مولدوفا.. تاريخ من التبعية واستقلال يعكره انفصال إقليم ترانسنيستريا
جمهورية مولدوفا، إحدى دول أوروبا الشرقية، تحدها أوكرانيا من الشمال والشرق والجنوب ورومانيا من الغرب، وتجمع عرقيات مولودوفية وروسية وأوكرانية وتركية وغيرها. خضعت أقاليمها لحكم الإمبراطوريات اليونانية والرومانية والعثمانية والروسية.
وبعد نحو 9 عقود من التبعية للاتحاد السوفياتي وعقود سبقت ذلك من التجزئة وتوزع التبعية بين روسيا القيصرية ورومانيا وأوكرانيا، أصبحت مولدوفا دولة مستقلة ابتداء من عام 1991، لكن إعلان إقليم ترانسنيستريا استقلاله ودعم روسيا لسلطته المحلية ووجود قوات تابعة لها في الإقليم مثّل نواة أزمة موقوتة تؤرق السلطات الحاكمة في مولدوفا.
المعلومات الأساسية
- الاسم الرسمي: جمهورية مولدوفا
- الاسم المختصر: مولدوفا
- العاصمة: كيشيناو
- اللغة الرسمية: المولدوفية (رسمية) إضافة إلى الرومانية والروسية والأوكرانية والغاغورية (لغة تركية) والبلغارية، فضلا عن لغات أخرى.
- النظام السياسي: جمهوري
- تاريخ الاستقلال: 27 أغسطس/آب 1991، عن الاتحاد السوفياتي.
- العملة: ليو مولدافي.
الجغرافيا
الموقع: تقع مولدوفا شرقي أوروبا، تحدها أوكرانيا من الشمال والشرق والجنوب ورومانيا من الغرب
المساحة: 33.846 كيلومترا مربعا.
الموارد الطبيعية: الحجر الجيري والجبس.
المناخ: معتدل شتاء، حار صيفا.
السكان
تصنف منظمة الأمم المتحدة مولدوفا ضمن الدول التي يتوقع أن ينخفض عدد سكانها، فقد بلغ تعداد سكانها 2538894 نسمة عام 2022، مقابل 2975621 عام 1992.
التوزيع العرقي: 75.8% مولودفيون، 8.4% أوكرانيون، 5.9% روس، 4.4% قوقازيون، 1.9% بلغار، 1% آخرون، 0.4% غير محدد.
الديانة: 93.3% أرثوذكس شرقيون، 1% معمدانيون، 1.2% طوائف مسيحية أخرى، 0.9% ديانات أخرى، 1.9% لا دين لهم، 2.2% غير محدد.
الاقتصاد
تصنف مولدوفا من بين أفقر دول أوروبا، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 14.51 مليار دولار عام 2022، والناتج الفردي السنوي 5714.4 دولار في العام نفسه.
أما نسبة نمو الناتج المحلي فبلغت 8.9% عام 2023، مقابل تراجع سلبي وصل به إلى "سالب 5.9%" عام 2022، وكان قد سجل عام 2021 نسبة 13.9%، وهي أعلى نسبة في تاريخه، أما أدنى نسبة فهي سالب 8.3% وقد سجلها عام 2020.
وصلت نسبة البطالة من إجمالي القوى العاملة 0.9% عام 2022، بينما بلغت نسبة التضخم 20% في العام نفسه، ويظهر مؤشر الديون الخارجية مسارا تصاعديا منذ الاستقلال، فقد بلغ 9.72 مليار دولار عام 2022 مقارنة بـ9.03 مليار دولار عام 2021 و38.5 مليون دولار عام 1992.
أهم المنتجات: السكر والزيت النباتي والآلات الفلاحية والمنسوجات والخضراوات والفواكه.
التاريخ
كانت المنطقة مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، ومنحتها الأنهار والقرب من شواطئ البحر الأسود أهمية تجارية وإستراتيجية كبيرة.
وعلى مر تاريخها خضعت لحكم عديد من الإمبراطوريات، بما فيها الإمبراطورية اليونانية والرومانية والعثمانية ثم الروسية، فضلا عن الغزوات التي تعرضت لها من طرف قبائل المغول وغيرهم.
كما تعد واحدة من أغنى دول أوروبا بالآثار الرومانية والمسيحية ذات الأهمية التاريخية الكبيرة: بالفن المعماري والنحت وغيرها، وتقدرها السلطات الرسمية المولدوفية بنحو 8 آلاف أثر.
وفي العصر الحديث كانت من بين إمارات شبه مستقلة وذات تبعية محدودة للدولة العثمانية، قبل أن تحصل على استقلالها بشكل تدريجي.
أقاليم مجزّأة
بعد سلسلة من الحروب بدأت في عهد بطرس الأول مطلع القرن الـ18 واستمرت لنحو مائة عام، حصلت روسيا بموجب معاهدة بوخارست مع العثمانيين عام 1812 على منطقة بيسارابيا التي تمثل نحو نصف جغرافيا إمارة مولدوفا، وهي تقع بين نهري بروت ونيسترو، فظلت تتبع للإمبراطورية الروسية حتى قيام الثورة البلشفية عام 1918.
أما باقي الأرض المولدوفية فكانت تتبع شكليا للإمبراطورية العثمانية، ثم تحسن وضعها السياسي بالاتحاد مع إمارة فالاشيا في حدود منتصف القرن الـ19، ثم تحول هذا الاتحاد إلى مملكة رومانيا ابتداء من عام 1881 بعد حصول الإمارتين على الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، وأصبح كارول الأول أول ملوك رومانيا.
وبعد قيام الاتحاد السوفياتي على إثر الثورة البلشفية أعلن إقليم بيسارابيا الانفصال عن السيادة الروسية يوم 24 يناير/كانون الثاني 1918 وتم التصويت على الاتحاد مع رومانيا، فرفض الاتحاد السوفياتي الاعتراف بالسيادة الرومانية على مولدوفا.
اضطرت رومانيا للتنازل عن بيسارابيا وجزء من بوكوفينا ليعلن عن قيام دولة مولدوفا في أغسطس/آب 1940 لتصبح جمهورية اشتراكية سوفياتية وعاصمتها كيشيناو، وتضم أراضي كانت مقسمة سابقا بين رومانيا وأوكرانيا، ومع أن رومانيا استطاعت استعادة جزء من هذه الأراضي في بداية الحرب العالمية الثانية إلا ان الاتحاد السوفياتي انتزعها مجددا عام 1944.
العهد السوفياتي
طيلة نحو 5 عقود ظلت مولدوفا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي، واستفادت من مشاريع هامة لتطوير المصانع والمختبرات، فضلا عن نهضة في مجال العمران خلال الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات من القرن العشرين.
ومع أواخر الثمانينات وتزامنا مع السياسة الإصلاحية (البريسترويكا) للرئيس ميخائيل غورباتشوف، وحرية التعبير التي سمح بها أصبحت القوميات أكثر جرأة على التعبير علنا عن آرائها فبدأت قوى مولدوفية في الظهور حاملة مطالب مختلفة.
كما أقر المجلس الأعلى لجمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية عام 1989 قانونا يعتمد المولدوفية لغة رسمية ووحيدة في البلاد.
وهو ما أثار مخاوف لدى الأقليات، فأعلن الغاغوز الأتراك "جمهورية غاغاوز"، وأعلن انفصاليو إقليم ترانسنيستريا قيام "جمهورية دنيستر المولدوفية" مستقلة عن مولدوفا لكنها تحت تبعية الاتحاد السوفياتي.
الاستقلال
أعلن رسميا عن استقلال جمهورية مولدوفا يوم 27 أغسطس/آب 1991، وأصبح ميرشيا سنيغور أول رئيس لها، وكان سابقا يشغل عضوية مجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ابتداء من يوم 26 مارس/آذار 1989.
وبعد ساعات من إعلان الاستقلال اعترفت رومانيا بالدولة الجديدة، إلا أن الرئيس سنيغور لم يدعم خلال فترة حكمه الممتدة 5 سنوات الاتحاد مع رومانيا، الذي كان متوقعا بموجب العلاقات التاريخية بين أقاليم هاتين الدولتين.
وحصلت مولدوفا بعد أشهر من استقلالها على عضوية الأمم المتحدة، كما أصبحت عضوا في كومنولث دول الاتحاد السوفياتي المستقلة، لكنها تجنبت دخول فرعه العسكري، حيث ينص دستورها على الحياد وعدم الانضمام إلى أي حلف عسكري دولي بما في ذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبموجب اتفاقيات تقاسم العتاد العسكري لجيش الاتحاد السوفياتي حصلت حكومة مولدوفا على كميات من السلاح في وقت تحتاج إلى المزيد من القوة العسكرية لفرض سيطرتها ضد ظاهرة الانقسام التي بدأت في إقليمي الغاغاوز ترانسنيستريا.
وبينما انضم إقليم الغاغاوز طواعية لمولدوفا يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 1994 تصاعدت حدة الخلاف مع سلطة ترانسنيستريا المدعوم من روسيا.
أزمة إقليم ترانسنيستريا
في أواخر فبراير/شباط 2024 وجهت سلطات إقليم ترانسنيستريا الانفصالي عن مولدوفا طلبا للحماية من روسيا، وادعت أن مولدوفا تمارس ضغوطا اقتصادية واجتماعية على الإقليم بما يتناقض مع حقوق الإنسان والتجارة الحرة.
وردت وزارة الخارجية الروسية بالقول إن "حماية مصالح سكان ترانسنيستريا، أبناء وطننا، هي إحدى أولوياتنا"، بينما ندد أوليغ سيريبريان، نائب رئيس وزراء مولدوفا، بطلب الحماية ووصفه بأنه دعائي، وهو ما أعاد إلى الواجهة من جديد أزمة عمرها أكثر من 3 عقود.
وتعود الأزمة إلى مطلع تسعينيات القرن العشرين واستقلال جمهوريات الاتحاد السوفياتي، ومنها جمهورية مولدوفا عام 1991، فسرعان ما تفجرت أزمة الإقليم الرافض لسيادة الحكومة المركزية في العاصمة كيشيناو، والذي كان قد أعلن استقلاله عام 1990 تحت اسم "جمهورية ترانسنيستريا المولدوفية"، التي لم تحصل على الاعتراف الدولي من الأمم المتحدة.
ومن بين الأسباب التي دفعت الإقليم إلى إعلان الاستقلال مخاوف سكانه من سيطرة العرقيتين الروسية والأوكرانية.
وخاضت مولدوفا حربا مع سلطة الإقليم عام 1992 انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، إلا أن جذور الأزمة ظلت قائمة ومنعت الاندماج على غرار ما حصل مع إقليم الغاغاوز الذي تسكنه الأقلية التركية حيث انضم طواعية عام 1994.
ومع أن روسيا لم تعترف بإقليم ترانسنيستريا، فإنها منحته الدعم السياسي والاقتصادي ودفعت إليه بقوات عسكرية تقيم فيه على الدوام منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين تحت ذريعة حفظ السلام، وهو ما تسبب في توتر العلاقة مع مولدوفا التي اتهمت روسيا أكثر من مرة بمحاولة زعزة استقرارها وقلب نظام الحكم.