كيف أثرت حرب السودان على القطاع الزراعي في البلاد؟
الخرطوم – تلقي الحرب بظلال قاتمة على كافة القطاعات الحيوية في السودان بعد تدمير هائل أصاب البنية التحتية والمصانع والمؤسسات الحكومية والخاصة لاسيما في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان (غرب) والجزيرة (وسط)، الأكثر تأثر بالمعارك الدائرة على مدى 11 شهرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وكغيره من القطاعات الاقتصادية المهمة، تأثر القطاع الزراعي في السودان بتداعيات الحرب.
ويعد هذا القطاع المنتج الوحيد في البلاد، لكن امتداد القتال إلى ولاية الجزيرة -التي تحتضن أكبر المشروعات الزراعية في السودان- من شأنه خلق ارتدادات كبرى على الوضع خلال الأشهر المقبلة.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 80% من القوة العاملة في السودان تنشط في قطاع الزراعة والرعي، الذي يساهم بـ32.7% من إجمالي الناتج المحلي.
وتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3% بسبب الحرب، التي دمرت القاعدة الصناعية وأوقفت النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وتآكل قدرة الدولة.
وبحسب تقديرات رسمية حصلت عليها الجزيرة نت، فإن حوالي 14 مليون فدان تمت زراعتها بالذرة والدخن، و300 ألف فدان زرعت بالقمح في مختلف أنحاء السودان.
الفجوة الغذائية
ويقر وزير الزراعة والغابات السوداني أبو بكر البشرى، في حديث للجزيرة نت، بأن الوضع تأثر بفعل الحرب، ومع ذلك يتوقع أن يغطي الإنتاج الفجوة الغذائية، ويستدرك بالقول "إذا لم يحدث ذلك فنحن منفتحون على الاستيراد لضمان الأمن الغذائي".
ويحتاج السودان إلى ما بين 5.5 و6 ملايين طن من الحبوب لتغطية احتياجاته الغذائية، وهو ما يصعب توفيره بسبب الحرب المستعرة، التي أحدثت فجوة غذائية واسعة دفعت بوكالات الأمم المتحدة لإطلاق نداءات تتحدث عن تعرض ما لا يقل عن 18 مليون سوداني لخطر الجوع الشديد.
ويؤكد البشرى أن عجلة الإنتاج مستمرة ولم تتوقف منذ اليوم الأول للحرب حيث تمت زراعة الموسم الصيفي في عدد من الولايات بنحو جيد وفقا للخطة التأشيرية، كما يقول، بينما تعذر الأمر في ولايات دارفور الخمس وولايتي غرب وجنوب كردفان، وهي التي امتدت إليها المعارك المسلحة.
وتبلغ المساحة المقدرة لزراعة الموسم الصيفي في هذه الولايات حوالي 12 مليون فدان، جميعها لم تزرع بسبب القتال وعدم توفر العمالة.
ويصعب -بحسب الوزير- تقديم أرقام قاطعة بشأن الإنتاج، حيث تجرى في العادة عمليات تقديرية بعد الحصاد، لكن العملية ذاتها تأخرت الآن بسبب الأوضاع الأمنية في ولاية الجزيرة، ويضيف أن "اللجان تجوب الآن الولايات لتقدير الإنتاجية، ولن نستطيع الحديث عنها قبل الحصول على تقاريرها".
ويتابع الوزير "ننتظر هذه النتائج لمعرفة حجم الإنتاج لهذا العام.. نحن متفائلون وبدأنا زراعة الموسم الشتوي".
ويؤكد أن المساحات المطلوبة تمت زراعتها باستثناء ولاية الجزيرة التي كان يفترض أن تزرع حوالي 350 ألف فدان قمح لكن لم تكتمل سوى زراعة 220 ألف فدان، بينما لم تتأثر المساحات التي تزرع القمح في الولايات الشمالية وحلفا الجديدة شرقا والنيل الأبيض جنوبا.
خسائر
وبشأن الخسائر التي ألحقتها الحرب بالقطاع الزراعي، يقول وزير الزراعة "نحن لسنا في مرحلة تقييم الخسائر.. بالتأكيد حدثت وكانت كبيرة جدا في ولاية الجزيرة، والدولة تعمل على تقييم كل الخسائر".
وتحدث وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في مؤتمر صحفي قبل أيام ببورتسودان، عن تراجع الإيرادات بسبب توقف المصانع، في وقت تأثرت فيه الصادرات إلى حد كبير خصوصا من الولايات الغربية.
ويردف "الإنتاج في كثير من المشروعات تعطّل، والنقل حتى بعد الإنتاج تعطل". وتوقع الوزير أن تبلغ خسائر الحرب 200 مليار دولار.
والمؤكد أن أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية تأثّرت بالقتال المتصاعد، كما لم يتمكن آلاف المزارعين من الحصاد بسبب انعدام الأمن وعدم توفّر التمويل.
وبحسب مسؤول في غرفة الصمغ العربي، فإن صادرات الصمغ تقلصت من 120 ألف طن سنويا إلى أقل من 40 ألف طن، كما توقّفت الشركات خوفا على رؤوس الأموال، في وقت يعاني فيه المزارعون من كساد المحصول بعد الإحجام عن الشراء.
وتتحدث تقديرات لمختصين في الشأن الاقتصادي عن تدمير 65% من قطاع الزراعة في السودان، في حين دُمّر القطاع الصناعي بنسبة 75%، والقطاع الخدمي بنسبة 70%.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل تأثر الوضع الزراعي بالحرب بصورة كبيرة لا سيما بعد دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وقراها ورئاسة المشروع، حيث نهبت مدخلات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وآليات وحاصدات وتلف 80% من المشروع خاصة العروة الشتوية التي تأثرت بالانفلات الأمني ومهاجمة القرى بنحو أعاق قدرة المزارعين على الوصول للأرض وفلاحتها.
وقال المهل للجزيرة نت إن رئاسة المشروع نُهبت بشكل كامل ونزح الموظفون والعمال وإدارة المشروع إلى خارج الولاية وتلفت قنوات الري وجفت تماما.
وفي ولايات دارفور وجنوب كردفان وولاية الخرطوم وغيرها، تأثرت مساحات زراعية واسعة، وتعطل تبعا لذلك 70% من إنتاج الصمغ والقطن وغيرهما من المنتجات.
نقص التمويل
وبحسب المهل، فإن الزراعة في الولايات الأخرى تأثرت بنقص التمويل، وانعدام مدخلات الإنتاج ووسائل الحركة، ومن الجانب الآخر تأثر قطاع الثروة الحيوانية خاصة في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وغيرها، كما توقف الصادرات بصورة شبه تامة.
وقال المهل "إذا لم يتم إنقاذ الموسم الزراعي في ولاية الجزيرة وإنقاذ حصاد القمح ستحدث فجوة غذائية يتأثر بها أكثر من 20 مليون سوداني".
من جهته، يتحدث المحلل الاقتصادي هيثم فتحي للجزيرة نت عن دراسات عديدة أظهرت انخفاض قطاع الأغذية الزراعية بنسبة 22%، ويمثل هذا القطاع 33% من الناتج المحلي الإجمالي، مع خسائر تُقدّر بـ2.2 مليار دولار بنهاية العام.
ويرى أن الزراعة هي الفرصة المتاحة للنهوض بالاقتصاد السوداني مستقبلاً بعد توقف الحرب.
ويشير فتحي إلى أن قوات الدعم السريع اجتاحت إحدى كبرى المناطق التي تشتهر بالزراعة، وغادر غالب المزارعين والموظفين تلك المناطق مما أثرت على الإنتاج الزراعي.
وقال إن الحرب أثرت سلبا على القطاع الزراعي الذي يوفّر 80% من الوظائف في السودان، كما تعطلت سلاسل التوريد المتمركزة في العاصمة، ونهبت مستودعات المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والبذور والمبيدات.
وأضاف أن "الحرب أثرت بصورة كبيرة على القطاع الزراعي بسبب عدم توفر الأمن وتأخر وصول المدخلات الزراعية من أسمدة وغيرها من المدخلات الزراعية، مما يشكل تهديدا مباشرا للأمن الغذائي في البلاد".