كيف وقعت الصين الشيوعية في حب الخصخصة؟
تناولت مجلة "إيكونوميست" قضية لجوء السلطات الصينية المتزايد إلى الخصخصة كوسيلة لسد العجز المالي المتزايد في البلاد.
فخلال زيارته الأخيرة لمدينته لايشي (شرقي الصين) تفاجأ غوو بينغ (اسم مستعار) بأن الحكومة المحلية باعت عددا من الأصول المملوكة للدولة، بما في ذلك خزانات للمياه.
ويعكس هذا الإجراء الوضع المالي الصعب الذي تواجهه المدن والبلدات في جميع أنحاء الصين، حيث تراجعت إيرادات الحكومات المحلية بشكل كبير كما تشير الصحيفة.
وفي ظل محاولات المسؤولين لإنعاش الاقتصاد، شهدت البلاد تراجعا في الإيرادات الضريبية. كما أن أزمة العقارات زادت الوضع سوءا، إذ أثرت بشكل مباشر على قدرة السلطات المحلية على بيع حقوق استخدام الأراضي التي كانت تُعد مصدرا رئيسيا للدخل.
وعام 2023، انخفضت الإيرادات المتعلقة بالأراضي إلى 26% من إجمالي إيرادات السلطات المحلية، مقارنة بـ36% عام 2020.
ومع تراجع الإيرادات، بدأت المدن في البحث عن طرق جديدة لزيادة إيراداتها. وبدأت بعض المناطق في فرض رسوم وغرامات جديدة. على سبيل المثال، في مدينة ووتشو، أصبحت الغرامات المفروضة على المخالفات المرورية تشكل نحو 50% من دخل المدينة، في حين كانت النسبة تقل عن 8% في معظم المدن الأخرى.
اللجوء إلى بيع الأصول
وتشير إيكونوميست إلى أنه وفي محاولة لتخفيف الضغوط المالية، دعت الحكومة المركزية عام 2022 السلطات المحلية إلى "إحياء" أصولها، أي بيعها أو تأجيرها أو إعادة تمويلها. والعام الماضي، وجه مجلس الدولة الصيني تعليمات إلى 12 مقاطعة تعاني من الديون بضرورة "كسر الأواني وبيع الحديد" وهو تعبير يُستخدم للإشارة إلى جهود أكبر لجمع الأموال.
مدينة جوانزو، على سبيل المثال، جمعت 370 مليون يوان (حوالي 50 مليون دولار) من خلال السماح لشركات المياه والحافلات ببيع قطع أراض. وفي تشونغتشينغ، أعلن أحد الأحياء في أغسطس/آب أنه سيبيع أصوله للتخفيف من أزمة الديون.
وفي مدينة تشينغداو والتي تشمل لايشي، بلغت مبيعات الأصول المملوكة للدولة في البورصة المحلية 5.9 مليارات يوان (832 مليون دولار) العام الماضي، وهو أكثر من ضعف ما كان عليه في العام السابق. وتضمنت هذه المبيعات حقوق استخدام 7 خزانات بعقود تستمر حتى 40 عامًا.
تحديات وانتقادات
ومع ذلك، فإن عملية بيع الأصول الحكومية تواجه العديد من التحديات حسبما قالت إيكونوميست. أحد أبرز هذه التحديات هو تحديد الملكية الفعلية للأصول، خاصة تلك التي يزيد عمرها على عقدين وتفتقر إلى الوثائق الرسمية. كما أن دمج المدن وتوسعها على مدى العقود الماضية جعل من الصعب تحديد المالك الفعلي للكثير من هذه الأصول.
وهناك أيضا مخاطر قانونية -وفق الصحيفة- تحيط بمثل هذه الصفقات، حيث يخشى المشترون من أن تكون هذه المبيعات عرضة للتحقيقات في المستقبل بتهمة الفساد أو بيع الأصول بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية. إضافةً إلى ذلك، يشعر المشترون من القطاع الخاص بالخوف من أن يتهموا بالحصول على الأصول بأسعار منخفضة جدا، أو أن تنطوي الصفقة على مخاطر تجعلها غير مجدية اقتصاديا.
وتعرضت هذه المبيعات لانتقادات واسعة. فعلى سبيل المثال، أظهرت وثائق بيع خزانين في لايشي أن المشتري كان شركة حكومية أخرى في نفس المدينة، مما يشير إلى أن العملية ليست خصخصة حقيقية.
وتثير هذه التحركات تساؤلات حول فعالية هذه الإجراءات في حل مشكلة الديون المتراكمة على المدى الطويل. وقد أعرب غوو عن استيائه من هذه المبيعات، مشيرا إلى أن هذا يعكس "تدهورا اقتصاديا تدريجيا."
وتظل هذه الجهود -وفق إيكونوميست- جزءا من محاولة أوسع من قبل الحكومة الصينية لرفع الإيرادات في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة. ومع ذلك، يبقى السؤال ما إذا كانت هذه التدابير ستكون كافية لمعالجة المشكلات المالية العميقة التي تواجهها البلاد.