هل تنتشل دولارات رأس الحكمة اقتصاد مصر من أزمته؟
القاهرة- عَجّلت مصر الكشف عن تفاصيل صفقة "رأس الحكمة" -أكبر صفقة في تاريخ البلاد- بعد يوم واحد من موافقة الحكومة المصرية، على أضخم صفقة استثمار مباشر من خلال شراكة استثمارية مع كيانات كبرى، من دون أن تحدد طبيعة الاستثمار ولا المشروع المستثمر فيه، ولا الجهة المستثمرة.
وصرّح المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، الخميس الماضي، بأن تفاصيل الصفقة سوف يعلن عنها قبل شهر رمضان المبارك، وأن البيان هو إعلان موافقة مجلس الوزراء على الصفقة ورسالة طمأنة للمواطنين أن الدولة لديها رؤية لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة.
تعجيل
لكن في اليوم التالي، فاجأت الحكومة المصرية المصريين بتوقيع ما وصفته بأكبر صفقة استثمار مباشر من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان، و"شركة أبوظبي التنموية القابضة" بدولة الإمارات لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي.
وطوال نحو 4 أسابيع روّجت وسائل الإعلام المحلية التابعة للدولة عن المشروع، نقلا عن مصادر مطلعة على اعتباره "المصباح السحري" لحل أزمة الدولار، في إشارة إلى مشروع مدينة "رأس الحكمة" الذي سوف يدر أكثر من 22 مليار دولار، لكن إعلان الحكومة لاحقا جاء أكبر من هذا الرقم.
وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الجمعة، عن تفاصيل المشروع الذي وصفه بـ"الأضخم" على الإطلاق، وقد جاء كالتالي:
- تبلغ مساحة مشروع "رأس الحكمة الجديدة" 170.8 مليون متر مربع (نحو 40 ألفًا و600 فدان).
- سيدر المشروع 35 مليار دولار خلال شهرين منها 24 مليار دولار سيولة مباشرة، و11 مليار دولار ودائع إماراتية سيتم تحويلها بالجنيه المصري في المشروع.
- يعد المشروع ضمن مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052.
- ثمة توقعات بأن تستقطب المدينة الضخمة ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي إلى مصر.
- تتوقع الإمارات استثمار ما لا يقل عن 150 مليار دولار طوال مدة تنفيذ المشروع.
- تحصل مصر على 35% من أرباح المشروع.
وقال رئيس الوزراء إن السيولة القادمة من المشروع سيتم "استخدامها في حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة"، مضيفًا أنه سيستحدث "الملايين من فرص العمل التي ستتاح أثناء إنشاء المدينة وبعد إنشائها وتشغيلها للشباب المصري والشركات العاملة في قطاع المقاولات".
وتوقع أن تساعد مثل هذه المشروعات على "تحقيق حلم أن يأتي إلى مصر 40 أو 50 مليون سائح".
بناها الملك
وتتخذ منطقة رأس الحكمة شكل مثلث في البحر الأبيض المتوسط، وهي قرية تتبع مدينة مرسى مطروح بمحافظة مطروح على الساحل الشمالي.
وتبلغ مساحتها 55 ألف فدان (الفدان 4 آلاف متر)، وتبعد عن مدينة مطروح 85 كيلومترا، وقد أنشأها الملك فاروق، آخر ملوك مصر، بعد أن اختار موقعها بعناية وبنى فيها استراحة ملكية للأسرة المالكة، والتي تحولت إلى مقر رئاسي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ثم حسني مبارك وأسرته. ويعد الشريط الساحلي بطول 50 كيلومترا والواقع بين مدينة الضبعة ومرسى مطروح، وفقا لموقع خريطة مشروعات مصر (حكومي) على الإنترنت.
متلازمة الإخلاء والمشروعات
صدر قرار جمهوري عام 1975 بإخلاء القرية من سكانها، والتي تبلغ مساحتها 55 ألف فدان، ولم يتم تنفيذ القرار حتى عاد المشروع من جديد للظهور (عام 2015)، وبدأت الجهات المعنية بمحاولة إجبار السكان على الخروج من منازلهم وإخلاء أراضيهم، مما أثار الكثير من الاستياء خاصة وأن المحافظة لم توفر لهم البدائل المناسبة.
وبحسب محافظ مطروح، سيتم تعويض الأهالي ببناء مدينة سكنية متكاملة، ويمنح كل متضرر منزلا بديلا، أو تعويضه بمبلغ مالي مناسب حسب رغبته، بالرغم من عدم أحقيتهم وعدم وجود أوراق تثبت ملكيتهم للأرض، وفقا للموقع الحكومي.
وتباينت الآراء والتوقعات في المشروع بين من اعتبره "صفقة العمر" القادرة على حل مشاكل الاقتصاد المصري، وبين من رأى أنه مشروع مثل المشاريع "المبالغ فيها" والتي سبق وأن وصفتها الحكومة بأنها ستغير وجه الاقتصاد المصري، في إشارة إلى العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وقناة السويس الجديدة.
أكبر الرابحين
وصفت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقًا، الدكتورة عالية المهدي، الصفقة بأنها "صفقة مصالح للطرفين، حصلت بموجبها الإمارات على أفضل موقع على شواطئ مصر، وهم بارعون في ذلك، وسوف تحصل (مصر) على مبلغ ضخم بالعملة الصعبة يساعدها في تجاوز محنتها والخروج من عنق الزجاجة بشكل مؤقت ما لم تقترن بإصلاحات اقتصادية".
وأوضحت، في تعليق للجزيرة نت، "أن المردود الإيجابي والسريع سيكون تخفيف الضغط على الجنيه المصري وارتفاعه أمام الدولار لفترة زمنية تتراوح بين بضعة شهور وسنة، ولكن الصفقة لن تحل مشاكل الاقتصادي المصري كلها "لأن المشاكل تتعلق بالإنتاج بكافة أشكاله، وإن لم نكن قادرين على معالجتها على الوجه الصحيح فلن تستطيع مثل هذه الصفقة ولا غيرها من الصفقات حل مشاكل الاقتصاد".
ورهنت المهدي نجاح الصفقة بعدة أمور من بينها:
- ألا يكون المشروع مضرا بالبيئة خاصة أنها أجمل مناطق مصر البحرية.
- القدرة على جذب السياحة العالمية وليس العربية كما في مشروع "مراسي".
- حدوث إصلاحات هيكلية للاقتصاد والإفراج عن السلع و خفض الأسعار.
المنطقة وليس مصر
اعتبر أستاذ ورئيس قسم التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، حسن الصادي أن "صفقة رأس الحكمة هي إنقاذ للمنطقة بأسرها وليس لمصر فقط، لأنه في حال حدوث انهيار للاقتصاد المصري سيؤدي إلى مشاكل كبيرة في منطقة الشرق الأوسط بالتالي فهي صفقة اقتصادية ذات أبعاد سياسية وليس من مصلحة أحد أن تنقلب مصر على صراعاتها في الداخل".
وقال الصادي للجزيرة نت إن مربط الفرس في الصفقة هو استغلال التدفقات النقدية البالغة 35 مليار دولار في إعادة التوازن لسوق الصرف والقضاء على ظاهرة المضاربة على الدولار من خلال سداد جزء من أصل الدين الخارجي للبلاد.
وأضاف أن الجزء المتبقي وهو 24 مليار دولار سيتم استغلالها في سد الاحتياجات الكبيرة والبالغة نحو 17 مليار دولار خلال الشهور القليلة المقبلة، إذ تتجاوز الفجوة التمويلية 30 مليار دولار خلال العام الحالي.
وتابع: "أما بقية المبلغ، إن لم تحسن الحكومة المصرية استخدامه على الوجه الأمثل والعمل على توجيه ضربات قوية لتجارة العملة نكون قد ضيعنا أكبر فرصة أمامنا".
وطالب أن تفرج الحكومة عن كل البضائع المكدسة في الجمارك خاصة مستلزمات الإنتاج للمصانع واحتياجات المواطن المصري من السلع الرئيسية حتى يظهر أثر تلك التدفقات النقدية، وبالتالي لن تكون مصر مضطرة إلى خفض قيمة الجنيه إلى مستوى السوق السوداء والذي كان يطالب به بعضهم بما فيهم صندوق النقد الدولي عند 65 جنيها.
ليست الأولى وليست الحل
من جهته، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي ودراسات الجدوى والدراسات التنموية، مصطفى يوسف، أن "مثل تلك الصفقات الضخمة تكررت خلال العقد الماضي، فقد كانت البداية بالإعلان عن حصيلة مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس/آذار عام 2015 بأكثر من 175 مليار دولار من خلال توقيع عشرات الاتفاقيات، ثم مشروع قناة السويس الجديدة والحديث عن إيرادات بأكثر من 100 مليار دولار سنويا وغيرها من المشروعات والصفقات".
وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن "الصفقات والمشاريع العملاقة التي أعلنت عنها مصر كثيرة جدا، لكنها كانت مجرد أرقام في الهواء لم تترجم على أرض الواقع وبدلا من ذلك تحولت إلى ديون بأكثر من 165 مليار دولار، وهوى الجنيه إلى مستويات تاريخية وارتفعت الأسعار أكثر من 5 أضعاف وانسحقت الطبقات الفقيرة والمتوسطة".
وتوقع يوسف أن يكون أثر التدفقات النقدية والصفقة -بشكل عام- مؤقتًا وليس دائمًا، وقال: "مشاكل الاقتصاد المصري لا تعالج بهدايا من السماء ولا بمصباح سحري إنما بإصلاحات هيكلية تعزز الإنتاج وتفسح المجال للقطاع الخاص".