الصادق المهدي.. مسيرة حافلة بين السلطة والسجون والمنفى
سياسي ومفكر سوداني، توزعت سنوات عمره بين كراسي السلطة وزنازين السجون وغربة المنفى وجبهات المعارضة الداخلية، فقد ذاق السلطة رئيسا للوزراء لفترتين والسجن والمنفى معارضا عدة مرات.
المولد والنشأة
ولد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1935، في حي العباسية بأم درمان. فوالده السيد الصديق المهدي (1911-1961) تقلد إمامة الأنصار إثر وفاة جده الإمام عبد الرحمن في مارس/آذار 1959، ليقود معارضة نظام الفريق إبراهيم عبود لاسترجاع الديمقراطية حتى وفاة الفريق عبود في 2 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
الوفاة
توفّي في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عن 84 عاما في الإمارات التي نقل إليها للعلاج من إصابته بفيروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19).
الدراسة والتكوين
انتقل الصادق المهدي في طفولته لدراسة القرآن الكريم في عدد من "خلاوي" تحفيظ القرآن، فبدأ بخلوة العباسية في أم درمان ثم خلوة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض، قبل أن يلتحق بالكتّاب في المدينة ذاتها، ثم ينتقل بعدها لمرحلة الابتدائي في مدرسة الأحفاد بأم درمان ثم مدرسة كمبوني الخرطوم لدراسة المرحلة الثانوية، ليواصل في كلية فكتوريا الإسكندرية (1948-1950)، إذ ترك الكلية هاجرا التعليم النظامي ليعود لبلاده ملازما الشيخ الطيب السراج، وينهل من علوم الفصحى وآدابها.
في 1952 عاد للتعليم النظامي وجلس لامتحانات شهادة أكسفورد، ثم التحق بكلية العلوم في جامعة الخرطوم سنة 1952 أثناء مواصلته تلقي دروس العربية.
التحق بالدراسة في كلية الاقتصاد بجامعة أكسفورد (1954-1957) لدراسة الاقتصاد والفلسفة والعلوم السياسية التي نال فيها درجة الشرف، لينال تلقائيا درجة الماجستير بعد عامين من تاريخ تخرجه، بحسب النظام المعمول به في جامعة أكسفورد.
التوجه الفكري
انخرط المهدي في صفوف المعارضة بعد دخوله المعترك السياسي في حزب الأمة القومي وكيان الأنصار الذي يطرح مشروع الدولة الديمقراطية الإسلامية بما يسمي بمشروع "الصحوة الإسلامية"، ليجعل همه خدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان.
الوظائف والمسؤوليات
عمل موظفا في وزارة المالية عام 1957 قبل أن يستقيل منها عام 1958، ثم عمل مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي ورئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.
ترأس الجبهة القومية المتحدة في الفترة (1961-1964)، ليُنتخب بعدها رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1964.
انتُخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة ما بين 1966 و1967، ثم رئيسا للجبهة الوطنية المعارضة لنظام النميري (1972-1977). وانتخب رئيسا لوزراء السودان خلال سنوات (1986-1989)، ثمَّ إماما لطائفة الأنصار عام 2002.
أصبح عضوا في عدد من المجالس والمنتديات العالمية، منها: المجلس العربي للمياه، ونادي مدريد، والمجموعة الاستشارية العليا الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية، وأيضا المؤتمر القومي الإسلامي، والمجلس الإسلامي الأوروبي، والمنتدى العالمي للوسطية، فضلا عن شبكة الديمقراطيين العرب.
كثيرون يرون أن الرجل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب الزعامة السياسية والدينية، فقد ورث عن أسرته المهدية حزبا سياسيا -هو حزب الأمة- تولى زعامته وتولى رئاسة الوزراء مرتين باسمه.
كما ورث طائفة "الأنصار" التي جعلت منه أيضا زعيما دينيا للحركة المهدية، نسبة إلى جده الأكبر محمد أحمد المهدي القائد السوداني الذي فجّر الدعوة والثورة المهدية في السودان.
بينما نفى هو ذلك، وسبق له أن أوضح في برنامج "زيارة خاصة" بثته قناة الجزيرة في مايو/أيار 2005 أنه الزعيم السياسي الوحيد في بلاده الذي لم تزده السياسة شيئا، بل أفقرته، وذكر أنه لم يتسلم راتبا من مال الدولة طيلة سنوات توليه رئاسة الوزراء، في المرة الأولى من 1966 إلى 1967، وفي الثانية من 1986 إلى 1989.
وأضاف أنه لم يسكن قط في بيت حكومي، وأنه الوحيد من المسؤولين الذي كان كلما رجع من رحلة إلى الخارج يعيد إلى خزينة الدولة الميزانية التي خصصتها لسفره.
دخل السجن عدة مرات سنوات 1969 و1973 و1983 و1989، كما نفي إلى مصر والسعودية، وهاجر سرا عام 1996 إلى إريتريا المجاورة للسودان والتحق بالمعارضة السودانية هناك، ولم يعد إلا أواخر عام 2000 بعد توقيع اتفاق مصالحة مع النظام أواخر عام 1999 سمي "نداء الوطن" تحت رعاية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيله.
المؤلفات
سجل الصادق المهدي آراءه ومشاركاته الفكرية في عدد ضخم من الكتابات لم يتم حصره بعد، منها "العبادات للإمام المهدي" (1959)، و"مسألة جنوب السودان" (1964)، و"جهاد في سبيل الديمقراطية"، و"جهاد في سبيل الاستقلال"، و"الإصلاح الزراعي"، وكذلك "الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة" (1981)، و"مستقبل الإسلام في السودان" (1982)، و"المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية" (1984)، وأيضا "الإسلام والتجربة والسودانية" (1985)، و"الثورة العربية المعاصرة" (1985)، و"قضايا العصرية والهوية" (1985)، و"الغزو الثقافي" (1985).
كما كتب "النهج الإسلامي بين الاستقامة والتشويه" (1985)، و"الإسلام ومسألة جنوب السودان" (1985)، و"المرأة وحقوقها في الإسلام" (1985)، و"العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي" (1987)، و"الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة" (1990)، فضلا عن "الإسلام والنظام العالمي الجديد"، و"السودان إلى أين؟" (1993)، و"المشروع الحضاري الإسلامي العربي والمسألة الإسرائيلية" (1998)، و"من أجل وحدة جاذبة أو جوار أخوي" (2009).