"الأوفشور".. جنان ضريبية تثير الشبهات

شركات "الأوفشور" هي شركات تسجل في دولة ذات نظام ضريبي "متسامح"، يُتيح هوامش ربح أوسع للمستثمر ويسمح له بإخفاء هويته الحقيقية. وتعتبر البلدان المستضيفة لشركات الأوفشور "ملاذات" أو "جنانا ضريبية"، وقد استُخدمت هذه الشركات في بعض الأحيان لتبييض الأموال. وتُلزم التشريعات غالبا هذه الشركات بعدم ممارسة أي نشاط تجاري في البلد المضيف لها، كما يجب أن لا يكون المساهمون مقيمين فيه.

هويات مخفية
تعود تسمية الأوفشور إلى الصناعة النفطية، ويقصد بها البئر النفطية الموجودة في البحر، أي خارج الحيز الترابي القاري. ويتميز هذا النوع من الآبار بسهولة الاستغلال وجودة الإنتاج ووفرته.

وجدت التسمية مكانا لها في قطاع المال والأعمال لتدل على الشركات المُسجلة خارج بلد أو بلدان المساهمين. وتتميز بانخفاض كلفتها الضريبية ورمزية تكاليف الصيانة والمحاسبة وانخفاض كلفة التأسيس والضمانة الاستثمارية، ويمكن للمالك أن يدير شركته عبر وسيط.

فشركات الأوفشور تمارس عملها وأنشطتها في مناطق ذات ضرائب دخل قليلة أو معدومة (ما يعرف بالملاذات الضريبية)، تتيح قوانينها لمؤسسي الشركات إخفاء هوياتهم الحقيقية، علما بأن شركات الأوفشور ليست كلها غيرُ قانونية أو تمارس أعمالا غير مشروعة.

وكانت بنما الوجهة الثانية -بعد جزر العذراء البريطانية- لأهم الملاذات الضريبية المتضمنة في وثائق بنما للتهرب الضريبي، حيث يستعمل الأثرياء ما يعرف بشركات عنوان البريد الإلكتروني لإخفاء ثرواتهم ومصادرها.

ويلجأ الثري إلى المصرف الذي يتصل بمكتب الخدمات القانونية، مثل "موساك فونسيكا" (Mossack Fonseca) الذي يقوم بدوره بتأسيس شركة بريد إلكتروني للعميل في أحد الملاذات الضريبية مثل بنما، حيث يتدفق جزء من ماله إلى الشركة كرأس مال ابتدائي، ثم يترأس مدير صوري الشركة بحيث لا يظهر اسم العميل الثري في وثائقها، ويمكن فتح حساب وإصدار فواتير، فتبدو الرشى وكأنها نتيجة صفقات تجارية.

لا يمكن للسلطات المالية لبلد العميل الثري تعقب ماله لأنه مسجل باسم المدير الصوري، وبالتالي فإن الثري سيتمكن من إدارة أمواله كيفما شاء دون أن يظهر اسمه في أي وثيقة، وهو ما يسمح له بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال وما إلى ذلك.

جلب "استثمارات"
ظهرت شركات الأوفشور في سبعينيات القرن العشرين، وما لبثت أن ازدهرت في الثمانينيات مع رغبة بعض الدول في تشجيع جلب الاستثمار، عبر تقديم الكثير من المحفزات التي منها الإعفاءات الضريبية، والتساهل في المراقبة المالية، وعدم إجبار المستثمرين على نشر الحصيلة المالية لنشاطاتهم، وضمان سرية المعلومات الخاصة بالمستثمرين والمودعين.

وباتت اقتصاديات الدول التي انخرطت في هذا المجال قائمة بشكلٍ أساسي على نشاط هذه الشركات، وأبرز تلك الدول لوكسمبورغ، وسويسرا، وبريطانيا، وبنما، إلى جانب سيشل، وهونغ كونغ، والجزر البريطانية العذراء. 

يتركز نشاط شركات الأوفشور في قطاعات خدمية مالية وتجارية لا تتطلب بنيات تحتية للإنتاج ولا أيد عاملة كبيرة، مثل الاستيراد والتصدير، والاستشارات، والتجارة الإلكترونية والمعلوماتية والبرمجيات، والوساطة -سواء في البورصة أو التشغيل- وبيع رخص الاستثمار.

ويوفر هذا النوع من الشركات إمكانيات أكبر للقرب من الشركاء التجاريين والأسواق. وفي أوروبا تمنع التشريعات ترحيل بعض الأنشطة المصنفة ضمن الصناعات التقليدية، مثل المطاعم والمخابز.

شبهات
ولأن شركات الأوفشور توفر للمستثمر ملاذا آمنا إذا رغب في سرية نشاطاته التجارية وثروته وذلك عبر استعمال أسماء مستعارة بدلا من الاسم الحقيقي؛ فإن كثيرا من السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم يلجؤون إلى اتخاذ هذه الشركات واجهات وهمية لإخفاء ثروات مشبوهة أو أنشطة غير قانونية.

لقد ارتبطت شركات الأوفشور بإشكالات أخلاقية منها التهرب الضريبي المقنّع لأصحاب الثروات بينما تثقل الضرائب كاهل المواطن البسيط، كما تتخذ عناوين وواجهات وهمية لإخفاء ثروات غير شرعية.

وألقت فضيحة وثائق بنما -التي كشفها تجمع الصحفيين الاستقصائيين العالميين عام 2016- الضوء على جوانب مظلمة لهذه الشركات التي ظلت محل انتقاداتٍ كبيرة في الغرب منذ ظهورها، وتعاظمت تلك الانتقادات مع تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2007 حيث تحملت الملاذات الضريبية جانبا من المسؤولية في حدوثها.

وترتبط شركات الأوفشور في أحد جوانبها بعدم الاستقرار السياسي في العالم الثالث، وقلق النخب الحاكمة على مستقبلها. كما شكلت هذه الشركات والملاذات الضريبية لعقود طويلة عنوانا معهودا للنشاطات المالية المشبوهة لعصابات الجريمة المنظمة وتبييض الأموال.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية