المغرب.. الخدمات الرقمية تهدد عمل الفروع البنكية التقليدية
الرباط– احتدت المنافسة في العامين الماضيين بين المصارف المغربية بهدف تسهيل وصول عملائها إلى الخدمات المالية عبر الإنترنت، سواء تعلق الأمر بتطبيقات الهاتف المحمول ومواقع الإنترنت وخيارات الدفع الأكثر أمانا، أو إمكانية فتح حساب عن بُعد مع أدوات إدارة التمويل الشخصي.
غير أن تنامي الاعتماد على الخدمات المالية الرقمية كان له تأثير على الفروع البنكية التقليدية، إذ تراجع عددها ما بين سنتي 2021 و2022 وفق ما كشفت عنه وثيقة أصدرها البنك المركزي المغربي.
وحسب الوثيقة، فإن 189 فرعا بنكيا أغلق أبوابه العام الماضي، وانتقل العدد على الصعيد الوطني من 6065 فرعا سنة 2021 إلى 5914 خلال سنة 2022، واستهدف الإغلاق على الخصوص الوكالات التابعة للمصارف التقليدية.
ويبلغ عدد المصارف التقليدية بالمغرب 19 (تضم 5715 فرعا) مقابل 8 بنوك تشاركية (190 فرعا) و9 مصارف خارجية، و13 مؤسسة دفع.
تطور رقمنة البنوك
أظهرت دراسة حديثة أجرتها مجموعة "سونيرجيا" (Sunergia) حول "تطور رقمنة البنوك المغربية"، أن 73% من المغاربة الذين يملكون حسابا بنكيا يستخدمون على الأقل خدمة بنكية واحدة عبر الإنترنت، وهو الرقم الذي يتوافق مع المتوسط العالمي.
ويتوفر حوالي 18 مليون مغربي على حساب بنكي واحد على الأقل، 63% منهم رجال و37% نساء.
وقارنت الدراسة مستوى معدل رضا العملاء عن الخدمات المصرفية الرقمية بين سنتي 2020 و2022، وتبين أن المعدل انتقل من 76% إلى 91%، وتفسر هذه النسبة التي تعكس معدل رضا جيد -حسب الدراسة – تحسن مستوى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت المقدمة للعملاء.
وأظهر التقرير السنوي حول الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي الصادر بتنسيق بين البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية تقييما لخدمة "الدفع بواسطة الهاتف النقال" وهي تقنية تسمح بإرسال الأموال وأداء الفواتير والمشتريات عبر الهاتف الذكي.
وحسب التقرير فإن عدد المعاملات التي نفذت عبر هذه الخدمة خلال عام 2021 بلغت 4.9 ملايين معاملة مقابل 1.4 مليون معاملة مسجلة في عام 2020 أي بزيادة 242% بمبلغ إجمالي قدره 1.1 مليار درهم مقارنة بـ445 مليون درهم في عام 2020 أي بزيادة 151% (الدولار يساوي 10.21 دراهم).
وأظهر تحليل بنية المعاملات هيمنة معاملات أداء الفواتير وتعبئات الهاتف (73% من حيث العدد و44% من حيث المبلغ) تليها التحويلات من شخص لآخر (19% من حيث العدد و44% من حيث المبلغ).
فوائد وسلبيات
إلى جانب الثورة التكنولوجية التي فرضت التحول الرقمي للعديد من الخدمات، كان لجائحة "كوفيد-19" دور أساسي ومهم في تسريع هذا التحول حسب ما قال للجزيرة نت سليمان العمراني الباحث في التحول الرقمي.
ومكّن تطور الخدمات المصرفية بفضل هذه الثورة التكنولوجية المستهلك من القيام بعدد من الخدمات عن بُعد كما يوضح للجزيرة نت المحلل الاقتصادي والمالي محمد جدري، ومن هذه الخدمات أداء الفواتير، تحويلات بنكية، اطلاع على الحسابات، دفع الشيكات والنقود دون الحاجة إلى التنقل إلى الوكالة المصرفية.
ويرى العمراني أن سياسات البنك المركزي المغربي أسهمت في المنحى التصاعدي للمالية البنكية الرقمية، موضحا أن مبادرة "غرين ماروك" التي أطلقها المركزي الغربي ترمي إلى تحسين خدمات تحويل الأموال وخفض تكاليفها لاسيما عبر التشجيع على استخدام الخدمات المالية الرقمية.
ويؤكد الباحث أن رقمنة الخدمات البنكية مفيدة في تقليص الجهد وفعالية المعاملات للزبائن، ومفيدة للبنوك في التقليل من عبء تدبير العلاقات المادية مع العملاء والاستفادة من ذلك في عملها الداخلي.
غير أنه لا يخفي وجود سلبيات ما تزال تلازم هذا النظام وتَحُدُّ من توسعه، ومن ضمنها استمرار ارتفاع تكلفة العمليات البنكية الرقمية التي يتحملها الزبون مما لا يشجع شرائح واسعة على التطبيع مع المالية الرقمية، وفيما يتعلق بالبنوك فإن من الآثار السلبية المباشرة هو اضطرارها لتقليص حجم مواردها البشرية وبالتبع عدد وكالاتها.
ومهما تكن السلبيات المسجلة، يؤكد العمراني أن الرقمنة الشاملة للخدمات المصرفية وضمنها تدبير علاقات البنوك بالعملاء حتمية لا راد لها، مشددا على أن التحول الرقمي البنكي سيحقق أعلى مؤشرات النجاعة المالية ويحقق رضا المتعاملين ويجعلهم في حلّ من التردد على الوكالات والشبابيك ويَحُدُّ من مخاطر التداول النقدي.
ويشير إلى تحديات يتعين رفعها، منها بناء ثقة المتعاملين في المالية الرقمية، وتقليص الأعطاب التقنية التي تعتري أحيانا عمل مجموعة من المصارف مما يلحق أضرارا بعملائها.
من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي والمالي محمد جدري أن الانتقال الرقمي ينبغي أن يكون مصحوبا بحملات إعلانية لتسهيل وصول المستهلكين لهذه الخدمات، خصوصا في بيئة مغربية تضرب الأمية أطنابها، مشيرا إلى ضرورة توعية المستهلكين بأهمية إجراءات الأمان المستعملة وأن الخدمات المصرفية عن بُعد تمكن من ربح الوقت والجهد والمصاريف، بالإضافة، إلى أنها خدمات متواصلة على طول اليوم والليل، عكس الخدمات المصرفية الكلاسيكية التي تبقى مرهونة بأوقات دوام المصارف.
الوظائف في البنوك
يحصي المغرب نحو 40 مليون نسمة ويتوفر على تجهيزات وبنية تحتية تغري المصارف بتسريع التحول الرقمي والتنافس على تنويع خدماتها الرقمية لجذب مزيد من العملاء، وحسب بيانات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات فقد بلغ عدد المشتركين في الهاتف المحمول في نهاية 2020 حوالي 49 مليون مشترك، فيما عدد مشتركي الإنترنت حوالي 30 مليون مشترك مما يرفع معدل انتشار الإنترنت إلى 83%.
غير أن الرقمنة الشاملة للخدمات المصرفية لن تتحقق دون تأثير على منظومة الوظائف، وهو ما يؤكده عدد من التقارير.
وسجل عدد الموظفين في المصارف التقليدية انخفاضا بنسبة 2.3% بين سنتي 2019 و2021 ليبلغ حوالي 40 ألف موظف حسب التقرير السنوي حول الإشراف البنكي الذي يصدره البنك المركزي المغربي.
وبحسب العمراني فإن الثورة التكنولوجية الرابعة، خصوصا تقنيات الذكاء الاصطناعي، تهدد بزوال ملايين الوظائف في العالم ونشأة ملايين وظائف جديدة في أفق الثلاثين سنة المقبلة، فالمصارف اليوم -يضيف العمراني- ليست معفاة بسبب الرقمنة من الاستمرار في إنعاش التشغيل ومحاربة البطالة، غير أنه يلزمها التحول لسياسة جديدة للتشغيل.
وفي نظر جدري فإن تأثير الرقمنة على الوظائف المصرفية يبقى نسبيا، لأنه في مقابل تقليص الموظفين خاصة "المكلفين بالعملاء"، سيتم استحداث العديد من المهن الجديدة من قبيل "المكلفين بالعملاء عن بُعد" وزيادة في عدد مستخدمي مراكز النداء (Call Center) إلى جانب خلق العديد من الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا والرقمنة والأمان.