السياسة النقدية.. التوازن الصعب

A one Australian dollar coin is seen in this picture illustration taken in Sydney, Australia, July 29, 2015. The Australian dollar was on a firmer footing on Wednesday as a relief rally in commodities and stocks underpinned sentiment. The Australian dollar rose to $0.7340, having bounced more than a cent since touching a six-year trough on Tuesday. The recovery was due to a combination of short-covering, a bounce in equities in Asia and a slight improvement in iron ore prices. REUTERS/David Gray
تساعد السياسة النقدية على تحقيق مجموعة من الأهداف كاستقرار قيمة العملة الوطنية (رويترز)

السياسة النقدية هي مجموع الإجراء ات والتدابير التي تتوسلها السلطات العمومية من أجل ضبط الكتلة النقدية المتداولة وتزويد الاقتصاد القومي بكمية النقود الضرورية لمواكبة نموه دون الإضرار بالتوازنات الاقتصادية الداخلية (استقرار الأسعار والموازنة العامة) والخارجية (ميزان المدفوعات).

ويتطلب الأمر من المصارف المركزية المسؤولة عن تدبير السياسات النقدية أن تعمد إلى تكييف الكتلة النقدية باستمرار مع حاجيات الاقتصاد، لأن كمية فائضة من النقود مقارنة بحجم السلع والخدمات المعروضة تؤدي إلى التضخم، والعكس من شأنه أن يؤدي إلى الانكماش وإدخال الاقتصاد في حلقة مفرغة.

أهداف السياسة النقدية
تساعد السياسة النقدية على تحقيق مجموعة من الأهداف الممكنة، أهمها : استقرار الأسعار، دعم النمو، توفير فرص الشغل، توازن ميزان المدفوعات، استقرار المنظومة المالية، واستقرار قيمة العملة.

لكن من غير الممكن تحقيق كل هذه الأهداف في الوقت نفسه بوساطة السياسة النقدية، وعليه فالسلطات العمومية تُفاضِل بينها حسب ما تقتضيه المصلحة والظرفية الاقتصادية، وتعتمد بقية مكونات السياسة الاقتصادية (السياسة الإنفاقية والسياسة الضريبية…) لبلوغ الأهداف الأخرى.

لقد لعبت السياسة النقدية في خمسينات وستينات القرن الماضي دورا بارزا في دعم النمو والتوظيف، لكن ذلك تم على حساب استقرار الأسعار.

وعرفت الاقتصادات العالمية خلال السبعينات نسب تضخم عالية أدت إلى تبني سياسات نقدية تقشفية مع بداية الثمانينات، وتميزت هذه السياسات بتطبيق أسعار فائدة جد مرتفعة.

وقد أصبح مطلب استقرار الأسعار هدفا أولويا تسعى وراءه العديد من المصارف المركزية عبر العالم منذ ذلك الحين، وإن كان بلوغه يتم على حساب النمو ويخلف وراءه أعدادا غفيرة من العاطلين عن العمل، حتى بين الاقتصادات الغربية المتقدمة.

أدوات السياسة النقدية
تتمكن السلطة المحلية في كل بلد من تنفيذ سياساتها النقدية وضبط الكتلة النقدية المتداولة في الاقتصاد من خلال ثلاث وسائل:

ـ التحكم في حجم التمويل المصرفي من خلال مستوى الاحتياطي الإلزامي، ويتعلق الأمر بنسبة معينة من ودائع الزبناء يتعين على المصارف التجارية إيداعها لدى المصرف المركزي. ويؤدي الرفع من مستوى هذا الاحتياطي إلى خفض السيولة النقدية للمصارف وحجم أموالها القابلة للإقراض.

وينعكس ذلك سلبا على قدرتها التمويلية للقروض ويحد من الكتلة النقدية المتداولة. كما أن خفضه ينعكس إيجابا على القدرة التمويلية للمصارف ويزيد من حجم الكتلة النقدية المتداولة.

ـ اللجوء إلى عمليات السوق المفتوحة (شراء وبيع السندات) التي تقوم بها المصارف المركزية بهدف ضخ المزيد من النقود في الاقتصاد أو التقليل منها.

ـ التحكم في أسعار الفائدة عبر تحديد معدل الفائدة المرجعي الذي تُقرض به المصارف المركزية عند مستوى معين، وبالتالي التأثير في سلوك الفاعلين الاقتصاديين (الاستثمار والاستهلاك) وطلبهم على النقود بشكل غير مباشر حيث أن معدلا مرتفعا للفائدة يحد من قدرة الأسر على الاقتراض بغرض الاستهلاك.

كما يحد من قدرة المقاولات على الاقتراض بغرض الاستثمار، ويؤثر ذلك في النهاية على حجم النقود التي يضخها النظام المصرفي الاقتصاد على شكل قروض، والعكس بالعكس.

مصداقية السياسة النقدية
وتحدد فعالية السياسة النقدية التي تنتهجها المصارف المركزية بمدى انضباط توقعات الفاعلين الاقتصاديين بخصوص التضخم، بمعنى أن يثق هؤلاء الفاعلين بقدرة السلطات النقدية ونيتها في التحكم في التضخم عند مستويات معتدلة ويبنوا قراراتهم (الأسعار، الأجور…) باستمرار وفقا لهذه القناعة.

 لكن التأثير في هذه التوقعات لا يتأتى إلا إذا كانت السياسة النقدية تتمتع بمنسوب عال من المصداقية في أعين الفاعلين الاقتصاديين.

وقد أدى السعي نحو مطلب المصداقية إلى تمتيع المصارف المركزية باستقلالية كاملة عن السلطات العمومية، والفصل بذلك بين أهداف السياسة النقدية وأهداف الحكومات القصيرة الأمد والمتأثرة بالأغراض الانتخابية.

وقد ساهمت الأعمال النظرية الاقتصادية للكلاسيكيين الجدد مع مطلع السبعينات في دعم هذا التوجه ومنحه أساسا نظريا في علم الاقتصاد.

كما دعت النظرية الاقتصادية تحقيقا للمزيد من المصداقية والفعالية إلى اعتماد سياسة نقدية صريحة يعلن عنها المصرف المركزي بوضوح خلافا للسياسات النقدية السائدة سابقا والتي تعتمد التكتم في توسل أهدافها.

ويتحقق ذلك عبر تحديد نسبة مئؤية قصوى لزيادة الكتلة النقدية سنويا كما يقترح ميلتون فريدمان، أو تحديد معدل تضخم أقصى يحكم تدخلات المصرف المركزي على المستوى النقدي.

المصدر : الجزيرة