انهيار الليرة اللبنانية لمستوى قياسي.. تعرف على الأسباب والتداعيات

GettyImages-1326101917 Lebanese Lira (Lebanese Pound) currency with 100 USD - The Lebanese currency has lost more than 90 percent of its value since October 2019
بعض الخبراء يعتقدون أن البنك المركزي اللبناني لا يملك القدرة على التدخل بصورة فعالة في السوق النقدية (غيتي)

بيروت– مع تراجع الليرة اللبنانية إلى مستوى قياسي عند 100 ألف ليرة لكل دولار أميركي، وتزامنا مع استئناف المصارف اللبنانية إضرابها المفتوح احتجاجا على دعاوى قضائية بحقها، يواجه الاقتصاد اللبناني مأزقا خطيرا.

أسباب وخلفيات

عمليا، يؤكد الخبراء أن السقوط الحر لليرة اللبنانية يعد نتيجة طبيعية لتقاعس السلطتين السياسية والنقدية عن إيجاد الحلول وإقرار الإصلاحات. وفي حين يعجز مصرف لبنان المركزي عن التدخل بحلول مستدامة للسيطرة على فوضى السوق الموازية، تسيطر الأخيرة على مصير الليرة.

فمؤخرا، اكتسبت السوق الموازية زخما قويا ونوعا من الشرعية، مع دخول لبنان مرحلة الدولرة شبه الشاملة، إثر سماح السلطة للمؤسسات والشركات بتسعير الدولار وفقا لقيمة الدولار بالسوق السوداء.

من ناحيته، يقول المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد أن تهاوي الليرة لرقم 100 ألف أمام الدولار كان متوقعا، لأن لبنان يشهد حالة انهيار مستمر منذ 3 سنوات ونصف السنة. والمفارقة أن القيادة السياسية تتابع المشهد من مقاعد المتفرجين من دون إعلان خطة طوارئ للإنقاذ.

ويقارن زياد ذلك بسرعة تصرف الإدارة الأميركية عند انهيار بنك وادي السيليكون (سيليكون فالي SVB)، إذ وضعت الدولة هناك البنك المفلس تحت إدارتها فورا.

في حين تؤكد الصحفية المتخصصة بالشأن الاقتصادي عزة الحاج حسن أن الأسباب التي أدت لانهيار الليرة اللبنانية مستمرة اقتصاديا وسياسيا، وتمتد المشكلة لتشمل كل القطاعات، ويعد القطاع المصرفي الأكثر تأثيرا.

أزمة المصارف

وتدخل المصارف اللبنانية المرحلة الثانية من إضرابها المفتوح احتجاجا على صدور أحكام قضائية بحق بعضها تقضي باسترداد ودائع، وملاحقات أخرى لمصارف ومصرفيين.

وتشهد سوق النقد في لبنان اضطرابا كبيرا نتيجة الإضراب وعدم الإسراع في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وأخيرا عدم قدرة الحكومة على رد أموال المودعين.

ويقول الخبير الاقتصادي منير يونس -في حديثه للجزيرة نت- إن الدولار أصبح سلعة قائمة بحد ذاتها في لبنان، وثمة إقبال هائل عليه مقابل الشح في سوق النقد الرسمية، كما تفاقمت الأزمة بسبب عجز ميزان المدفوعات بنحو 3.2 مليارات دولار.

صدمة رقم 100 ألف

وفي ظل غياب الرقابة الرسمية، يسجل المواطنون فروقات هائلة بأسعار السلع بين متجر وآخر، خصوصا أن سعر صرف الدولار يتغير على مدار الساعة، إذ يلجأ بعض التجار إلى استيفاء الفواتير من المواطنين بأسعار تتجاوز قيمة الدولار الفعلية بالسوق السوداء، وهو ما يكرس بيئة للتلاعب والمضاربات التي تعزز أرباح التجار، وفق مراقبين.

ويضاعف هذا التدهور لليرة هموم المواطنين المعيشية، فقد أصبح مجرد التنقل من مكان إلى آخر أزمة في حد ذاتها مع ارتفاع أسعار الوقود، إذ وصل سعر صفيحة البنزين إلى 1.8 مليون ليرة، أي نحو نصف راتب موظف بالدولة.

يأتي ذلك بينما تشهد معظم قطاعات الدولة حالة من الشلل، وعلى رأسها قطاع التعليم، إذ يُضرب المعلمون عن العمل باستمرار مطالبين بتحسين أجورهم ودفعها بالدولار الأميركي.

وتقول عزة الحاج إن تجاوز رقم 100 ألف مخيف، وهناك كثير من الخطوات التي أعاقت الحلول ودفعت الليرة للهبوط الحاد، مثل التراجع عن بنود إصلاحية طالب بها صندوق النقد الدولي، والاستعصاء السياسي والشغور الرئاسي وعدم وجود حكومة بصلاحيات كاملة لتنفيذ خطة إصلاحات.

عجز "المركزي"

مع تضاؤل الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي اللبناني لأقل من 10 مليارات دولار -الذي كان قبل الأزمة نحو 35 مليار دولار- تؤكد عزة الحاج أن "المركزي" لا يملك القدرة على التدخل بصورة فعالة في السوق النقدية، منذ أن بدأ سياسة سحب الدولار من السوق وإعادة ضخها.

ويحمّل الخبير الاقتصادي يونس البنك المركزي مسؤولية انهيار الليرة، مضيفا أن تدهور الليرة يتفاقم بالاعتماد الكلي على الاستيراد.

سيناريوهات

من جهته، يحذر المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية من انعكاس خطير لانهيار الليرة على الأمن الغذائي في لبنان، مع تفاقم ظاهرة الفقر الذي يطول نحو 85% من السكان، إذ صارت كثير من السلع الأساسية، كحليب الأطفال، بعيدة عن متناول جميع الأسر.

ويعتقد عبد الصمد أنه لولا وجود أفراد بمعظم الأسر تتقاضى رواتبها بالدولار، أو ترسل تحويلات مالية من الخارج، لما تأخر الانفجار الاجتماعي كل هذا الوقت. ومع ذلك، فإن معدل التحويلات الخارجية لم تعد كافية لسد حاجات الأسر بعد تسعير مختلف الخدمات والسلع بالدولار، حتى بدل السكن والتعليم أصبح بالدولار.

ويؤكد أن أي انفجار اجتماعي في لبنان سيسبب فوضى عارمة، وستكون له تداعيات أمنية خطيرة إذا لم تسارع السلطة بالبدء في إصلاحات عاجلة.

من جانبه، يقول يونس إذا لم يتقدم لبنان في اتفاقه مع صندوق النقد الدولي عبر تنفيذ الإصلاحات والتشريعات المطلوبة منه، سيستمر الانهيار، مستبعدا قدرة الحكومة الحالية على توقيع اتفاق مع الصندوق.

أما عزة الحاج حسن، فتؤكد أن انهيار الليرة لن يتوقف عند هذه الحدود مع استمرار السياسات نفسها، وأن الحلول الطويلة الأمل غير متاحة حاليا، لكن أي إجراء إيجابي، كانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة ومن ثم الشروع بالإصلاحات، قد يهدئ الوضع المالي مرحليا.

المصدر : الجزيرة