كتائب شهداء الأقصى
حركة مقاومة فلسطينية مسلحة، تمثل الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، تأسست مع اندلاع انتفاضة الأقصى يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، ولعبت دورا مركزيا في العمل العسكري الفلسطيني، وقدمت مئات الشهداء والأسرى.
وقد شكلت ظاهرة عسكرية مميزة، اتسمت باللامركزية، فلا تخضع خلاياها وهياكلها التنظيمية لمرجعية أو قيادة تنظيمية واحدة، وإنما تتألف من مجموعات ينشط كل منها في نطاقه الجغرافي، ويحتكم إلى توجيه محلي، وبقيت في علاقة ملتبسة مع الحركة الأم "فتح"، تراوحت بين عدم التبني الرسمي والتنصل الكلي ثم الحل النهائي.
استهدفت في بداية نشاطها الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي عام 2002 اتخذت منحى جديدا، متناقضا مع السياسات العامة التي تتبناها "فتح"، فبدأت عمليات استشهادية في العمق الإسرائيلي، وقد استطاعت تجاوز قرار القيادة السياسية لـ"فتح" بحلها عام 2007، واستمرت بعض خلاياها في النضال المسلح، رغم افتقارها للحاضنة السياسية والتمويل المادي.
النشأة والتأسيس
تأسست "كتائب شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة.
وكان الاقتحام بموافقة من رئيس الوزراء في حينه إيهود باراك، وأعلن شارون أن "الحرم القدسي" سيبقى منطقة إسرائيلية، فوقعت مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال، وقُتل 7 فلسطينيين وجُرح 250 آخرون، كما أُصيب 13 جنديا إسرائيليا.
ولاحقًا، شهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة العشرات، وسرعان ما امتدت إلى جميع المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسُميت "انتفاضة الأقصى".
وقد نشأت الكتائب في ظل هذه الظروف، بهدف الانتقام للشهداء الذين سقطوا أثناء المواجهات مع قوات الاحتلال حول الحرم القدسي، أو في مواجهة المستوطنين، وأرادت الكتائب التصدي للعدوان الإسرائيلي من خلال النضال المسلح، وإعادة الاعتبار من جديد إلى حركة "فتح" بعد مشوار المفاوضات السلمية خلال التسعينيات، التي لم تحقق النتائج المرجوة للشارع الفلسطيني.
وقد حملت الحركة اسم "شهداء الأقصى" تيمّنًا بانطلاق شرارة الانتفاضة من المسجد الأقصى المبارك، وتكريمًا لشهدائه، وقد جرى الاتفاق على تسمية "كتائب شهداء الأقصى" بين قادة "فتح" العسكريين في غزة والضفة، بعد أن راج الاسم في الضفة عبر بيانات أصدرتها خلايا محلية هناك.
وتعدّ الكتائب امتدادا لأجنحة عسكرية سابقة، رافقت مسيرة حركة "فتح" في مراحل النضال الفلسطيني، وقد بدأت بحركة "العاصفة" الجناح العسكري لفتح، الذي بدأ كفاحه المسلح نهاية شهر سبتمبر/كانون الأول 1964، ثم توزعت مئات الخلايا التابعة له على أطراف إسرائيل في الضفة الغربية وغزة، وفي دول الطوق وغيرها من البلدان.
ومع اشتعال الانتفاضة الأولى عام 1987، واكبت "فتح" تطوراتها ومستجداتها من خلال تشكيل مجموعات عسكرية ذات أسماء وعناوين مختلفة، وبرزت أجنحة فتح الثلاثة: "الجيش الشعبي" و"الفهد الأسود" في الضفة الغربية و"صقور الفتح" في قطاع غزة، ونشطت هذه الخلايا في ملاحقة العملاء، وتنفيذ العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال.
ولم تكن "فتح" قبل الكتائب قد بلورت تنظيما عسكريا يوازي التنظيمات العسكرية للفصائل الفلسطينية الأخرى، وإنما شكّلت قياداتها في المناطق المختلفة خلايا مُسلحة محلية للمشاركة في النضال المسلح.
ورغم تشكُّل مجموعات عسكرية متعددة تنتسب إلى "فتح"، فإن هذه المجموعات لم تبلغ حجم ومستوى كتائب شهداء الأقصى، التي بقيت الاسم الأكثر بروزا وتعبيرا عن الحركة على الساحة الفلسطينية الكفاحية.
القيادة التأسيسية
تعتبر القيادة التأسيسية للحركة مثار جدل كبير، إذ لا يُصرَّح بها، وهو أمر فرضته سرية العمل العسكري، ولكن مما يُذكر أن الكتائب حظيت بدعم الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكانت لها مرجعيات تنظيمية مثل مروان البرغوثي، مسؤول اللجنة الحركية العليا في الضفة الغربية، وثابت ثابت أمين سر التنظيم في طولكرم، وبدرجة أقل حسين الشيخ، أمين سر حركة "فتح" في الضفة آنذاك.
وقد كشفت الكتائب في بياناتها عن فضل الرئيس عرفات في وجودها، وأنه كان الداعم لتأسيسها، واحتفظ عدد من زعماء "فتح" بعلاقة غامضة مع "كتائب شهداء الأقصى"، فلم يتنصلوا منها، ولكنهم قالوا إنه لا إشراف لهم عليها، ووصف رئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية جبريل الرجوب المجموعة بأنها "أنبل ظاهرة في تاريخ فتح".
أكدت إسرائيل وجود علاقة وثيقة بين الكتائب و"فتح"، وصرّحت بأنها عثرت على وثائق تُدين قيادة فتح، ومن ضمنها الرئيس الراحل ياسر عرفات، والقيادي مروان البرغوثي بتأسيس الكتائب ودعمها ماديا.
كما يُذكر أن الأسير ناصر عويس من مخيم بلاطة كان القائد العام للكتائب، ثم شاركت شخصيات ذات خلفية عسكرية وأمنية في بلورة إطار جامع لمجموعات "فتح" العسكرية، وكان من بينها: نايف أبو شرخ وحسين وعاطف عبيات ومروان زلوم ورائد الكرمي من الضفة الغربية، وجهاد أبو العمارين وعمرو أبو ستة وأبو خالد حجازي من قطاع غزة.
التوجه الأيدولوجي
تعتبر "كتائب شهداء الأقصى" تبعا لـ"فتح" حركة تحرر وطني ذات توجه علماني، فهي تقول بكل وضوح عبر بياناتها، وفي موقعها الإلكتروني الرسمي، إنها خرجت من رحم "فتح"، وإنها تحمل فكرها ومبادئها الأساسية، وإنها "نتاج مناضلي فتح حاضني لواء فكرها الأصيل".
وفي بيانها التأسيسي أقرت الحركة بالتزامها بالمنطلقات والأهداف والثوابت الأساسية لفتح، ونصّت على تلك المبادئ، التي تتضمن أنها "حركة وطنية ثورية مستقلة"، وأن "فلسطين جزء من الوطن العربي، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية، وأن الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة، وصاحب الحق في تقرير مصيره، وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه".
وترى الحركة وفقا لمبادئ فتح أن "الكفاح المسلح إستراتيجية وليس تكتيكا، والثورة المسلحة للشعب الفلسطيني عامل حاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني، ولن يتوقف هذا الكفاح إلا بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين".
كما نصت المبادئ التي أوردها البيان على أن "الثورة الشعبية المسلحة هي الطريق الحتمي الوحيد لتحرير فلسطين"، وعلى "مقاومة كل الحلول السياسية المطروحة كبديل عن تصفية الكيان الصهيوني المحتل في فلسطين وكل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها أو الوصاية على شعبها من أية جهة".
وظلت الحركة في بياناتها المتعاقبة تؤكد أن "الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين"، وأنها مستمرة في الكفاح حتى سقوط إسرائيل، واستنادا إلى بياناتها المختلفة فإن أهدافها تتلخص في:
- مقاومة الاحتلال.
- محاربة الفساد في السلطة الوطنية.
- محاربة العملاء المتعاونين مع الاحتلال.
علاقة ملتبسة مع فتح
انبثقت كتائب شهداء الأقصى بشكل واضح وصريح عن "فتح" في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ورغم ذلك لا تبدي حركة "فتح" أي علاقة رسمية بها، وتخلو بياناتها ومواقعها الإلكترونية من أية إشارة إليها أو إلى عناصرها وقياداتها.
ومنذ تأسيسها، كانت العلاقة بين الكتائب والمكتب السياسي لحركة فتح ملتبسة، ففي الوقت الذي نفذت فيه الكتائب عملياتها ضد المحتل، خاصة في أوج الانتفاضة الثانية، كان مكتب الحركة السياسي يواصل مسيرته التفاوضية مع إسرائيل، للعمل على إقرار حل الدولتين والوصول إلى إستراتيجية لتنفيذ مقتضيات اتفاقية أوسلو.
وقد اصطدمت الكتائب منذ أن بدأت عملياتها بعدم القبول من قبل بعض قادة السلطة الفلسطينية ومسؤولين كبار في فتح؛ مما أثار استياءها، وجعلها تصرّ على المقاومة ورفض كافة الحلول التي يطرحها السياسيون وقادة الحركة، والتي لم تُجدِ نفعًا.
وقد فشلت محاولات السلطة الفلسطينية والقيادة السياسية لحركة فتح في احتواء عناصر الكتائب داخل أجهزتها الأمنية، وبقيت الكتائب ترفض أي محاولات من هذا القبيل، وكثيرا ما وصفت محاولات احتوائها بأنها مؤامرة تحاك ضد المقاومة من أجل وقفها.
ومع توسع دائرة عمل الكتائب ليشمل فلسطين المحتلة عام 1948، متجاوزة بذلك السياسات التقليدية التي تتبناها "فتح"، ظهرت فجوة كبيرة بين الحركة الأم وجناحها العسكري، ففي حين ترى القيادة السياسية أن هذا التطور خروج على السياسة العامة للحركة، وأنها تغاضت عن نشاط الكتائب داخل الضفة الغربية، بهدف استثماره في المسار التفاوضي، فإن الكتائب ترى أن رحيل الاحتلال لن يتحقق إلا بممارسة المقاومة المسلحة في فلسطين كلها.
لذلك دأبت اللجنة المركزية للحركة على إدانة عمليات الكتائب العسكرية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ثم بلغ الأمر إلى حد التنصل الكلي من الكتائب، ولكن ذلك لم يردع الجناح العسكري عن العمل في العمق الإسرائيلي؛ مما شكّل إرباكا للقيادة السياسية، التي أعلنت بمرسوم رئاسي حل الكتائب وغيرها من الفصائل المسلحة عام 2007.
وقد أقدمت بعض أجنحة ومحاور "فتح" على تشكيل مجموعات خاصة تطلق على نفسها "كتائب الأقصى"، وتم توظيفها في قضايا الخلاف الداخلي مع الفصائل الأخرى، والقيام بالتدخل المباشر في تفصيلات حياتية للفلسطينيين، كاقتحام المباني الرسمية وغيرها.
وطالبت الكتائب بالإصلاح السياسي والأمني في أجهزة السلطة الفلسطينية، وبإشراكها في صنع القرار السياسي، ثم دعت إلى التحلل الكامل من السلطة الوطنية الفلسطينية، والخروج من المرحلة السابقة بكل اتفاقياتها، وبدء مرحلة وطنية جديدة، تؤسس لمشروع وطني مقاوم، يشارك فيه كل أطياف وفصائل الشعب الفلسطيني، وإعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال.
المسار
كانت السنوات الأولى لتأسيس كتائب شهداء الأقصى هي ذروة عمل الحركة، ومنذ بدء انتفاضة الأقصى حتى عام 2005، احتلت المرتبة الثانية من حيث العمليات العسكرية، بعد "كتائب القسام" وسجلت 18.4% من مجمل الخسائر البشرية التي لحقت بجيش الاحتلال.
وقد سعت الحركة للنهوض بمستوى الكفاح المسلح، وتطوير أساليبه، وتنوعت العمليات العسكرية التي نفذتها، وقامت بعمليات عسكرية واستشهادية ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى حرب الشوارع في المدن واقتحام المستوطنات.
وراجت لدى عناصر التنظيم العمليات على الطرق الالتفافية في الضفة الغربية واحتراف قنص الجنود الإسرائيليين على الحواجز وداخل المركبات العسكرية.
وقد اتسم العمل العسكري للكتائب باللامركزية، سواء في الضفة أو في غزة؛ إذ لا تخضع خلاياها وهياكلها التنظيمية لمرجعية أو قيادة تنظيمية واحدة، ولا تحتكم إلى موقف واحد، بل تتألف من مجموعات ينشط كل منها في نطاقه الجغرافي، ويحتكم إلى توجيه محلي.
وتمتلك الخلايا تجارب تنظيمية مختلفة وميزات خاصة تبعا للتقسيم الجغرافي، مثل تجربة نابلس وجنين، وظواهر شبيهة في قطاع غزة، رغم وجود شخصيات قيادية حظيت بتأييد شعبي ووطني واسع، مثل: رائد الكرمي ونايف أبو شرخ وجهاد العمارين ومروان زلوم.
وقد ساعدت هذه الميزة الكتائب على الديمومة والاستمرار، وحرمت القيادة العليا لـ"فتح" من إمكانية معالجة ملف الكتائب بشكل شمولي، فما تنجزه القيادة من تفاهمات أو اتفاقات مع منطقة جغرافية بعينها لا يُلزم المناطق الأخرى.
ولكن غياب المرجعية التنظيمية الموحدة أفسح المجال أمام تعدد الآراء والأفكار والمواقف، بل وتعدد جهات النفوذ والمرجعية في المنطقة الجغرافية الواحدة في بعض الأحيان، وهو ما أدى إلى تشتّت تنظيمي أرّق قادة الحركة.
ومن السمات الأساسية في نشاط الكتائب اعتماد العمل المشترك مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وخصوصا في المناطق التي تحظى فيها الكتائب بوجود كبير، مثل نابلس وجنين، فقد عملت الحركة إلى جانب كتائب عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحركة حماس)، وسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي).
التحول إلى الداخل
تَركّز نشاط الكتائب العسكري في بداية تأسيسها في الأراضي المحتلة عام 1967، وخاصة خلال العامين الأولين، حيث اقتصرت هجماتها على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبعد الاجتياح الواسع في عملية "السور الواقي" التي شنتها إسرائيل على مدن الضفة الغربية في مارس/آذار 2002 اتخذت الحركة منحى جديدا، متناقضا مع السياسات العامة التي تتبناها "فتح"، إذ بدأت الكتائب تنفيذ عمليات استشهادية على نمط عمليات كتائب القسام وسرايا القدس داخل المدن في الأراضي المحتلة عام 1948.
وتصاعدت عمليات الكتائب، وأدت موجة من عمليات إطلاق النار والتفجيرات الاستشهادية التي نفذتها الكتائب طوال شهر مارس/آذار 2002 إلى إضافة وزارة الخارجية الأميركية اسمها إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وعلى صعيد آخر، شهدت هذه الفترة توجُّه بعض التيارات ومنها الكتائب إلى تطوير العلاقة مع الأجنحة العسكرية للفصائل الأخرى، ولا سيما مع "كتائب القسام" في قطاع غزة. وأهم العمليات العسكرية في القطاع بين 2004 و2005 تم تنفيذها بالاشتراك مع "كتائب القسام" و"لجان المقاومة الشعبية"، مثل عملية "براكين الغضب" وعملية "بئر السبع" وعملية "زلزلة الحصون".
ومع تطور العمليات تشكلت مجموعات محلية بأسماء جديدة، تعتمد كتائب الأقصى إطارا عاما لها، فظهرت في الضفة الغربية "فرسان الليل"، و"صقور الفتح"، و"لواء العاصفة"، و"كتائب ياسر عرفات"، وتشكلت في غزة مجموعات "أيمن جودة"، و"نبيل مسعود"، و"لواء جهاد العمارين"، و"لواء أبوجهاد"، وقد بلغ عدد هذه التشكيلات أكثر من 30 خلية؛ وهو ما أضعف الفاعلية العسكرية للتنظيم إلى حدّ بعيد، فتقلّصت عملياته وإسهاماته العسكرية بعد عام 2004.
حل الكتائب
اغتالت إسرائيل خلال السنوات الأولى للحركة معظم القيادات المركزية، وخاصة في المناطق التنظيمية الكبرى كمدينة نابلس بشمال الضفة الغربية، إضافة إلى اعتقال المرجعيات التنظيمية، مثل: مروان البرغوثي وناصر عويس.
وقد أثّرت الاغتيالات والاعتقالات المتتالية لقادة الحركة في تماسكها، وظهر معها الكثير من الإشكاليات المتعلقة بتنظيم العمل العسكري وبالتزوّد بالسلاح، وبدأت الحركة تفقد تأثيرها العسكري في مسار الانتفاضة، وخاصة في ظل تعدد التكتلات والتيارات العسكرية، وغياب الحاضنة السياسية.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، بدأ تغلغل الأجهزة الأمنية الفلسطينية داخل الكتائب بشكل واضح، وأصبحت الأجهزة الأمنية تستفيد من كتائب الأقصى لحماية وجودها، وتتخذها أداة لتنفيذ مهماتها غير الرسمية، وقد انعكس ذلك على توجّه التنظيم وأدى إلى انحراف مساره عن مواجهة إسرائيل، وأصبح الكثير من التجمعات التي تحمل اسم شهداء الأقصى جزءا من حالة الانفلات الأمني التي كانت سمة لفترة ما بين عامي 2005 و2007.
واستمر الانهيار الداخلي للحركة، وبلغ أقصاه مع إعلان مرسوم رئاسي من قبل الرئيس محمود عباس عام 2007 بحل كافة المليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية أيًّا كانت تبعيتها، كما حظر المرسوم القيام بأي نشاطات سرية أو علنية، وأكّد أن كل من يساعدها أو يُقدم أي خدمات إليها سيكون عرضة للمساءلة الجزائية والإدارية.
وكانت "كتائب شهداء الأقصى" أكثر المتضررين من هذا القرار، إذ اضطرت إلى الرضوخ لاتفاقية العفو التي وُقعت بين حكومة سلام فياض وإسرائيل، وتم العفو بموجبها عن 180 مقاتلا من كتائب شهداء الأقصى، مقابل تسليم السلاح، والحصول على وظائف في الأجهزة الأمنية.
وقد فُرض هذا الاتفاق قسرا، عبر سلسلة من الحملات الأمنية شنّتها السلطة الفلسطينية عامي 2007 و2008، على مراكز كتائب الأقصى، واستهدفت الخلايا التي رفضت القرار، خصوصا في مخيمي جنين وبلاطة، وتم اعتقال العشرات من قادة الكتائب إثر ذلك.
ورغم انصياع الكثير من أعضاء الحركة، فقد رفض العديد من العناصر الاتفاق، وبقوا متمسكين بسلاحهم، ومضوا في تشكيل مجموعات منشقة متنوعة مثل: كتائب شهداء الأقصى/نضال العمودي، وكتائب شهداء الأقصى/جيش العاصفة، وكتائب شهداء الأقصى/أيمن جودة، ولجان المقاومة الشعبية.. وجميعها تنشط في غزة.
وتتمتع الكتائب في غزة بقدر جيد من التسليح والتدريب والتنظيم، وقد طوّرت إمكاناتها العسكرية، وصنّعت صواريخ: "أقصى1" و"أقصى 2″، وقذائف هاون وعبوات تفجير وغيرها، وشاركت مع غيرها من الفصائل الفلسطينية في التصدّي للحروب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقد بقيت للكتائب خلايا نشطة في مناطق الضفة الغربية كذلك، ولكنها تواجه تحديا مع الاحتلال من جانب، ومع السلطة الفلسطينية من جانب آخر، وبسبب التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تم تضييق الخناق عليها، وخضعت قياداتها وعناصرها لملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.
وتنتشر عناصر الكتائب في كل مدن الضفة الغربية، ولكنها مجموعات متفرقة لا قيادة مركزية لها، وتتمركز في المخيمات وفي رام الله، ويعتبر مخيم قلنديا والأمعري من أكثر المخيمات صداما مع أجهزة أمن السلطة، فضلا عن مخيمي بلاطة وجنين.
وقد صُنّفت كتائب الأقصى مجموعة إرهابية لدى دول عديدة، مثل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان.
العمليات العسكرية والحروب
كان للكتائب منذ تأسيسها دور بارز في الكفاح المسلح الفلسطيني، وقد قامت بمئات العمليات العسكرية، ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة والعمق الإسرائيلي، ومن أبرز هذه العمليات:
- عملية "كفار داروم"، وهي أولى عمليات اقتحام المستوطنات، نفذها بهاء الدين سعيد يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2000، وقتل وأصاب العديد من الإسرائيليين.
- زرع أول عبوة ناسفة تستخدم في الانتفاضة يوم 15 يوليو/تموز 2001، على طريق "كسوفيم" لباص ينقل مستوطنين، نجم عنه خسائر في الأرواح وإصابات بجروح.
- العلمية التي نفذها علي الجولاني يوم 5 أغسطس/آب 2001، قرب وزارة الدفاع الإسرائيلية، في عمق الأراضي المحتلة عام 1948، وكانت أولى العمليات في العمق الإسرائيلي.
- عملية "حاجز عين عريك": نفذها شادي السعايدة يوم 19 فبراير/شباط 2002، وفيها قُضي على الوحدة الموجودة على الحاجز الإسرائيلي، وتم الاستيلاء على بعض عتادها وبنادقها.
- عملية "عيون وادي الحرامية"، نفذها ثائر حماد يوم 3 مارس/آذار 2002، وفيها قتل 11 جنديا إسرائيليا على الحاجز.
- تفجير أول دبابة ميركافا إسرائيلية يوم 14 مارس/آذار 2002 قرب مستوطنة "نتساريم" حيث قتل طاقم الدبابة بأكمله.
- أول عملية بسيارة مفخخة نفذها محمود العناني يوم 8 مايو/أيار 2003، قرب مستعمرة "كفار ديروم".
- عملية "معبر بيت حانون": أول عملية اقتحام عبر حفر الأنفاق، وقد نفذها أشرف زقوت وأيمن سحويل يوم 26 فبراير/شباط 2004، حيث اقتحما موقعا عسكريا وقتلا جنديا إسرائيليا وأصابا ثلاثة آخرين بجروح خطيرة.
- عملية "كسوفيم": نفذها طارق ياسين يوم 23 يونيو/حزيران 2005، وقتل بها خمسة جنود إسرائيليين.
وتميز العمل الكفاحي للكتائب بمشاركة العنصر النسائي بدور نشط في الانتفاضة، فقد نفذت منتسبات للحركة عمليات فدائية، أشهرهن:
- وفاء إدريس: نفذت عملية يوم 28 يناير/كانون الثاني 2002 في القدس، ونجم عن العملية مقتل جندي إسرائيلي، وإصابة 90 آخرين بجروح.
- نورا جمال أبو شلهوب: نفذت عملية "حاجز الطيبة العسكري" يوم 25 فبراير/شباط من العام نفسه.
- آيات الأخرس: نفذت عملية تفجير في مركز تجاري بالقدس يوم 29 مارس/آذار 2002، أدت إلى مقتل إسرائيليَّين وإصابة 31 آخرين.
كما خاضت الحركة الحروب التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين، وقاتلت ببسالة إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى، فقد شاركت في حرب عام 2008، وفي معركة "هدير العاصفة" عام 2012، ومعركة "طريق العاصفة" عام 2014.
وقد شاركت الكتائب في إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المستوطنات والتجمعات الإسرائيلية، وقامت بعمليات قنص واشتباكات مباشرة من نقطة "صفر" مع جنود الاحتلال، وقدمت الكتائب في هذه المعارك عشرات الشهداء والجرحى، وقُصفت منازل قادتها ومقاتليها.
معتقلون وشهداء
اعتقلت قوات الاحتلال مئات من أعضاء كتائب شهداء الأقصى، وزجت بهم في السجون، منهم أعضاء مؤسسون وقادة، كما اعتقلت عشرات من نساء حركة فتح بتهمة الانتماء إلى كتائب شهداء الأقصى.
ومن أبرز القادة المعتقلين المحسوبين على الحركة: مروان البرغوثي، وناصر عويس، وزكريا الزبيدي.
وكذلك قدمت الكتائب مئات الشهداء خلال عملياتها المسلحة، وعمليات الاغتيال من قبل القوات الإسرائيلية، ومن أبرز هؤلاء الشهداء القادة: عاطف عبيات وجهاد العمارين ومجدي الخطيب ورائد الكرمي ونايف أبو شرخ وخليل مرشود ومروان زلوم وأبو جندل ومهند أبو حلاوة وجمال عبد الرازق وثابت ثابت ومسعود عياد وحسين عبيات.