مندريس.. رئيس وزراء أعدمه أول انقلاب بتركيا

سياسي تركي خرج على مدرسة أتاتورك، فأعاد الأذان باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وأطلق تنمية شاملة عمت أرجاء البلاد. وبعد سنوات من الحكم أطاح به الجيش وقام بإعدامه.

المولد والنشأة
ولد عدنان مندريس عام 1899 في أيدين بالدولة العثمانية، وهو ينتمي إلى أسرة من كبار الملاك الأثرياء، وقد عرف بذكائه وفطنته.

الدراسة والتكوين
التحق بالمعهد الأميركي في إزمير، ثم بجامعة أنقرة التي تخرج فيها بشهادة في الحقوق.

الحياة السياسية
كان مندريس عضوا في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، ونائبا عن هذا الحزب في البرلمان، لكنه اتخذ في عام 1945 -إلى جانب ثلاثة نواب آخرين- موقفا معارضا لزعيم حزبهم ورئيس الوزراء عصمت إينونو، خليفة أتاتورك وحامي ميراثه العلماني.

انفصل النواب الأربعة ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس، متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك.

في عام 1946 شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950 ويفوز بأغلبية ساحقة، شكل مندريس إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923.

وكان مندريس قد خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة التي اتخذها سلفه إينونو، وكان من بينها جعل الأذان وقراءة القرآن بالتركية وإغلاق المدارس الدينية.

وحينما فاز مندريس قام بإلغاء هذه الإجراءات، فأعاد الأذان إلى العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرق والجسور والمدارس والجامعات.

أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في البلاد، حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة استقرار سياسي، إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائدا بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.

ولم يعلن مندريس في أي من هذه الإجراءات أنه كان إسلاميا أو مؤيدا للإسلاميين، بل على العكس من ذلك وضع تركيا في قلب العالم الغربي حينما انضمت في عهده إلى حلف شمال الأطلسي وأصبحت المتراس المتقدم للغرب خلال الحرب الباردة.

أقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة وساند مخططاتها في المنطقة وخارجها، بما في ذلك إرسال قوات تركية إلى كوريا، ووضع تركيا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك بزعامة عبد الناصر.

وفي انتخابات عام 1954 فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية المطلقة واستمر مندريس في رئاسة الحكومة، لكنه لم ينجح في إنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور، فخسر جزءا من مقاعده في انتخابات عام 1957.

ومع نهاية عقد الخمسينيات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية، لا سيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة سياسات الحكومة.

وقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.

وفي صباح 27 مايو/أيار 1960، تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، إذ تم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقال رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء، وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

بعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

الإعدام
في اليوم التالي لصدور الحكم (أي في 17 سبتمبر/أيلول 1960) تم تنفيذ حكم الإعدام في مندريس، ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا.

 وبعد أيام نفذ حكم الإعدام بوزيريه، ودفنت جثامين الثلاثة في الجزيرة ذاتها حتى التسعينيات إذ نُقلت إلى إسطنبول ودفنت هناك، وأعيد الاعتبار لأصحابها بجهود من الرئيس الأسبق تورغوت أوزال.

المصدر : الجزيرة