نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
اعتُمد نظام روما الأساسي عام 1998 ودخل حيّز التنفيذ عام 2002، وتأسست بذلك أول محكمة جنائية دولية دائمة، وذلك بعد جهود استمرت عقودا طويلة.
مخاض عسير
اعتُمد "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" يوم 17 يوليو/تموز 1998 بالعاصمة الإيطالية روما، ليتوج جهودا استمرت طويلا بهدف إقامة كيان دولي مستمر يتولى مهمة المحاسبة على ما تشهده الحروب والنزاعات المختلفة من انتهاكات واضحة للحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي للإنسان.
بدأت الجهود في ظل عصبة الأمم عام 1920 عبر تشكيل لجنة قانونية لإعداد مشروع لإقامة محكمة دائمة للعدل الدولية، ثم تواصلت مع عقد مؤتمر دولي في جنيف عام 1937 شهد إبرام اتفاقية لإنشاء محكمة جنائية دولية، لكن معارضة بريطانيا وروسيا أدت إلى إفشال المشروع.
استؤنفت الجهود في ظل الأمم المتحدة ابتداء من عام 1946 وعلى فترات متفاوتة، حتى شهد عام 1989 قيام لجنة القانون الدولي بمناقشة طبيعة المحكمة الجنائية الدولية المقترحة والأحكام ذات الصلة باختصاصها وقواعد الإجراءات التي يتعين اتباعها أمامها.
ثم قامت اللجنة عام 1996 بتحديد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وهي العدوان، وجرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم ضد موظفي الأمم المتحدة، وأخيرا جرائم الحرب.
في الأثناء، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1995 إنشاء اللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة، في حين شهد عام 1998 التطور الأبرز عندما تم عقد مؤتمر روما الذي شهد الاتفاق على بنود الاتفاقية المنشئة للمحكمة فيما عرف بنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك يوم 17 يوليو/تموز من ذلك العام.
رفض أميركي
وشارك بأعمال المؤتمر وفود تمثل 160 دولة فضلا عن منظمات دولية وأخرى غير حكومية، وحظي نظام روما بموافقة 120 دولة مع امتناع 21 دولة عن التصويت، ومعارضة سبع بينها الولايات المتحدة التي أصرت على أن يكون لمجلس الأمن هيمنة على الادعاء بالمحكمة، كما رفضته إسرائيل لاعتباره الاستيطان جريمة حرب، ورفضته كذلك الصين والهند.
خلال صياغة نظام روما الأساسي طالبت الولايات المتحدة أن يكون عمل المحكمة خاضعا لسلطة مجلس الأمن الدولي الذي تحظى فيه بحق النقض (الفيتو) غير أن مؤتمر روما رفض ذلك.
بادر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى التوقيع على نظام روما يوم 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2000، غير أن خلفه جورج بوش الابن ألغى ذلك التوقيع في مايو/أيار من عام 2001، ودشن حملة عالمية ضد المحكمة، انتهت بالفشل.
سلم عالمي
يتكون نظام روما من 128 مادة تتصدرها ديباجة تشير إلى ما شهده القرن العشرين من سقوط الملايين من الأطفال والنساء والرجال ضحايا لفظائع هزت ضمير الإنسانية بقوة، وهددت السلم والأمن في العالم، وتؤكد أن هذه الجرائم يجب ألا تمر دون عقاب وأنه تجب مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.
وأكدت الدول الأطراف في نظام روما عزمها -من أجل بلوغ هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة- على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
وفي الأول من يوليو/تموز 2002 دخل نظام روما الأساسي حيّز التنفيذ، وتأسست بذلك أول محكمة جنائية دولية دائمة.