بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد البريكست.. تحديات اقتصادية وضبابية سياسية
أصبحت التداعيات الاقتصادية والسياسية للبريكست أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، لكن الطريق الذي ستسلكه بريطانيا لا يزال غامضًا.
ووفقًا لمقال نُشر حديثا في فايننشال تايمز، لا يزال موضوع العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مثيرًا للانقسام، ويؤثر كثيرا على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.
ومع ازدياد التكاليف الاقتصادية وضغوط الرأي العام، يواجه القادة البريطانيون تحديات كبيرة في كيفية التعامل مع الإرث الذي خلفه البريكست.
البريكست والركود الاقتصادي
ومنذ خروج بريطانيا الرسمي من الاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2021، ظهرت تحديات اقتصادية واضحة. ويقدّر الاقتصاديون أن البريكست تسبب في خسارة دائمة في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ حوالي 5%، وهو رقم مماثل لتقديرات مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني.
وأظهرت مقارنة بين بريطانيا وأقرانها الأوروبيين أن النمو الاقتصادي في بريطانيا منذ عام 2016 كان متواضعًا، فقد كان أفضل من ألمانيا ولكن أسوأ من فرنسا، وبعيدًا عن دول مثل هولندا وسويسرا التي تفوقت تفوقا كبيرا.
ورغم أن بعض البلدان غير الأوروبية مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا حققت أداء أفضل بسبب ظروف محلية، فإن أداء بريطانيا المتدهور في فترة ما بعد البريكست يُعد أحد أسوأ الأخطاء الاقتصادية التي شهدها العالم المتقدم، وفق تقرير فايننشال تايمز.
الاستثمار والتجارة
وكان التأثير الفوري للبريكست واضحًا في توقف الاستثمارات التجارية على ما أشارت إليه فايننشال تايمز. فعقب استفتاء 2016، شهدت بريطانيا ركودًا في الاستثمار استمر حتى عام 2023.
ولم تقتصر التداعيات على الاستثمار فقط، بل امتدت أيضًا إلى التجارة. فبعد الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شهدت التجارة انخفاضًا حادًّا بسبب العوائق الجمركية والتنظيمية التي جعلت التبادل التجاري أكثر تعقيدًا وأقل كفاءة.
وانخفضت كثافة التجارة -وهي مجموع الصادرات والواردات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي- عن مثيلاتها في الدول المتقدمة الأخرى.
وقد تأثرت التجارة بالسلع على وجه الخصوص، وانعكس ذلك على المصدرين وخيارات المستهلكين على المدى القصير وأضعف الإنتاجية على المدى الطويل.
حزب العمال.. تحديات سياسية
ومؤخرا فاز حزب العمال بقيادة كير ستارمر في الانتخابات العامة في يوليو/تموز 2024 بعد حملة انتخابية ركزت على معالجة الركود الاقتصادي في البلاد.
وتعهد ستارمر بالتصدي لتداعيات البريكست الاقتصادية، لكنه استبعد إمكانية العودة إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي، وهو ما قد يثير القلق لدى بعض الدوائر الأوروبية.
ومع ذلك، اقترح ستارمر حلولًا عملية لتخفيف آثار البريكست، مثل السعي للتوصل إلى اتفاقية الصحة والصحة النباتية (SPS) مع الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يسهم في تسهيل الفحوصات الحدودية على الأغذية ويخفض من أسعار السلع في الأسواق البريطانية، ومن ثم سيخفف الضغط على الأسر البريطانية.
ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقية -وفق فايننشال تايمز- تتطلب قبول بريطانيا بإدخال قواعد الاتحاد الأوروبي ضمن قوانينها المحلية والخضوع لإشراف محكمة العدل الأوروبية.
مخاوف من انتقائية قانونية!
وبينما يسعى ستارمر إلى تخفيف بعض التداعيات من خلال تقليل الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي، هناك قلق أوروبي أشارت إليه الصحيفة بشأن مسألة "انتقاء" بريطانيا لبعض القوانين الأوروبية.
وترغب بعض القطاعات في التكيف مع قوانين الاتحاد الأوروبي مثل صناعة المواد الكيميائية والأدوية، لكن الاتحاد الأوروبي لا يرغب أن تنتقي بريطانيا فقط ما يناسبها من قوانين السوق الموحدة من دون تحمل جميع الالتزامات.
وتتمثل العقبة الرئيسة أمام تعميق العلاقات التجارية في الخوف من تراجع الحكومات البريطانية المستقبلية عن هذه الاتفاقات.
ورغم تقدم حزب العمال في الانتخابات، فإن حزب المحافظين لا يزال يتمتع بشعبية متزايدة في استطلاعات الرأي، وذلك يجعل الاتحاد الأوروبي يتردد في توقيع اتفاقيات طويلة الأمد يمكن أن تتغير في المستقبل.
مستقبل العلاقة
ولا يزال غير واضح إلى أين ستتجه علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل. وعلى الرغم من أن الرأي العام البريطاني تجاه البريكست قد تحول نحو السلبية، إذ يعتقد أغلب البريطانيين الآن أن هذه الخطوة كانت خطأ، فإن الحديث عن العودة إلى الاتحاد الأوروبي أو السوق الموحدة لا يزال غير مطروح بشكل واسع، كما تقول الصحيفة.
ومع ذلك، بمرور الوقت وتلاشي صدمة ما بعد الاستفتاء، قد تتغير هذه الديناميكيات. ومع ازدياد الضغط العام على الحكومة، قد يجد "البريكستيون" أنفسهم في موقف معاكس، كما قد تجد بريطانيا نفسها أمام حاجة لإعادة النظر في علاقتها مع أوروبا.