خسائر تضر بالجميع.. أي حلول لأزمة اللحوم بمصر؟

A butcher slices meat at his shop in the Egyptian Delta town of Zagazig January 7, 2013. Egypt's economy, once strong and popular among investors, has been in tatters since the revolt of 2011 that ousted Hosni Mubarak and shook the country to its foundations. As in other parts of Egypt, people in Zagazig see complex economic trends in terms of the daily hardships they must endure, and it is President Mohamed Mursi's government and his Muslim Brotherhood allies who get the blame. Picture taken January 7, 2013. To match story EGYPT-REGIONS/ REUTERS/Asmaa Waguih (EGYPT - Tags: BUSINESS POLITICS SOCIETY)
ارتفاع أسعار اللحوم أضر بالمنتجين والمستهلكين في مصر (رويترز)

القاهرة- يتقاضى المواطن المصري، سيد عبد الرؤوف، من عمله بإحدى شركات إنتاج المنظفات، 3500 جنيه، (الدولار يساوي نحو 30 جنيها)، وهو ما يعادل أيضا 10 كيلوغرامات من اللحم، حيث يبلغ سعر الكيلو في حي السيدة زينب الذي يقطنه بوسط القاهرة 350 جنيها.

وفي الأحياء غير الشعبية -خاصة بالمتاجر الكبرى متعددة الأفرع- يصل كيلوغرام من اللحم إلى 450 جنيها، بينما ينخفض السعر بمنافذ وزارة التموين إلى نحو 225 جنيها لكونها تبيع لحوما مستوردة وليست من النوع البلدي الذي يفضله المصريون عادة.

أدى الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم الحمراء إلى تراجع استهلاك المصريين لها وخروج 30% من القصابين من منظومة الإنتاج وعزوف 70% من المربين عن تربية المواشي، حسب تأكيد نائب رئيس شعبة القصابين بالغرف التجارية، هيثم عبد الباسط.

ومؤخرا، ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بنسب تفوق الضعف، حيث كان سعرها قبل أشهر قليلة لا يتجاوز 150 جنيها للكيلوغرام، وكان ذلك من تداعيات الانخفاض الكبير والمتتابع للعملة المحلية أمام الدولار.

ووصل متوسط نصيب الفرد من اللحوم 7.3 كيلوغرامات في عام 2020، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء 53.8%، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ارتفاع كبير في أسعار اللحوم بمصر وسط تراجع القوة الشرائية-تصوير المراسل
الارتفاع الكبير في أسعار الدجاج واللحوم يوازيه ارتفاع في أسعار الأسماك والبيض بنسب مضاعفة (الجزيرة)

معاناة المشتري والبائع

ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء سبقه ارتفاع كبير في أسعار الدواجن، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام 100 جنيه ليهبط مؤخرا إلى 85 جنيها، بينما كان سعر الكيلوغرام في مايو/أيار من العام الماضي نحو 40 جنيها.

الارتفاع الكبير في أسعار الدجاج واللحوم يوازيه ارتفاع في أسعار الأسماك والبيض بنسب مضاعفة أيضا، وهو ما يمثل ضغطا على المواطنين المصريين خاصة من الشرائح ذات الدخول المنخفضة.

وأمام ذلك أصبح المواطن سيد عبد الرؤوف أمام أزمة توفير البروتين لأسرته المكونة من 4 أفراد، ويقول للجزيرة نت "مرتبي إضافة إلى مرتب زوجتي يكاد يكفي احتياجاتنا لآخر الشهر في ظل الأسعار القديمة، أما الآن فنحن نعيش أزمة كبيرة".

لم يشتر عبد الرؤوف اللحم الأحمر منذ رمضان الماضي، بل إن شراء البيض بالنسبة له أصبح في أضيق الحدود "أشتري 5 بيضات بـ25 جنيها، لقد عاصرت وقت أن كان غرام الذهب بـ28 جنيها"، وقرر مع زوجته شراء كيلوغرام من اللحم البلدي وكيلوغرام من اللحم المستورد فقط كل شهر بعد أن كانا يشتريان ضعف هذه الكمية خلال الفترة نفسها.

وعلى ما يبدو عليه عبد الرؤوف من معاناة لكنه يعد في مرحلة الترف بالنسبة لأم محمد -بائعة خضروات بإحدى الأسواق الشعبية- كونها تخلت نهائيا عن شراء اللحم منذ بداية العام، قائلة "في رمضان، ساعدتني أبواب الخير وحصلت على كيلوغرام من اللحم. وأنتظر عيد الأضحى من أجل لحم الأضحية".

ومن موقع البائع يعيش الجزار أحمد شاهين أزمة مشابهة، فقلة إقبال المشترين على شراء اللحوم خفض الكميات المباعة إلى النصف تقريبا، وأوضح "أشتري كيلو اللحم من مكان الذبح -المدبح- بـ160 جنيها وأبيعه بـ350 جنيها، لكني لا أحقق هامش الربح المنتظر لأن هناك مُهدرا في الوزن بعد الذبح ولأنني أدفع تكلفة الذبح والنقل وإيجار المتجر ومرتب العمالة فضلا عن فواتير المياه والكهرباء وأخيرا الضرائب"، مضيفا أن بعض زملائه لم يصمدوا أمام ما يشهده السوق من اضطراب واضطروا لغلق متاجرهم.

وعن انخفاض سعر اللحوم بمنافذ وزارة التموين مقارنة بمحلات الجزارة الخاصة، قال إن التموين تبيع اللحوم المستوردة والمجمدة غير الطازجة وفي كثير من الأوقات لا تتوفر اللحوم داخل تلك المنافذ.

ولا يتوقع شاهين انفراجة في الأزمة خلال الأيام المقبلة "على العكس.. موسم عيد الأضاحي سيفاقم الأزمة وستزيد أسعار اللحوم".

عزوف عن البروتين

لا توجد دراسات حديثة توضح الأثر الناتج عن ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة، ولكن دراسات العام الماضي توضح فداحة الوضع الرهن حيث كانت الأسعار أقل حينذاك.

فأوضحت دراسة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI)، أجريت خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، على أكثر من 6 آلاف أسرة فقيرة وشبه فقيرة من جميع أنحاء مصر، أن 85% من الأسر خفضوا استهلاك اللحوم و75% قللوا استهلاك الدجاج والبيض.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن 65.8% من الأسر تأثر نمط إنفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضحت الدراسة أن حوالي 90% من الأسر انخفض استهلاكها من البروتينات -اللحوم والطيور والأسماك- عما كان قبل بداية الحرب.

أسباب الأزمة

أرجع مساعد وزير التموين، إبراهيم عشماوي، ارتفاع أسعار اللحوم لنقص الأعلاف التي تتغذى عليها المواشي، لافتا إلى تعطل الإفراج الجمركي عن الأعلاف المستوردة خلال الفترة الماضية.

وفي مارس/آذار من العام الماضي، ألزمت الحكومة المستوردين فتح اعتمادات مستندية كإجراء رئيسي للاستيراد من الخارج ما أدى إلى بطء عمليات الاستيراد، ثم شهدت البلاد أزمة في توفير العملة الأجنبية ما أدى لتكدس البضائع المستوردة في الموانئ، وجاء الإفراج عن البضائع بعدما تأزم السوق وارتفعت الأسعار بشكل وصفه خبراء بالجنوني.

وزاد سعر طن الذرة الصفراء من 6 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه، والفول الصويا من 8 آلاف جنيه إلى ما يزيد على 30 ألف جنيه بنسبة زيادة حوالي 400%.

وأضاف عشماوي -في لقاء تلفزيوني- أن خروج بعض مربي المواشي من منظومة الإنتاج كان سببا آخر في ارتفاع أسعار اللحوم، لكنه استبعد تماما أن يكون الصراع الدائر في السودان سببا في الأزمة.

وتعتمد مصر على استيراد كميات كبيرة من اللحوم السودانية، ففي عام 2021 كانت الحيوانات الحية واللحوم والأطراف القابلة للأكل على رأس الصادرات من الخرطوم للقاهرة بقيمة 217 مليون دولار، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وقال مساعد وزير التموين إن اللحوم السودانية تمر عبر مناطق آمنة للوصول إلى الجانب المصري دون أي تأثر بالاشتباكات الدائرة هناك.

وحاول التقليل من أزمة اللحوم قائلا "دائما ما نعاني من عجز في اللحوم. والدواجن تأتي في المرتبة الأولى في استهلاك المصريين للبروتينات"، متجاهلا في تصريحه الارتفاع المماثل لأسعار الدواجن.

ما الحل؟

وكمحاولة للسيطرة على أسعار الأعلاف التي هي السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار اللحوم، أعلن وزير التموين، على المصيلحي، الموافقة على توريد 10 كيلوغرامات ردة للفلاح بسعر 8 جنيهات مقابل كل أردب قمح يتم توريده للحكومة من جانب الفلاح.

وأوضح خلال فعاليات موسم حصاد القمح وعدد من المحاصيل، الأسبوع الماضي، أن هذا التحرك يعد مساهمة من الحكومة للفلاحين الذين يربون ماشية بتوفير احتياجاتهم من العلف لتربية المواشي وهو ما سيؤدي بدوره إلى تراجع أسعار اللحوم خلال الفترة المقبلة، حسب توقعه.

كما طرح رئيس الغرفة التجارية بمحافظة الإسماعيلية، أحمد عثمان، عدة مقترحات لحل الأزمة ومنها تشديد الرقابة على ذبح القطيع الصغير "البتلو"، وزيادة الرقابة التموينية على الأسعار، بحيث يتم تطبيق تسعيرة موحدة، والاهتمام بزراعة الذرة والصويا المستخدمتين في تصنيع الأعلاف.

بينما نقل هيثم عبد الباسط نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، اقتراح أصحاب محال الجزارة وهو إغلاق المحلات لمدة شهر أو شهرين لحين ضبط السوق، لافتا إلى مطالبته وزارة التموين في اجتماع سابق بتحديد هامش ربحي بسيط للمستوردين.

وأوصت دراسة منشورة بمجلة الاقتصاد الزراعي والعلوم الاجتماعية حملت عنوان "إنتاج واستهلاك اللحوم الحمراء والبيضاء بمصر"، بزراعة ما لا يقل عن 100 ألف فدان من الأعلاف سنويا وهو ما سيؤدي إلى خفض أسعار اللحوم كون بند تكاليف التغذية يستحوذ على 60% من تكاليف الإنتاج الكلي.

فيما بدأت أصوات مدنية تدعو لمقاطعة شراء اللحوم الحمراء ردا على ما اعتبرته ارتفاعا مبالغا فيه بأسعارها، فأطلقت قبل أسبوع جمعية "مواطنون ضد الغلاء" حملة بعنوان "خليها تنعّر" تستهدف مقاطعة شراء اللحوم لمدة شهر واحد.

المصدر : الجزيرة