلد جاستن بيير جيمس ترودو يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1971، في العاصمة الكندية أوتاوا، لعائلة عاشت في صلب السياسة، فوالده بيير ترودو تولى رئاسة الوزراء أربع فترات بين عامي 1968 و1984، وجده كان وزيرا للثروة السمكية في حكومة لويس سانت لوران (1948-1957).
وجاستن هو أكبر أبناء بيير الثلاثة، وتربى في كنف أبيه، بعد انفصال والديه وهو في السادسة من عمره. ومنذ صغره أجاد اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
تزوج جاستن ترودو عام 2005 من صوفي غريغوار، وأنجبا 3 أطفال هم إيلا غريس وزافير وهادريان، لكنهما انفصلا في أغسطس/آب 2023.
الدراسة والتكوين العلمي
درس ترودو في كلية جان دي بريبوف، وهي مؤسسة مسيحية خاصة تدرس اللغة الفرنسية، ثم التحق بجامعة ماكغيل وحصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي عام 1994.
عمل مدربا للتزلج على الجليد في أثناء دراسته بجامعة كولومبيا البريطانية في كندا، والتي حصل منها على بكالوريوس في التعليم عام 1998.
وبين عامي 2002 و2004 درس الهندسة في جامعة مونتريال، لكنه قرر تركها وبدأ دراسة الجغرافيا البيئية في جامعة ماكغيل لكنه أوقف دراسته بعدما انخرط في الحياة العامة والعمل السياسي.
تجربته العملية
بدأ ترودو العمل معلما للغة الفرنسية في المدارس الثانوية، والرياضيات في المدارس الابتدائية في مدينة فانكوفر الكندية، بعد إكماله دراسته في جامعة كولومبيا.
وعمل لاحقا في محطة إذاعية بمدينة مونتريال، وشارك في مسلسل تلفزيوني قصير بعنوان "الحرب العظمى" عُرض عام 2007. وكان أيضا ناطقا باسم جمعية الحدائق البرية الكندية.
وقبل دخوله الحياة السياسية، شغل ما بين عامي 2002 و2006 منصب رئيس مجلس إدارة منظمة "كاتيمفيك" للعمل التطوعي للشباب، التي أسسها والده عام 1977.
كما كان عضوا في مجلس إدارة مؤسسة كندا للانهيارات الثلجية وناشطا في مجال حقوق الشباب وحماية البيئة، ومتحدثا تحفيزيا للشباب في المؤتمرات والفعاليات في جميع أنحاء البلاد.
تجربته السياسية
عُرف ترودو منذ صغره بدعمه الحزب الليبرالي الكندي الذي قاده والده سنوات، إذ دعم وهو في مرحلته الثانوية زعيم الحزب جون تيرنر في الانتخابات العامة عام 1988.
وفي عام 2000، ألقى ترودو خطابا مؤثرا في مراسم تأبين والده بيير، وعلق رئيس الحكومة الكندية جان كريتيان مرحبا به في الحزب الليبرالي.
وبعد أن أقنعه زعيم الحزب الليبرالي ستيفان ديون بالترشح للبرلمان، قاد ترودو عام 2008 حملته الانتخابية وفاز بمقعد عن دائرة بابينو الانتخابية في مدينة مونتريال، وأعيد انتخابه مرات عدة.
وفي عام 2013، فاز ترودو بزعامة الحزب الليبرالي الكندي بعد حملة انتخابية قوية، إذ حصل على نسبة 80% من الأصوات في انتخابات شارك فيها أكثر من 100 ألف عضو.
وصفه المحافظون الكنديون بأنه شخص "ذو وجه جميل واسم شهير، لكنه لا يملك عمقا فكريا، وغير مستعد لقيادة كندا". على الرغم من ذلك بدأ يُجهز لخوض معركته في الانتخابات العامة عام 2015.
وفي أوائل أغسطس/آب 2015، بدأ حملته الانتخابية لرئاسة حكومة البلاد، واستطاع الفوز في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه على منافسيه ستيفن هاربر رئيس الوزراء حينئذ وزعيم حزب المحافظين، وتوم مولكير زعيم الحزب الديمقراطي الجديد آنذاك.
وحصل الليبراليون في الانتخابات عامها على 39.5% من إجمالي الأصوات، بينما حاز المحافظون على نحو 32%، والديمقراطيون على نحو 20% من الأصوات.
رئيسا للحكومة
أدى جاستن ترودو اليمين الدستورية رئيسا للوزراء في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 باعتباره ثاني أصغر رئيس للحكومة سنا في تاريخ كندا بعد "جو كلارك".
وتصدر ترودو عناوين الصحف بعد أن قرر تعيين النساء في نصف المناصب الوزارية، تنفيذا لوعده في الانتخابات بتشكيل حكومة متوازنة بين الجنسين.
وفي العامين الأولين من حكومته، استقبلت البلاد أكثر من 40 ألف لاجئ سوري، وخفّض معدل الضريبة على الدخل الشخصي للمنتمين للطبقة الوسطى، بينما زادت على الكنديين الأثرياء.
وشجعت حكومة ترودو المقاطعات الكندية على تنفيذ تدابير لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأُدخلت عام 2019 الضريبة الفيدرالية على الكربون.
إضافة لذلك، شرّعت حكومة ترودو ما يعرف بـ"القتل الرحيم" في ظروف معينة، وقننت تداول الماريخوانا، ونفذت إستراتيجية للإسكان الوطني في عشر سنوات بتكلفة بلغت 55 مليار دولار كندي.
وأطلقت حكومته تحقيقا بشأن قضية النساء والفتيات المختفيات والمقتولات من السكان الأصليين، وأُصدرت تقريرا عام 2019 أشار إلى أن الشرطة والمدعين العامين كانوا غير مبالين بالجرائم التي حدثت مطلع القرن الحادي والعشرين. وقال ترودو حينئذ إن الحكومة تقبل نتائج المفوضين بالتحقيق، قائلا إن ما حدث يعد "إبادة جماعية".
وزاد ترودو التمويل لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية في مجتمعات السكان الأصليين، غير أنه واجه انتقادات بسبب استمرار مشاريع أنابيب النفط التي تعارضها بعض هذه المجتمعات.
وعمل ترودو على إصلاح مجلس الشيوخ الكندي في أول عملية من نوعها منذ العام 1965، وشكّل مجلسا استشاريا يوصي بتعيين أعضاء المجلس بناء على الجدارة.
وواجهت حكومة ترودو عجزا ماليا كبيرا، وفشلت في تحقيق توزان الميزانية الفدرالية قبل انتخابات عام 2019، وفشلت في إصلاح نظام الرواتب الفدرالي الجديد للموظفين، الذي بدأ العمل به عام 2016.
رغم ذلك، استطاع أن يحافظ على منصبه رئيسا للوزراء في الانتخابات العامة عام 2019، والانتخابات المبكرة التي دعا إليها عام 2021، بعد التحديات التي واجهتها كندا في سعيها للتعافي من آثار وباء كورونا.
علاقاته الخارجية
عقب تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه عام 2016، شهدت العلاقة بينه وبين ترودو توترا واختلافات سياسية، بعد تهديد ترامب الأخير بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الموقعة عام 1994.
وبعد توقيع الرئيس الأميركي على أمر تنفيذي عام 2017 يحظر على جميع اللاجئين طلب اللجوء من أميركا مدة 120 يوما، ويمنع دخول بعض مواطني دول عربية وأفريقية مدة 90 يوما، رد ترودو بأن "الكنديين سيرحبون بكل أولئك الفارين من الاضطهاد والإرهاب والحرب بغض النظر عن معتقداتهم"، وأضاف "التنوع هو قوتنا".
وعلى الرغم من توقيع كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك اتفاقية التجارة الحرة عام 2018، إلا أن الخلافات ظلّت بينهما بشأن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم الكندي.
وحدثت أزمة سياسية بين الطرفين بعد وصف ترامب لترودو بأنه "غير صادق" عقب قمة مجموعة السبع عام 2018. لكن ترودو حرص على الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة.
كما عُرف ترودو بأنه من أبرز الداعمين لأوكرانيا في حربها ضد روسيا عام 2022، وأبدت حكومته التزاما قويا بمساعدة الأوكرانيين عسكريا وإنسانيا.
وقدمت كندا مساعدات مالية ضخمة لأوكرانيا، شملت دعم اللاجئين الأوكرانيين، وتوفير الأسلحة والمعدات الدفاعية. غير أنه تعرض لانتقادات داخلية بخصوص تكلفة هذا الدعم على الاقتصاد الكندي.
وأثار موقف ترودو بشأن الحرب على قطاع غزة الجدل، بعد إظهار حكومته الدعم الواضح لإسرائيل، وإدانتها للعمليات التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
كما توترت علاقات حكومة كندا مع كل من الهند والصين، بعد خلافات سياسية وأمنية بينهم. وفي عام 2022 اتهم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ترودو بتسريب حديث خاص جرى بينهما في قمة مجموعة العشرين.
وتصاعدت الخلافات مع الهند عام 2024، بعد اتهام حكومة ترودو حكومة ناريندرا مودي بتورطها في مقتل زعيم سيخي كندي من أصول هندية في الأراضي الكندية.
استقالته
تراجعت شعبية جاستن ترودو والحزب الليبرالي الحاكم بعد اعتباره المسؤول عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، وأزمة الإسكان والخدمات العامة.
وأثارت استقالة مفاجئة لنائبته ووزيرة المالية في حكومته كريستيا فريلاند، في ديسمبر/كانون الأول 2024، خلافات بشأن كيفية مواجهة البلاد للأزمة الاقتصادية مع أميركا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي 6 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن ترودو استقالته من منصبه رئيسا للحكومة وللحزب الليبرالي، وقال في خطاب بالمناسبة إن "هذا البلد يستحق خيارا حقيقيا في الانتخابات المقبلة، لقد أصبح واضحا لي أنه إذا كان عليّ أن أخوض معارك داخلية لا يمكنني أن أكون رئيسا للحكومة".