تقلبات أسواق النفط.. الرابحون والخاسرون

النفط له تأثير مباشر وغير مباشر على المستهلكين (غيتي)

يبدو أن سوق النفط والطاقة يجسد بوضوح المقولة الشهيرة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، ففي حين تنتعش بعض القطاعات جراء التقلبات السعرية، تتلقى أخرى ضربات قاصمة، لكن المؤكد أن الخاسر الأكبر هو المستهلك.

صراع الشرق الأوسط

وذكرت شبكة "يورو نيوز" الفرنسية أن التصاعد الشديد في الصراع بين إيران وإسرائيل والتوترات الجيوسياسية أدت إلى صعود أسعار النفط والتأثير على قطاعات أخرى.

وفسرت الشبكة ذلك قائلة إن "الأصول ذات الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار قد تنتعش بدرجة أكبر، في حين تقبع أصول أخرى تحمل قدرا أكبر من المخاطرة مثل أسهم التكنولوجيا تحت ضغوط".

وكتب الأستاذ المساعد في القياس الاقتصادي والإحصاء، كلية الأعمال في ملبورن، جيمي كروس مقالا بموقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي في أكتوبر/تشرين الأول الجاري شدد فيه على أن تزايد التوترات في الشرق الأوسط تهدد بزيادة أسعار النفط بشكل كبير وخلق أزمة حياتية.

ونوه الكاتب الأسترالي إلى أن الهجوم الإيراني الصاروخي مؤخرا على إسرائيل تسبب في صعود ملحوظ للنفط في ظل مخاوف من ضربات انتقامية تضع إمدادات البترول تحت دائرة الخطر.

وأفاد بأنه "قبل عام تقريبا، توقعتُ أن صراعا معزولا بين إسرائيل وحماس لن يُحدث زيادة ملحوظة في أسعار النفط، لأن كلا من غزة وتل أبيب لا ينتجان كثيرا من النفط. لكن هذه المرة الوضع مختلف".

وفسر ذلك قائلا "إيران لاعب رئيسي في سوق النفط الخام العالمية، إذ ذكرت أحدث إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إيران تاسع أكبر منتجي النفط العام الماضي بنسبة 4%".

ورغم أن النسبة تبدو صغيرة، فإن أحداثا سابقة مثل تأميم إيران لشركة النفط الأنجلو إيرانية في أوائل خمسينيات القرن الماضي، والثورة الإيرانية في أواخر السبعينيات والحرب الإيرانية العراقية أدت إلى زيادة في أسعار النفط، وفقا للكاتب الأسترالي.

وتابع "بينما قد تؤدي الأحداث الأخيرة إلى تقليص إمدادات النفط وتضع ضغطا على سعره، ثمة عوامل أخرى مثل ضعف الطلب جراء ركود الاقتصاد العالمي والإنتاج القياسي الأميركية من النفط الخام بمثابة عوامل عكسية ساهمت في ضبط أسعار النفط على مدار العام الماضي".

واستدرك "بيد أن التوترات الحالية تضاف إلى سوق النفط المنكمش أيضا في أعقاب قرار ليبيا في أغسطس/آب 2024 إغلاق حقل بترول الفيل".

وأشار إلى أن تأثير الأحداث الحالية في زيادة عدم الاستقرار الاقتصادي في أرجاء العالم مثل أستراليا التي أعلن البنك المركزي بها مؤخرا أن معدل التضخم لا يزال فوق المستوى المطلوب.

رابحون وخاسرون

وأصدرت مؤسسة "يورو مونيتور إنترناشيونال" البريطانية العام الماضي 2023 "المؤشر العالمي لقابلية التأثر بتقلبات الطاقة 2023″، والذي يوضح الدول الأكثر والأقل تأثرا من التقلبات الحادة في أسعار الطاقة بما في ذلك النفط والغاز.

واعتمد المؤشر على 6 معايير وفقا لما يلي:

  1. الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
  2. بدائل الوقود الأحفوري.
  3. احتياطات الطاقة المحتملة.
  4. إمكانية الوصول إلى الطاقة.
  5. كفاءة الطاقة المرونة الاقتصادية.

وجاءت قائمة أقل 10 بلدان تأثرا وفقا لما يلي، علما أن المؤشر شمل 100 دولة في أرجاء العالم:

  1. النرويج
  2. كندا
  3. أستراليا
  4. الولايات المتحدة
  5. كولومبيا
  6. البرازيل
  7. السويد
  8. إندونيسيا
  9. أنغولا
  10. سويسرا

ولفت إلى أن تصدر النرويج وكندا وأستراليا والولايات المتحدة المراكز الأربعة الأولى يعود إلى الاكتفاء الذاتي القوي في مجال الطاقة، وموارد الطاقة الوفيرة، ومزيج الطاقة المتنوع، والمرونة الاقتصادية العالية.

وعلى النقيض، فإن قائمة أكثر 10 بلدان تأثرا بتقلبات الطاقة جاءت كما يلي:

  1. بيلاروسيا
  2. لبنان
  3. هونغ كونغ
  4. المغرب
  5. مقدونيا الشمالية
  6. تونس
  7. كمبوديا
  8. سنغافورة
  9. الأردن
  10. جمهورية الدومينيكان

وشدد على أن تلك البلدان تعاني من نقص كفاءة الطاقة وعدم الاستقرار الاقتصادي.

التأثير على أسعار السلع

وفي السياق ذاته، تحدثت شبكة "إن بي سي" الأميركية عام 2022 عن المخاطر التي يشكلها ارتفاع سعر النفط على السلع المختلفة، لا سيما في ظل اشتعال حرب أوكرانيا آنذاك والعقوبات المفروضة على النفط الروسي وعوامل أخرى.

وقالت إن "الأسعار المتزايدة في المضخات تمثل التذكير الأكثر وضوحا لارتفاع تكلفة النفط، لكن ما لا يراه الناس هو أن مشتقات النفط تكمن في آلاف من البضائع اليومية بما في ذلك منتجات الفايبر والدواء، مما يؤثر على أسعارها أيضا".

ونقلت عن الخبير باتريك ديهان -رئيس قسم تحليلات النفط في موقع غاسبادي دوت كوم- قوله: "النفط هو الجذر بالنسبة للعديد من المنتجات أمثال مستحضرات التجميل والشنط البلاستيكية والأسمدة".

ويرتبط 60% من الاستهلاك العالمي للنفط بالوقود، لكن النسبة الباقية تذهب إلى كم كبير من البضائع والسلع المنزلية أمثال الأحذية وحقائب اليد وجوارب النايلون.

من جانبه، ذكر رئيس شركة ليبو للنفط، أندرو ليبو، أنه "إذا كنت ترتدي نظارات شمس، فإن تكلفة عدسات البولي كاربونات قد ارتفعت. وسوف تزيد الأسعار لكافة البضائع المرتبط بالنفط".

ويقول خبير الطاقة بمؤسسة "سي إف آر إيه" البحثية، ستيوارت جليكمان "كل شيء مصنوع أو يعبأ في البلاستيك سوف يكون أكثر غلاء، إذ إن كثيرا من أنواع البلاستيك مصنوعة من البولي بروبيلين أو البوليثيلين وأساسها البروبان والإيثان".

وعلاوة على ذلك، يرى جليكمان أن ارتفاع سعر النفط يؤثر أيضا على أجهزة الجوالات الذكية والحواسيب والتلفاز التي تتألف من أجزاء بلاستيكية.

ونقلت الشبكة الأميركية عن خبير الطاقة فيصل هرسي بمؤسسة "إدوارد جونز" قوله: "قطاع الزراعة بين القطاعات الأشد تأثرا من ارتفاع أسعار النفط، إذ إن الأسمدة الصناعية تحتوي على وقود أحفوري، وكلما زاد ثمنها، ارتفعت أسعار الحبوب".

وأوضحت "إن بي سي" أن قطاع الرعاية الصحية يتأثر أيضا بارتفاع سعر النفط، إذ إن جميع المواد الخام الصيدلانية والكواشف الطبية تعتمد على البتروكيميائيات، مما يؤثر على كافة المنتجات الطبية تقريبا، بما في ذلك مراهم الحروق والفيتامينات وأقراص البرد والحساسية وغيرها.

وعلاوة على ذلك، تشمل القطاعات المتضررة أيضا التشييد والبناء والبنية التحتية مثل مشروعات الطرق، لا سيما أن الأسفلت -على سبيل المثال- يشكل 15-25% من تكلفة مشروع رصف.

ونشر معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي نشر دراسة في يونيو/حزيران 2023 بشأن التأثيرات الاقتصادية للحرب الأوكرانية-الروسية على منطقة شمال أفريقيا.

وقالت الدراسة إن التأثير الدراماتيكي لحرب أوكرانيا على أسعار السلع أعاد تشكيل الميزان السياسي والاقتصادي.

وأكدت أن هذا التغير (زيادة أسعار النفط) صب في مصلحة كبار الدولة المصدرة للهيدروكربونات أمثال الجزائر وليبيا، في حين أدى إلى تفاقم التوترات في دول مستوردة للطاقة أمثال مصر وتونس والمغرب.

واستطردت الدراسة التي أعدها الباحث ريكاردو فابياني : "بينما تستفيد الجزائر وليبيا مثلا من هذا الكسب المفاجئ اقتصاديا وسياسيا، وتضطر الدول المتضررة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للمساعدة في ظل توقعات بالتدهور السريع".

ووصفت سياسات المساعدات المالية التي تعتمد عليها القاهرة وتونس بالتحدي، لا سيما وأنها تكشف المعضلات السياسية والاقتصادية بهما.

وأردفت الدراسة أن ارتفاع إيرادات النفط والغاز ساهم في تعزيز السياسة الخارجية الجزائر وفرضت هدوءا مؤقتا في ليبيا، في الوقت ذاته "تعمق معاناة مصر وتونس على سبيل المثال اللتين تترنحان جراء عقد ضائع من الركود وعدم الاستقرار".

ونشر موقع "إنرجي آند كابيتال" الأميركي تقريرا في سبتمبر/أيلول 2024 عن أبرز الرابحين والخاسرين من ارتفاع أسعار النفط.

وقال إن سعر النفط الخام لا يزال يلامس مستويات مرتفعة، إذ زاد بنسبة 15% في الفترة من أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول العام الجاري، لافتا إلى أنه لا يوجد ما يدل على انخفاض وشيك أو صعوده إلى مستوى 100 دولار للبرميل.

وواصل: "يعني هذا أن تكلفة كل شيء سوف تصعد، منها منتجات البقالة وفواتير الكهرباء والمطاعم".

ووفقا لموقع "ماركت ووتش" الاقتصادي، فقد أنفق الأميركيون زيادة قيمتها 4.4 مليارات دولار لملء سياراتهم بالوقود في أغسطس/آب 2024 مقارنة بالفترة ذاتها  من عام 2017.

وأوضح الموقع المذكور أن ثمة مستفيدين يسعون إلى زيادة أسعار النفط الخام فوق 100 دولار للبرميل، أبرزهم منتجي البترول، لافتا إلى أن قرارات روسيا ومنظمة أوبك وكبار الدول المنتجة للنفط تخفيض الصادرات الخام محاولة لزيادة سعر البرميل.

ورأى الموقع أن قرارا مثل قرار السعودية، الذي وضع 5% حصة إضافية أسهم شركتها العملاقة (أرامكو) للطرح العام الأولي يجعلها ترغب في زيادة أسعار النفط لأقصى درجة حتى تحقق أكبر مكاسب ممكنة.

وعلى صعيد القطاعات، نشر المركز البحثي الهولندي "آي إن جي" قائمة عام 2022 لأكثر القطاعات المتضررة من ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا وفقا لما يلي:

  1. قطاع الطيران
  2. الشحن
  3. الصناعات الكيميائية
  4. صناعات المعادن الأساسية
  5. صناعات الأسمنت والخرسانة والطوب
  6. النقل البري
  7. الصناعة الغذاء والمشروبات

الفقراء الأكثر تأثرا

ونشر موقع "مدونات البنك الدولي" عام 2023 تقريرا حول الأكثر تأثرا على مستوى العالم من ارتفاع أسعار الطاقة، أشار إلى أن الفقراء هم الأكثر تأثرا بارتفاع أسعار النفط.

وخلصت الدراسة إلى أن "الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي البالغ 2.15 دولار ينفقون أكثر من ربع استهلاكهم غير الغذائي على الطاقة، في حين ينفق الأفراد الذين يزيد دخلهم اليومي على 50 دولارا أقل من 10% من استهلاكهم غير الغذائي على الطاقة. وفي ضوء ذلك، يتحمل أشد الناس فقرا أيضا تكاليف كبيرة لارتفاع أسعار الطاقة، ويؤثر ارتفاع أسعار الطاقة على أشد الناس فقرا، بغض النظر عن مستوى دخل البلاد".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان