ما التداعيات الاقتصادية لاقتراض الحكومة التونسية من المركزي؟
تونس- أثار لجوء الحكومة في تونس إلى اقتراض 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار) من البنك المركزي لتسديد قروض خارجية وتمويل نفقات لسنة 2024 مخاوف لدى الكثير من المراقبين مما قد يجره الاقتراض بالعملة الأجنبية من تدهور قيمة الدينار التونسي وتصاعد مستوى التضخم.
وصدّق البرلمان التونسي أول أمس الثلاثاء على مشروع قانون استعجلت الحكومة النظر فيه وتضمن بندا واحدا، وهو الترخيص للبنك المركزي التونسي بشكل استثنائي في منح تسهيلات للحكومة بمبلغ صاف قيمته 7 مليارات دينار يسدد على 10 سنوات مع 3 سنوات إمهال ودون فوائد مالية.
ولم يحدد القانون المصدّق عليه -بعد جلسة شهدت جدلا كبيرا بين النواب- مجالات استعمال هذا القرض، لكنه أشار إلى أنه سيسحب على أقساط حسب حاجيات الخزينة العامة للدولة التونسية، على أن تبرم اتفاقية بين وزارة المالية والبنك المركزي التونسي لضبط طرق سحب القرض المذكور.
وللحصول على هذا القرض من البنك المركزي التونسي لجأت الحكومة إلى تصديق البرلمان لتعليق العمل "استثنائيا" بالفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 والمتعلق بالقانون الأساسي للبنك المركزي، والذي لا يتيح في الأصل للبنك إمكانية منح الخزينة العامة للبلاد التونسية تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض.
قرض بالدينار أم بالعملة الأجنبية؟
بدوره، يقول سليم بسباس وزير مالية سابق وخبير اقتصادي للجزيرة نت إن التسهيلات الاستثنائية التي سيمنحها البنك المركزي التونسي لخزينة الدولة ستكون بالدينار التونسي مع إمكانية سحب تلك الأموال بالعملة الأجنبية بالنظر إلى صعوبة النفاذ للتمويل الخارجي، خاصة بعد تعطل الاتفاق مع صندوق النقد.
ويوضح أن الاتفاقية المرتقبة بين وزارة المالية والبنك المركزي التونسي ستتم على هذا الأساس، أي وضع تسهيلات بقيمة إجمالية قدرها 7 مليارات دينار مع إمكانية أن يحوّل البنك المركزي التونسي تلك التسهيلات أو جزءا منها بالعملة الأجنبية إلى الحكومة لتسديد أقساط من قروض خارجية إذا احتاجت لذلك.
وكانت وزيرة المالية سهام نمصية قد كشفت عن توجيه جزء من قيمة القرض الاستثنائي من البنك المركزي التونسي لسداد قرض سيحل أجله يوم 14 فبراير/شباط الجاري بقيمة 3 مليارات دينار (نحو مليار دولار)، مرجعة اللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي التونسي إلى وجود صعوبة في تعبئة قروض خارجية.
وقد قدرت الحكومة حاجيات الموازنة لهذا العام من القروض بأكثر من 28 مليار دينار (9.2 مليارات دولار)، منها 16.44 مليار دينار (5.4 مليارات دولار) في شكل قروض خارجية، مقابل 11.75 مليار دينار (3.8 مليارات دولار) على هيئة قروض داخلية، ليبلغ حجم الدين لسنة 2024 نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
صك على بياض للحكومة الحالية
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إن القانون الجديد لا يحدد استعمالات تلك التمويلات، حيث لا يلزم الحكومة بالمجالات التي يتعين عليها الإنفاق فيها لتجنب المخاطر المرتبطة بالتضخم.
ويوضح أن القرض لا يحدد قيمة التسهيلات التي ستأخذها الحكومة بالعملة الأجنبية من مدخرات البنك المركزي "بالتالي هناك غموض على مستوى القانون"، ويواصل "من غير المعقول أن يقدم البنك المركزي صكا على بياض للحكومة لاستعمال هذه التسهيلات في مجالات لم يتم تحديدها مسبقا بالقانون".
ويستغرب من سبب عدم لجوء الحكومة إلى القروض المبرمجة في قانون الموازنة لسنة 2024 لتسديد القروض الخارجية خلال الربع الأول من العام الجاري قبل اللجوء إلى البنك المركزي التونسي، محذرا من أن اقتراض الحكومة بالعملة الأجنبية من البنك المركزي سيقلص مدخراته ويضعف قيمة الدينار.
ومن المفترض أن تحصل تونس خلال العام الجاري على قروض بقيمة 500 مليون دولار من السعودية وبقيمة 400 مليون دولار من البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير، وبقيمة 300 مليون دولار من الجزائر، وبقيمة 63 مليون دولار من البنك الدولي، وبقيمة 38 مليون دولار من صندوق النقد العربي.
لكن الحكومة لم تحدد في قانون المالية لسنة 2024 مصادر تمويل مبلغ قيمته تتجاوز 10 مليارات دينار (3.3 مليارات دولار)، الأمر الذي يدفعها للجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي التونسي بهدف تقليص عجز الموازنة والالتزام بسداد القروض والأجور ونفقات الدعم، خاصة في خضم سنة انتخابات رئاسية.
الموقف الرسمي من مخاطر القرض
بدورها، قالت وزيرة المالية سهام نمصية خلال الجلسة العامة في البرلمان لمناقشة الحصول على تسهيلات استثنائية من البنك المركزي التونسي إن هذا القرض لن تكون له آثار سلبية على التضخم، معتبرة أن طريقة سحب القرض ومجالات صرفه من شأنها أن تقلص التداعيات السلبية لهذا التمويل على الاقتصاد.
ولفتت نمصية إلى أن جزءا من هذا القرض سيوجه لتسديد دين حل أجله في الشهر الجاري بقيمة 3 مليارات دينار (مليار دولار)، فيما ستوجه بقية المصاريف لمجالات التنمية والاستثمارات العمومية على غرار دعم شركة الفوسفات الحكومية ودعم مصنع عجين الحلفاء في غرب البلاد ومصنع الفولاذ شمالها.
من جانبه، قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي مؤخرا خلال جلسة استماع اللجنة المالية في البرلمان بشأن هذا القرض الاستثنائي إنه لن ينجم عن هذا القرض تضخم، لكنه أشار إلى أن سداد القرض بقيمة 3 مليارات دينار في 14 فبراير/شباط الجاري سيخفض احتياطي العملة بـ14 يوما.
ويرى مراقبون أن تصريحات العباسي -الذي ستنتهي بعد أيام ولايته على رأس البنك المركزي- تكاد تكون دبلوماسية بدعوى أنه يسعى للخروج من البنك بسلام.
لكنهم يرون أن العباسي حذر من تدهور سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية في حال تقلصت مدخرات البنك المركزي من العملة الأجنبية.
رأي الخبراء في تداعيات القرض
من جهته، يقول الخبير سليم بسباس إن سداد القرض بقيمة 3 مليارات دينار في 14 فبراير/شباط الجاري سيقلص احتياطي العملة الأجنبية لدى البنك المركزي من 117 يوما إلى 102 يوم، معتقدا أن مستوى مدخرات العملة في البنك يبقى على المدى الحالي "مطمئنا" ما دامت أعلى من سقف 90 يوما.
ومع ذلك، يؤكد بسباس للجزيرة نت أن هذا الهبوط الحاد بـ14 يوم توريد في بداية السنة الجارية ستكون تداعياته سلبية على الدينار على المديين القريب والمتوسط إذا لم تتم تعبئة موارد خارجية.
ويعتبر أن لجوء الحكومة إلى سحب أقساط أخرى بالعملة الأجنبية من البنك المركزي في إطار التسهيلات الاستثنائية التي حصلت عليها سيقلص احتياطي العملة الأجنبية لدى البنك، مما قد يصعّد عمليات التوريد ويخلق ضغطا كبيرا على العملة الأجنبية ويهدد بإضعاف الدينار وتفاقم التضخم المستورد.
ويقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إن لجوء الحكومة إلى مدخرات البنك المركزي التونسي ستكون له تداعيات سلبية، ولا سيما على التصنيف السيادي للبنك المركزي من قبل وكالات التصنيف الدولية التي تعتبر أن التمويل المباشر لخزينة الدولة من قبل البنك المركزي يمس استقلاليته ومصداقيته.