"وجبة الرحمة" في ماليزيا.. تجربة ناجحة لمساعدة محدودي الدخل على مواجهة الغلاء
كوالالمبور– لم يعد بمقدور شريحة واسعة من الماليزيين الحصول على وجبة طعام مناسبة لا يزيد سعرها على 5 رينغيت (1.2 دولار)، في وقت يعجز فيه التجار وأصحاب المطاعم وحتى البسطات الشعبية عن توفير هذه الوجبة دون خسائر في ظل التضخم المستمر في أسعار المواد الغذائية.
رغم تردده وشكّه بالنوعية والكمية، قرر سيد أحمد الخالد أخيرا تجربة مبادرة "وجبة الرحمة"، لمساعدة ذوي الدخل المحدود على مواجهة أعباء التضخم، فهو وزوجته يعملان لمدة تزيد على 8 ساعات يوميا، وكغيرهما من الموظفين اعتادوا الأكل خارج المنزل.
لكن الخالد بعد أسابيع من الاعتماد عليها مع عائلته، أصبح يثمن المبادرة ويفضل "وجبة الرحمة" على البسطات والمطاعم الشعبية التي اعتاد الأكل فيها، ويقول للجزيرة نت إنها وفرت له ولأسرته ما لا يقل عن 5 دولارات في اليوم الواحد، إضافة إلى أنها تتضمن البروتين والأرز والخضار.
وبحسب مصادر وزارة التجارة المحلية وضبط الأسعار، فإن المبادرة التي أطلقها الوزير صلاح الدين أيوب بداية فبراير/ شباط 2023، لا تتضمن دعما حكوميا، ويقتصر دور الحكومة على رقابة الجودة، وجاءت بعد لقاء الوزير بممثلين عن مجتمع رجال الأعمال المحليين، وطال النقاش سبل مواجهة تضخم السلع الغذائية، دون اللجوء إلى الدعم الحكومي المباشر.
وتستهدف "وجبة الرحمة" نحو 40% من سكان ماليزيا البالغ عددهم نحو 33 مليون نسمة، وهي الطبقة الأقل حظا اقتصاديا، ويطلق عليها في التصنيف الاقتصادي الماليزي القاعدة (B40)، تليها الطبقة الوسطى (40M) ثم الطبقة الغنية (20E).
الجدوى الاقتصادية
يرى أمير مايدين -مالك إحدى أكبر شركات بيع التجزئة في ماليزيا- أن المبادرة أثبتت جدواها بالنسبة للتجار والزبائن على حد سواء، بل زادت من عائدات تجار التجزئة من عدة أوجه.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت، أن توفير وجبة غذاء بـ5 رينغيت كان مستهجنا، للاعتقاد بأنها أقل من تكلفة المواد الخام، لكن تبين بعد دراسة مستفيضة أجرتها مؤسسة مايدين أنها زادت الأرباح وحركت السوق.
مايدين عدد مزايا المبادرة، ومن أبرزها قدرتها على تحريك السوق، بقوله إن الربح في "وجبة الرحمة" لا يقل عن 25%، وذلك بحساب المواد الخام دون التكاليف التشغيلية، وهي تتضمن لمسة إنسانية بمساعدة الفقراء والمحتاجين، وفيها يكسب مجتمع الأعمال مالا مقابل تقديم خدمة للمجتمع، والأهم برأيه أن تكاليف التشغيل في المتجر لا تذهب جميعها إلى "وجبة الرحمة"، فهي لا تستهلك أكثر من 15% من نفقات المتاجر، وهناك 85% من الأرباح تأتي من التجارة المعتادة، وبهذه الطريقة يمكن القول إن دعم هذه الوجبة يؤخذ من المكاسب الأخرى.
وبالإضافة إلى تحفيز عمل الخير، كما يقول مايدين، أصبح المتبرعون الذين كانوا يقدمون وجبات للفقراء بأسعار غالية يطلبون أعدادا أكبر من الوجبات تصل إلى أكثر من الضعف، وبذلك فإن عائدات الأرباح تعوض بالكميات الكبيرة التي يبيعها التجار.
الدعم وسقف الأسعار
يتفق أمير مايدين مع الخبير الاقتصادي في البنك الدولي "أبورفا سانغي"، في رفض سياسة دعم الأسعار أو تحديدها، والتي دأبت الحكومة الماليزية على انتهاجها لعقود.
ويقول سانغي في تصريحات للجزيرة نت إن ماليزيا تتقدم دول "آسيان" في التدخل لضبط الأسعار، سواء من خلال تحديد سقف أعلى أو الدعم الحكومي للسلع الأساسية، وتسببت هذه السياسة برأي الخبير الدولي بتراجع الإنتاج ونقص المواد في السوق المحلية، وضرب لذلك مثالا على نقص معروض البيض والدجاج عندما حددت الحكومة أسعار السلعتين في ظل جائحة كورونا، إذ خفض أصحاب المزارع إنتاجهم إلى الربع على الأقل.
ويشير سانغي إلى أن الدعم الحكومي للمشتقات النفطية العام الماضي بلغ 2.3% من حجم الناتج المحلي الماليزي، بينما تقدر ميزانية الصحة بنحو 1.9% من مجموع الناتج المحلي.
ويتجنب كل من سانغي ومايدين الدعوة إلى رفع الدعم بشكل مفاجئ، لأنه قد يتسبب باضطرابات اجتماعية واقتصادية، لكنهما يؤيدان رفعا تدريجيا مدروسا، بحيث يمكن توفير الدعم الحكومي الذي تجاوز 80 مليار رينغيت (18 مليار دولار) في التنمية أو في سداد الديون العامة للبلاد التي تقدر بأكثر من 300 مليار دولار، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء في الموازنة السنوية لباس طرحت الجمعة الماضية.
ويرى مايدين أن دوافع سياسية تقف وراء دعم السلع، تتعلق بالشعبية ولا علاقة لها بالاقتصاد، ورغم أن الحكومة الحالية تحظى بأغلبية الثلثين فإنه يستبعد أن تغير سياسات الدعم قبل الانتخابات المحلية المزمعة في 6 ولايات في النصف الثاني من العام الجاري.
ويقول إن "وجبة الرحمة" أعطت مؤشرا على وجود وسائل أخرى لمواجهة التضخم غير الدعم المباشر أو وضع سقف للأسعار، مشيرا إلى أن رفع مستوى الدخل قد يكون بديلا آخر لوقف تدخل الحكومة بالسوق، لكن مع الحذر، عند رفع الحد الأدنى للأجور، من رفع كلفة الإنتاج.