الجزائر.. هل ينعش قانون الاستثمار الجديد اقتصاد البلاد؟
الجزائر– فتح القانون الجديد للاستثمار في الجزائر شهية المتعاملين الاقتصاديين بالداخل والخارج، حيث أكدت مؤخرا منظمات أرباب العمل للصحافة المحلية وجود أكثر من 100 طلب استثمار أجنبي على طاولة السلطات الجزائرية، مقابل إبداء 1200 متعامل أجنبي نيتهم في دخول السوق الجزائرية.
ومن جهتها، كشفت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، في آخر حصيلة لها، عن تسجيل أكثر من 1694 مشروعا للاستثمار، بقيمة تتجاوز 845 مليار دينار جزائري (6.3 مليارات دولار)، منذ دخول القانون الجديد حيز التطبيق، في الفترة منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني إلى 31 مارس/آذار الماضي.
وأوضح مدير الوكالة عمر ركاش، للإذاعة الجزائرية، أن عدد الطلبات المسجلة بـ"الشباك الوحيد للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية" بلغ 48 ملفا، من بينها 38 مشروعا استثماريا أجنبيا مباشرا، و24 مشروعا في إطار شراكة مع أجانب و14 مشروعا كبيرا لمستثمرين وطنيين.
ويضمن "الشباك الوحيد" تبسيط الإجراءات للمستثمر، عن طريق تجميع كل الإدارات التي لها علاقة بالنشاط الاستثماري، على غرار ممثلي الضرائب والجمارك والمركز الوطني للسجل التجاري.
كما أعلنت الجهة الحكومية نفسها عن مفاوضات متقدمة مع مستثمرين أجانب، من بينهم مؤسسات كبرى تواصلت عبر الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في عديد من الدول.
وبخصوص القطاعات الأكثر جذبا للاستثمارات، أوضح عمر ركاش -في تصريح آخر لوكالة الأنباء الرسمية- أن قطاع الصناعة يأتي في المقدمة بـ862 مشروعا، متبوعا بقطاعات البناء والأشغال العمومية بـ233 مشروعا، والنقل بـ223 مشروعا، ثم الخدمات بـ95 مشروعا، والفلاحة والصيد البحري وتربية المائيات بـ95 مشروعا، إضافة إلى المشاريع السياحية بـ52 مشروعا، مع 45 مشروعا في الصحة.
مؤشرات إيجابية
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، صرّح في لقاء أجراه مع "الجزيرة بودكاست" في السادس من أبريل/نيسان الجاري، بأن القطاع الخاص يستحوذ على 85% من رأس المال الجزائري، متوقعا تجاوز قيمة الاستثمار فيه 30 مليار دولار بحلول 2027، واستحداث 55 ألف وظيفة خلال الـ18 شهرا المقبلة.
وتأتي هذه المؤشرات الإيجابية -وفق مراقبين- في أعقاب حالة من الجمود الكامل للاستثمار الوطني والأجنبي منذ حراك 22 فبراير/شباط 2019، إذ تم تعطيل "المجلس الوطني للاستثمارات"، بينما لم يتجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.3 مليار دولار سنويا، أغلبها في قطاع المحروقات، وفق أرقام الحكومة.
وتراهن السلطات الجزائرية -في ظل تشريع جديد للاستثمار- على تفعيل خطة الرئيس عبد المجيد تبون للإنعاش الاقتصادي، إذ استحدث القانون "آلية مستقلة رفيعة المستوى، تضم قضاة وخبراء اقتصاديين وماليين، وتتولى الفصل في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المستثمرين".
كما تضمن إنشاء "الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار" تحت سلطة الوزير الأول، مع النص على تسليط "أقصى العقوبات" ضد كل من يعرقل، بشكل أو بآخر، عمليات الاستثمار مهما كان مركزه وطبيعة مسؤوليته.
مناخ جذاب وإصلاحات تشريعية
وعن شروط تجسيد المبادرات الاستثمارية الجديدة، قال المحلل الاقتصادي هواري تيغرسي إن الدولة الجزائرية سعت إلى توفير المناخ الجذاب، من خلال إصلاحات تشريعية مهمة، مثل قوانين النقد والصرف والمقاول الذاتي والوظيف العمومي والعمل.
وأبرز الخبير تيغرسي، في تصريح للجزيرة نت، أهمية قانون الاستثمار الجديد بمواد تحفيزية حسب نوعية المناطق والقطاعات، وإجراءات شفافة وفعالة.
وأوضح المتحدث أن السلطات العمومية تراقب نشاط الاستثمار من خلال إدارات رقمية وشباك وحيد محلي ومركزي للاستثمارات الكبرى والأجنبية، وآجال زمنية محددة للرد، أو الطعون عن طريق لجنة تخضع لرئاسة الجمهورية، لتفادي الإقصاء والأخطاء، على حد تعبيره.
وأشار العضو السابق بلجنة المالية في البرلمان إلى تفعيل المنظومة الاقتصادية والخروج من التسيير البيروقراطي، لاستقطاب الاستثمار المحلي والأجنبي، من خلال اعتماد الجزائر للإصلاحات البنكية وإشراك القطاع الخاص ورقمنة إدارات الضرائب وأملاك الدولة والجمارك، وتعميم الرقمنة لاحقا على كل القطاعات الوزارية.
واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر أن أرقام "وكالة ترقية الاستثمار" الأخيرة، والمحققة خلال مدة قصيرة، خير دليل على موثوقية الجزائر في الساحة الدولية وتحسين مناخ الاستثمار بها.
وأدرج الخبير تيغرسي تفعيل الحكومة الجزائرية لمشروع الرقمنة والمصادقة على قانون محاسبة عمومية جديد ضمن مسعى الولوج إلى نمط التسيير العالمي والحكامة المالية.
وشدد على أن تطبيق قانون المالية بالأهداف وتشريع قوانين ردعية لمحاربة المضاربة ومراجعة نصوص أخرى ذات صلة بتسيير الأموال العمومية، على غرار القانون التجاري وقوانين البلدية والولاية والصفقات العمومية والشراكة بين القطاعين العام والخاص، تهدف كلها إلى قطع الطريق على سيناريوهات الفساد السابقة، وتحسين مناخ الأعمال لاستقطاب الاستثمار، حيث لا يتعدى استغلال الإمكانات الوطنية حاليا 20%، حسب تقديرات الخبير تيغرسي.
سباق مع الزمن
ومن جهة أخرى، يرى الخبير عمر هارون أن الجهود المبذولة في الجزائر لتحسين بيئة الأعمال وتطويرها، عبر المرافقة العمومية والرفع التدريجي للعوائق البيروقراطية واجتثاث منابع الفساد المالي والإداري سمحت بعودة الحركية لقطاع الاستثمار.
وكشف أستاذ الاقتصاد بجامعة المدية عن أن الحكومة تعمل الآن على تنظيم العقار الاقتصادي، من خلال استحداث وكالة خاصة بكل أنواعه (السياحي، الزراعي، الاستثماري، والحضري).
وهذا ما سيجعل -وفق هارون- دراسة الملفات والحصول على العقار عملية مرقمنة بالكامل، بعد أن كانت خاضعة لمسار إداري بيروقراطي معقد، كما أن سريان القانون النقدي والمصرفي الجديد سيعجّل هو الآخر من وضع عديد المشاريع حيز الخدمة.
وأكد هارون -في تصريح للجزيرة نت- أن الجزائر تسارع الزمن اليوم للالتحاق بمجموعة دول بريكس، مما يجعلها مطالَبة برفع الناتج الداخلي الخام، خاصة أنها حققت نحو 7 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات، مع فائض تجاري فاق 18 مليار دولار، ومداخيل محروقات فوق 50 مليار دولار عام 2022.
وقال الخبير إن الجزائر رفعت من تعاقداتها في ميدان الغاز، مما يسمح لها بتحقيق موارد مالية بـ64 مليار دولار، وهي موارد ستستعملها لتطوير الاقتصاد الوطني، ومرافقة المؤسسات الوطنية والأجنبية، من أجل تحسين النسيج الصناعي والتجاري.
وأوضح أن الجزائر تستهدف حاليا تحقيق 10 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات وتخفيض نسبة البطالة، خاصة أن أغلب العاطلين عن العمل مؤهلون، ويحصلون على تأهيل إضافي ضمن الشروط الأساسية للحصول على منحة البطالة.
واعتبر المتحدث أن كل التدابير تصب في المصلحة العامة، فكلما زادت نسبة إنشاء المؤسسات توفرت فرص توسيع الوعاء الضريبي، الذي تهدف الحكومة إلى إحلاله محل الجباية البترولية، بينما تبقى هذه الأخيرة أساسية في المؤشرات المالية العامة للدولة الجزائرية.